دافيد هيرست يكتب: يوم القنفذ في ليبيا
"إذا لم تنجح للمرة الأولى، فحاول ثانية، ثم حاول تارة أخرى، ثم توقف، فلا فائدة من أن تتصرف بغباء". لعل هذا ما كان سيقوله "دبيلو سي فيلدز" للجنرال الليبي المدعوم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والذي حاول مرتين عمل انقلاب عسكري، وكان نصيبه الفشل في كل واحدة منهما. إلا أن الفريق خليفة حفتر لا يبدو راغباً في التوقف عن محاولاته، فبعد فشل قواته في الاستيلاء على بنغازي يوم الجمعة، يعد حفتر بإعادة جمع قواته وتكرار المحاولة من جديد.
في فبراير، كان لحفتر محاولة انقلابية أيضاً، إلا أنها كانت أقرب إلى الاستعراض منها إلى الانقلاب الحقيقي. فقد ظهر على شاشة التلفزيون بزيه العسكري ليطالب بحل البرلمان وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة، مدعياً أن قواته استولت على عدد من المواقع الاستراتيجية في مختلف أرجاء البلاد. وأثناء ذلك، انتشر طابور مسلح من لواء الزنتان أمام البرلمان إلا أنه دحر من قبل القوات الموالية لطرابلس (إذا كان هذا ما يمكن أن ينعت به الجيش الليبي الآن) التي صمدت في مواقعها.
هذه المرة، بدت قوات حفتر أكثر جدية، فقد اشتملت على آمر سلاح جو هو الذي أمر الطائرات المقاتلة بالتحليق في الأجواء، وعلى قبائل، وعلى هاربين من الجيش، وعلى ثوار سابقين معارضين للحكومة المركزية في طرابلس. قتل ما لا يقل عن 79 شخصاً في الاقتتال الذي وقع الجمعة في بنغازي بينما قتل أربعة يوم الأحد أثناء محاولتهم اقتحام مقر المؤتمر الوطني.
نفى حفتر يوم الأحد أنه كان يقوم بانقلاب عسكري، وادعى أن هدفه هو تطهير شرق البلاد من الجهاديين الإسلاميين في عملية أطلق عليها اسم "الكرامة". ومع ذلك، فقد أطلق على المليشيات التابعة له اسم "الجيش الوطني" وادعى المسؤولية عن هجوم ثان على المؤتمر الوطني يوم الأحد، الذي أعلن تعليق جلساته في ذلك اليوم. لعل إصرار حفتر على استبدال المؤتمر الوطني له علاقة بالقانون الذي تمكن من تشريعه بنجاح، ألا وهو قانون العزل السياسي الذي يحرم كل من خدم تحت إمرة العقيد القذافي، وهذا ينطبق تماماً على حفتر، من فرصة العودة إلى السلطة مرة أخرى. ويذكر أن تشريعات مماثلة كان يراد سنها في كل من مصر وتونس أجهضت ولم تجد طريقها إلى التقنين الرسمي.
ما هو أكثر دلالة من أحداث نهاية الأسبوع هذه؛ هو الاستعدادات التي سبقت بأيام اشتباكات بنغازي، فهجوم حفتر على بنغازي تمتع بدعم دولي متعدد الأطراف، يمكن أن يوصف بأنه ائتلاف الراغبين.
ولنستعرض هذا التحالف من الشرق إلى الغرب:
استضافت المخابرات العامة المصرية مؤخراً وفداً عسكرياً إماراتياً. في نفس الوقت صرح وزير مالية دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي أحد الأطراف الداعمة والممولة للانقلاب العسكري في مصر، بأن بلاده لا تنوي منح مزيد من الدعم المالي للنظام في القاهرة. وهذا ما أدى إلى موجة من الاستغراب في مصر. هل كان هذا الإعلان بمثابة ضغط مارسه الإماراتيون على عبد الفتاح السيسي لكي يفي بوعود قطعها على نفسه بالتدخل في ليبيا؟ وإذا كان كذلك، فلم الآن؟ لم لم ينتظروا حتى يصبح المشير رئيساً.
قد يساعد على الوصول إلى إجابة ما؛ إدراك أن التعاون الأمني بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لم يعد كما كان في عهد الأمير بندر حينما كان رئيساً للاستخبارات السعودية. فقد طرأ تغير شخصي في الرياض نتيجة المحاولة الأخيرة من قبل الملك عبد الله لترتيب موضوع ولاية العهد، الأمر الذي أدى إلى عزل الإمارات العربية المتحدة لدرجة أنها باتت تظن بأن الوقت يفلت منها وأن عليها أن تدفع باتجاه انقلاب آخر طالما تمتعت بالنفوذ والقدرة على ذلك.
