اخر الاخبار

الأربعاء , 21 مايو , 2014


تونس: علمٌ خفّاقْ و شعب صفّاقْ

تتناول معظم منابر الحوار و طاولات النّقاش من بعد الثورة، كما تكتب كثيرا أقلام النّقد والجدل السّياسي عن الشّخوص المشتغلين في الحقل السياسي التونسي سواء الفاعلين منهم أو المهمّشين و حتّى الهامشيين منهم، و تتوسّع تشخيصا و تحليلا في ذات هذه الدّائرة، غير أنّه من النّادر جدّا إذا لم نقل البتّة أن تتحدّث عن ما يشكّل- ضرورة- المرجعيّة الأولى و الأخيرة و المؤثّر الأكبر في كلّ تفاعلات و مستحدثات المشهد السياسي الجاري في البلاد، لا تتوجّه الإهتمامات إلى كتلة العمق الشعبي و ما يعرف اصطلاحا: رأي الشّارع أو الرأي العام .
الرأي العامّ الذي- من المفروض- أنّه هو من يسطّر الخطوط العريضة للمسار السّياسي و ما يقابله إجتماعيا و اقتصاديّا، و هو من يصنع (صدمات الرّأي) التي تصلح اتّجاهات و توجّهات هذا المسار و ترجعه إلى جادّة الصّوب كلّما انحرف به أعلام السّياسة عن المصلحة العليا للبلاد و العباد، و هو من يحرس سلامة هذا المسارأيضا و ثوابت الديمقراطيّة من التغوّل و الإنقلاب ومن التفريط في المكاسب و المقدّرات الوطنيّة ويحميها من السّرقة و الإختطاف من طرف الأباطرة واللّوبيّات المحليّة والخارجيّة ، لكنّ هذا العمق الشعبي فرّط في هذه الحقوق وترك الأمور على عواهنها و لم يكلّف نفسه لا مراقبة ولا متابعة ما يجري على السّاحة السياسيّة علنا فضلا عمّا يُحاك سرّا و في مطابخ مغلقة وكواليس مظلمة .
هنا تستحضرنا نكتة نُسبت إلى المقرىء عبد الباسط عبدالصّمد، أنّه أثناء استقباله في مطار قرطاج وعلى نحو ما جرت عليه العادة (السيّئة والمقرفة) حينها وحتّى الآن بأن يصرّح الضيوف و خصوصا منهم الفنّانون بالجملة المعهودة و الممجوجة- أنا في بلدي التّاني، شعب تونس شعب سمّيع، شعب ذوّاق- غير أنّ ما نُسب إلى الشّيخ أنّه خرق المعهود و قال: علم خفّاق و شعب صفّاق !
بقطع النّظر عن الصّحة من عدمها في ما روي، إلاّ أنّ هذه الجملة- الإعتراضيّة- تلخّص وقتها حال الشعب المحكوم بدكتاتورية الرّجل الأوحد لا يكون إلاّ شعبا خانعا و يزيد خنوعه مع رضائه بالأمر الواقع وانصرافه إلى حيثيّات حياته اليوميّة مسلّما مقاليد أمره إلى الحاكم الأوحد والمجاهد الأكبر والشّهيد الحيّ، هذه الحالة و بعد عصر الدكتاتوريّة الثانيّة والتي كانت أشدّ وطأة عليه و كانت أكثر ضراوة و إجحافا زادت من عقدة الخوف لدى نخب الشعب قبل عامّته وغرست في الشّعب فوبيا سياسيّة زادتها مشاكله اليوميّة و صعوبة لقمة العيش عمقا وحوّلتها إلى لامبالاة مزمنة لم تقدر حتّى تحولات ما بعد الثورة أن تشفيه منها الشفاء التام، فبعد انقضاء (فورة) الثورة انسحب هذا الشعب من ساحة المشهد السياسي و لم يعد يحرّك ساكنا، لم يحرّكه ما تقترفه الأحزاب و المنظّمات من تلاعب بمصالحه و هويّته و دينه و طمس لأعرافه ولا ما يمارسه كثير من السّاسة من متاجرة بالمصالح العليا للوطن و مقايضة بمكاسب الثورة، ولا يعنيه من حاد من نوّابه بالمجلس التأسيسي عن العهود والمواثيق وانخراط البعض منهم في مزايدات بورصة السياحة الحزبيّة وانفصالهم عن آمال و آلام ناخبيهم و ما تفعله أيدي الشركات المتعددة الجنسيّات في ثرواته من نهب.
هذا الشّعب ينسى ويتناسى كلّ يوم رموز مناضليه الواقفين شوكة في حلق العابثين و أزلام الثورة المضادّة فيُختطّف ويرمى به في السّجون، هذا الشّعب لا يعنيه ما يقوم به أباطرة التهريب من سرقة لقوته اليومي وتصديره و لا ما يدخلونه من سموم وموبقات إلى البلاد، بل يتعاملون معهم في السّوق السّوداء- جهارا- وبكل رضى ليساهموا في ثراء وبروز طبقة جديدة من البرجوازيّة الوسخة أبطالها (خلايق و خريجي سجون) يزيدون الطين بلّة ، شعب ترك أيقونات رعناء تعربد في المشهد الإعلامي ليُعملوا كلّ أسباب الفتن و يزرعوا الفساد الأخلاقي صبحا ومساء و يلمّعوا لصوص و مجرمي العهد السّابق .شعب من بعد ما قام بثورة نموذجيّة أدهشت الشعوب و القادة وباغتت أعتى المخابرات انتهى به الأمر بأنّ فوّض أمره إلى وكلاء هم بدورهم أوكلوها إلى آخرين يأتمرون بأجندات لا و لن تتقاطع أبدا مع مصالح البلاد و العباد، فهل لم يعد لهذا الشّعب إلاّ أن يكون (صفّاقا) أو خانعا مستسلما لما يقرّر له؟
منجي باكير/ كاتب صحافي
#مرسى_رئيسى
#انتخبو_العرص
#الخائن_الخسيسي
#كلنا_اخوان
#شبكة_صوت_الحرية


القراء 992

التعليقات


خريطة الموقع


2024 - شبكة صوت الحرية Email Web Master: admin@egyvoice.net