كتب: إسلام مهدي
التمويل الخارجي.. من يدفع للدعوة السلفية ثمن الخيانة (1)
ربما تظن أخي القاريء أن الدعوة السلفية هي مجموعة من الشيوخ الزُّهاد الذين وقعوا في تأييد الطاغوت بسبب اجتهاد خاطيء.. و أنهم مخلصون لا يبتغون من وراء موقفهم هذا أي مصلحة، و لا يتقاضون لخيانتهم أجرًا!
أؤكد لك أن هذا ليس صحيحا! و أنهم مجموعة من القرود اللُّعبة ذات الزمبلك! تلك التي تمسك بالطبلة! حين يملأ لها الممولُ الزمبلكَ تقرع الطبل! طالما في زمبلك التمويل قوةٌ تدفعها لذلك! فإذا فرغ زمبلك التمويل توقفت عن التطبيل!
ألم تقرأ تصريحات «مخيون» -و هو اسم على مسمى- بأنهم قاموا بتأجير 4500 سيارة نقل و طبعوا 6 مليون بوستر دعائي و قاموا بقرابة الـ 300 مؤتمر من أجل دعاية السيسي! احسب معي متوسط إيجار السيارة في اليوم 500 جنيه و ثمن البوستر 3 جنيه و تكلفة المؤتمر الواحد في المتوسط 5000 جنيه.. لتعلم أنهم أنفقوا ما لا يقل عن 25 مليون جنيه في أسبوع فقط! دون أن تهتز ميزانيتهم! بل ليخرج «مخيون» للتصويت بين بوديجاردات يرتدون البزات السوداء و النظارات الشمسية في صورة تنم عن رتبته الحقيقة أو عمله كزعيم من زعماء المافيا!
لقد نشأ هؤلاء على بيع دينهم بالثمن.. فأقدم ما بلغني عنهم هو ما تقاضوه من أموال مجهولة المصدر منذ 40 سنة.. فقد نشأوا لا يملكون مالا و لا شهرة.. يجتمعون في مسجد بحي «محرم بك» دون إمكانات و لا شيء يُذكر! ثم بالتزامن مع انتشارهم في المساجد بالإسكندرية و خارجها و تقديم الإعلام لهم في برنامج «ندوة للرأي» رغم كبت الإعلام لكافة الأصوات الإسلامية! بالتزامن مع ذلك دفعوها فجأة أموالا لأحدهم و هو «محمود عبد الحميد».. فأنشأ «سوبرماركت» و نشاطات أخرى أعلن الشيوخ لخواصهم على إثر افتتاحها أنهم سيتفرغون لطلب العلم بينما يُنفقون من إيرادها.. فهل ترى هذا «السوبرماركت» كافيا في أواخر السبعينات و أوائل الثمانينات لينتقل «المقدم» مثلا من حي «العطارين» المتواضع إلى حي «مصطفى كامل» الثري في قفزة واحدة؟! أو ليسكن «أحمد فريد» بعد ذلك في حي «ﭼناكليس» الذي يتمناه القضاةُ و الضباطُ و لا يبلغون السكن فيه! و غيرهم من الشيوخ الكبار يبني بيتا خاصا و آخر يسكن في «سبورتنج» و كلهم عاطلون عن العمل أو يمارسون أعمالا ديكورية لا تدر دخلا أبدًا؟! و كلهم بالطبع يطير إلى السعودية أو الكويت أو قطر عدة مرات سنويا؟! كلا بالطبع لا يكفي! لكن هذه فقط هي البداية!
و تزامن هذا «السوبر ماركت» مع نمو «الحويني» في كفر الشيخ ليظهر على السطح شيخا.. بعد أن كان محبا لطلب العلم متواضعا ماليا يعمل في تجارة «التوتيا الزرقاء» رخيصة الثمن بالشراكة مع والد «إبراهيم أباظة»! نمى «الحويني» و صار يروج لفكرة «كفالة طالب العلم» أي أن منسوب الدعوة السلفية يصير درويشا عالة لا شُغلة له و لا مشغلة إلا الأعمال الدعوية و يقوم أحد المحسنين بالإنفاق عليه! نمى «الحويني» في ذات الوقت الذي افتتح فيه شريكُه القديم أبو «إبراهيم أباظة» نشاط توظيف أموال واسع في كفر الشيخ! و ظل النشاط قائما حتى سنة 2009 حين تم القبض على الرجل بينما ظل «الحويني» يرعى ولده إبراهيم و يدفع له راتبا شهريا حتى عينه في جريدة «الفتح» التي يقوم على تمويلها عبر رجاله الذين تولوا مسؤوليتها واحدا بعد واحد!