القنوات التلفزيونية ومواقع الإنترنت التي تسيطر عليها حكومتا السعودية والإمارات التزمت خطاً تحريرياً مؤيداً تماماً لخطاب حفتر وادعائه بأنه إنما يهدف إلى محاربة التطرف والفوضى واستعادة الكرامة للدولة الليبية. موقع 24 التابع لدولة الإمارات العربية المتحدة قال بأن "قوات حفتر قصفت معسكرات المتطرفين في محاولة لاستعادة الشرعية في الدولة الليبية". أما قناة تلفزيون العربية الفضائية فقالت إن عملية الكرامة التي يقوم بها حفتر إنما تهدف إلى تطهير بنغازي من التكفيريين.
ثم، هناك السيسي ذاته، والذي اغتنم فرصة كل ظهور إعلامي له في وسائل الإعلام الغربية ليعرض نفسه كرأس حربة في محاربة الجهاديين. ومن ذلك أنه أخبر مجموعة من الصحفيين الأمريكان، بما فيهم جوديث ميلر من فوكس نيوز دوت كوم، أن الناتو والولايات المتحدة الأمريكية لم يتما مهمتهما في ليبيا بالإطاحة بالقذافي وبأنهما تركا فراغاً ملأه الإسلاميون. كما أخبر رويترز بأن على الولايات المتحدة الأمريكية مساعدته في محاربة الجهاديين، أو عليها أن تواجه مصير انبعاث أفغانستان أخرى في الشرق الأوسط.
إذا كان ثمة شكوك بشأن النوايا المصرية في شرق ليبيا، فقد بددها جميعاً الإعلام المصري. فالصحفيون المقربون من النظام العسكري، من أمثال أحمد موسى، دعوا إلى قصف ليبيا، بينما ادعى آخرون، من أمثال مصطفى بكري، أن أيمن الظواهري، زعيم القاعدة المنحدر أصلاً من مصر، موجود الآن في ليبيا. كما أغرقت وسائل الإعلام المصرية بالتقارير التي تتحدث عن "الجيش المصري الحر" والذي يزعم أنه مكون من كتائب من الجهاديين الذي تجمعوا على الحدود مع ليبيا، وكل هذا يقصد منه إعداد الأرضية لتدخل عسكري مصري في ليبيا.
وأخيراً، هناك الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. يوم الأربعاء الماضي أعاد الأمريكان نشر 200 جندي من جنود البحرية (المارينز) في قاعدة في جزيرة صقلية، وهؤلاء المارينز هم جزء من فريق أعد للتعامل مع الأزمات جرى تشكيله بعد مقتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفينز، إلا أنهم في هذه الحالة ينتظرون اندلاع أزمة لم تندلع بعد. لو نقبنا في تاريخ حفتر في تشاد، حيث كان جزءاً من قوات القذافي ثم ما لبث أن انتقل إلى المعسكر الآخر بعد أسره، ثم بعد ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية حيث قضى العقدين الماضيين في ضاحية من ضواحي فيرجينيا، كزعيم لمجموعة ليبية معارضة هي الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، فسنجد زعيماً مبعداً على صلة وثيقة بالمخابرات الأمريكية (السي آي إيه) في لانغلي.
ولكن، ليس كل ما يتمناه حفتر يجري لصالحه على المستوى الدولي، فقد نقلت صحفية القدس العربي التي تصدر في لندن بأن الجزائر تعارض بشدة تصريحات السيسي حول ليبيا، وذكرت بأن سفير الجزائر في ليبيا عبد الحميد أبو زهر كان قد أخبر رئيس حزب العدالة والبناء محمد صوان بأن الجيش الجزائري على استعداد لحماية الليبيين من أي غزو مصري لأراضيهم.
من الممكن أن تتصاعد هذه الأزمة، فمصر نفسها بحاجة إلى تحقيق الاستقرار، ومع ذلك فإن الدول التي ساندت الانقلاب مستمرة في سياسة نشر الفوضى فيما بعد مصر. ومن خلال تحويلهم الحرب على التيارات الإسلامية إلى حرب متجاوزة للحدود القطرية فإنهم بذلك يلتزمون بصيغة لتصدير الدكتاتورية العسكرية في مختلف أرجاء الشمال الأفريقي، ولن تجد الفصائل الإسلامية الليبية بداً من الرد على العنف بعنف مثله. علق جمال خاشقجي، وهو كاتب سعودي له صلات جيدة بدوائر صناعة القرار في المملكة، في تغريدة له على تويتر قائلاً بأن انتشار السلاح في ليبيا قد يثبت هذه المرة بأنه عامل مساعد على تحقيق الاستقرار. وقال في تغريدته: "إن انتشار السلاح في أي بلد قد يؤدي إلى العنف إلا أنه يمنع الاستبداد.. عن ليبيا والجنرال حفتر أتكلم ".
#مرسى_رئيسى #انتخبو_العرص #الخائن_الخسيسي #كلنا_اخوان #شبكة_صوت_الحرية