لم يتأخر الحزب القومي الديني الفائز في الانتخابات الهندية الأخيرة عن اضفاء صبغة دينية على نتائجها، فهي عنده، وبخلاف الفوز السابق للحزب نفسه في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، تعدّ تحوّلاً تأسيسياً على كافة الصعد، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاجتماعية.
في المقابل، كان طبيعياً أن تنتاب المخاوف الأوساط المسلمة في بلد يقدّر المسلمون فيه بنحو 15 بالمئة من سكّانه، لكنهم حصلوا في المجلس النيابي أو الغرفة الدنيا – لوك سابها – على أدنى تمثيل لهم منذ عام 1952 – 24 مسلما من 543 نائبا أو ما يعادل 4،4 في المئة. ويأتي هذا الضعف القياسي في التمثيل البرلماني للمسلمين في وقت يحصد فيه القوميون الهندوس معظم المقاعد.
فحزب «بهاراتيا جاناتا»، أي حزب الشعب القومي الهندوسي، حقق انتصاراً شاملاً بالائتلاف الوطني الديمقراطي الذي حصد 336 من الـ 543 مقعداً، لكنه استطاع أيضاً أن ينتزع لوحده 282 منها، أي الأكثرية المطلقة التي تمكنه من الحكم بمفرده لو أراد، وهذا يحدث لحزب سياسي لأول مرة منذ ثلاثين عاماً في الهند، التي هيمن على تاريخها الحديث حزب المؤتمر الوطني، الذي نُكب بأكبر هزيمة في تاريخه اليوم.
وهكذا سيتبوأ قائد الحملة المظفرة للقوميين الهندوس، نارندره مودي، منصب رئاسة وزراء الاتحاد الهندي، لتدخل معه البلاد مرحلة جديدة، ينتظر منها أولاً التحقق من مدى قدرة مودي وحزبه على تحقيق الوعود الشعبوية التنموية التي أطلقت أبان الحملة الانتخابية، ومدى قدرتهم على تهدئة المخاوف من أن يؤدي فوزهم الى زعزعة العقد الاجتماعي بين الهنود من مختلف الديانات، لا سيما وان قلقاً ينتاب المسلمين في هذا المجال، وخاصة لأن نارندره مودي متهم بالتواطؤ مع المجازر التي حصدت زهاء ألفي مسلم في ولاية غوجارات، إبان حكمه لها عام 2002. العلاقة بين الهندوس والمسلمين، وبين الهند والباكستان، وكيفية معالجة الهجرة القادمة من بنغلاديش، والمشكلة الدائمة في ولاية جامو كشمير، هي كلها قضايا ستطرح بتوتر أكبر من السابق. كما وأنّ الميل الواضح لدى رجال الأعمال لا سيما في العاصمة الاقتصادية مومباي لصالح مودي والذي ينتظر ان يدفع باتجاه المزيد من السياسات الليبرالية اقتصادياً في الداخل الهندي انما تقابله حساسية سلبية لمودي وفريقه تجاه الاستثمارات الأجنبية، ويضاف الى ذلك سجال عاد فتجدد مؤخراً على خلفية إحتمال تلاعب مودي خلال حكمه لولاية غوجارات في أرقام النمو التي تحققت في عهده وتضخيمها.
وفيما تكتسي الهند الآن بلون الزعفران، وهو اللون الذي يرمز الى القوميين الهندوس، والى تعريفهم الهند كوطن قومي للهندوس، ازدهرت داخل الهند وخارجها مقارنات كثيرة بين مودي وبين سواه من قادة الدول، فمن تشبيهه بنموذج نواز شريف في باكستان، الى مقارنته بمارغريت تاتشر على خلفية رؤاه الاقتصادية، الى مقارنته بفلاديمير بوتين على خلفية شعبويته، وكذلك الخوف من منحى تسلّطي، لا سيّما وان حزب مودي يتضمّن مجموعة من المليشيات شبه العسكرية، فيما تنظر الولايات القليلة التي لم ينتصر على مستواها المحلي حزب بهاراتيا جاناتا الى نتائج الانتخابات الاخيرة من زاوية احتمال ان تؤدي تلك الأخيرة الى زعزعة الاستقرار داخلها تمهيداً لضمّها هي الأخرى الى السرب.
وسط كل هذا المشهد العابق بزعفران الأصولية الهندوسية، ترتسم بدايات أزمة داخلية خطيرة داخل حزب المؤتمر الذي خاض مودي الانتخابات ضده على قاعدة انهاء حكم سلالة غاندي نهرو ونجح.
وفي اليوم التالي لاذاعة النتائج، تقدّمت كل من زعيمة المؤتمر صونيا غاندي، وابنها الذي قاد الحملة الانتخابية الخائبة راهول راجيف غاندي، بطلبي استقالة رفضهما المؤتمريّون على الفور. لكن الحزب الذي عصفت به في السنوات الأخيرة سلسلة فضائح فساد، والذي قاد حملته الانتخابية بشكل باهت في وقت عمد فيه القوميون الدينيون للاستعانة بتكنولوجيا البعد الثالث والوعود الشعبوية الاقتصادية والمناخ الاحيائي الديني وبحكاية بائع الشاي المتجول الذي صار رجل أعمال ناجحا ثم حكم ولايته وبعدها يتطلع لحكم كل الهند.
هو اذا متغير كبير ذاك الذي تحمله الانتخابات السادسة عشرة في الهند. فماذا بعد اطاحة القوميين الهندوس بحكم سلالة آل غاندي؟ هل ينجح حزب المؤتمر في التجدد كحزب يسار وسط كما يطرح نفسه؟ لماذا لم يستطع هذا الحزب ان يستقطب التصويت المسلم رغم التوجس الكبير من الأصولية الهندوسية؟ وماذا عن حزب بهاراتيا جاناتا؟ وهل تصدم السياسات الواقعية التي سيضطر اليها مودي صقوره، الذين يرتبط بعضهم بالمناخات العنفية الميدانية المباشرة؟ في كل الحالات، الهنود الذين مروا في الصيف الماضي بأزمة انهيار سعر صرف الروبية يتطلعون بتفاؤل الى الانتعاش الجديد الذي تعيشه البورصة، لكن الكثير من السرديات المؤسسة التي ساروا عليها لسنوات، وفي طليعتها سردية ان الهند لجميع ابنائها، تمرّ بمرحلة اهتزاز حقيقية الآن.
وسام سعادة
#مرسى_رئيسى #انتخبو_العرص #الخائن_الخسيسي #كلنا_اخوان #شبكة_صوت_الحرية