و لنعُد للوراء قليلا لنفهم تاريخ التمويل الخليجي للدعوة.. ففي سنة 1994 تم القبض على قيم الدعوة السلفية «محمد عبد الفتاح» و معه مسؤول نشاط الطلائع «مصطفى دياب» بسبب تلقيهم شيكا من أمير كويتي يمثل ثلث ثروته أوصى بها للدعوة السلفية «تقدر ببضعة ملايين» قال عنها أحد شيوخهم «أنها تكفي للإنفاق على الدعوة قرابة الـ 20 سنة» و تم حبسهم –لكن في مستشفى السجن بينما غيرهم في السلخانات و الجب العميق- لكن سريعا ما تم إطلاق سراحهم لأن أمير الكويت بنفسه هدد بأزمة ديبلوماسية إذا لم يتم الإفراج عنهم!
كان هذا أيام «الدنانير» قبل أن تتعفف الدعوة السلفية عن الدعم الكويتي مكتفية بالدرهم الإماراتي! فلقد زار مكتب الدعوة السلفية بالإسكندرية وفدٌ كويتي عرض دعما كاملا على قيم الدعوة «أبو إدريس» لكنه رفض معونتهم و صرفهم راشدين! كان ذلك قبل أسابيع من خروجهم العلني عن طوع شيخ السلفية المقيم بالكويت «عبد الرحمن عبد الخالق» و عصيانهم له في مسألة دعم «حازم أبو إسماعيل» و انتشار شهادات كثيرة أن «برهامي» يروج بين خواصه للفريق «شفيق» كمرشح رئاسي يمكن أن تدعمه الدعوة باسم الحزب! ألم أقل في بداية المقالة أن القرد ذي الزمبلك يعمل لحساب من يملأ له الزمبلك! فأنت ترى الآن أن الإمارات كانت أسبق في مليء الزمبلك من غيرها بعد 25 يناير! و لاشك عندي أن التمويل الكويتي كان أقل شروطا من الإماراتي! لأنني منذ أسابيع تلقيتُ عرضا –ضمن مدى واسع من النشطاء السلفيين-.. كان العرض كويتيا يستهدف النشطاء السلفيين ذوي الطابع الدعوي و كان نصُّه: «الدعوة السلفية انهارت.. أنشئوا كيانا سلفيا جديدا و خذوا ما كانوا يأخذونه»!
و قبل ذلك كانت الدعوة السلفية تنهل من معين الريال السعودي بينما كان كل شيوخها يحجون إلى الرياض قبل مكّة! فحين كنت في الحج مع برهامي سنة 2009 كنا ننتظره في منى يوم التروية «8 ذي الحجة».. و قيل لنا أنه سيطير من مصر إلى «الرياض» أولا ثم يلحقنا في عرفات «9 ذي الحجة»! و علل ذلك أنه سيتفاهم مع كفيله ليمدد الإقامة قبل أن يُدرك الحج بإدراك وقفة عرفة.. و صدقت وقتها و سكتُّ! حتى تم احتجاز برهامي في مطار برج العرب لنصف ساعة تقريبا قبل الانقلاب و هدد أتباعه بالثورة من أجله! حينها علمت سبب اعتباره «الحج الرياض» و ليس «الحج عرفة»! ذلك أن قيادات كبيرة تحدثت حينها عن رصد لقاء علني بين «برهامي» و بين أحد قيادات المخابرات السعودية في الرياض! و غضب الرئيس لكنه آثر ألا يعاقبه! و ياليته عاقبه و فضحه قبل أن يطعنه في الظهر و الخاصرة!
و في مرحلة ما كانت الدعوة أيضا ترتوي بالريال القطري لكن ليس كل الدعوة.. فمن ثبت دعمه من قطر هم الثائرين من دعاتها ظاهري العداء للنظام المصري.. مثل «فاروق الرحماني» -رحمه الله- ذلك الرجل الذي طردته السلطات المصرية و أوشكت أن تنزع عنه الجنسية فأدام الإقامة في قطر أوائل التسعينات.. و قد زرتُ قبره في مكة سنة 1998 و صحبتُ أحد مشايخ الدعوة حينها لنلتقي نسيب الشيخ في الحرم مصادفة و أسمع منه أن الرجل كان قد باع قطعة أرض له في مصر ليشتري سيارة GMC تكفيه في تنقلاته داخل قطر و منها إلى مكة و المدينة للعمرة دوريا.. و كان سعيدا أن بها نظاما يمنع انقلابها إذا انفجر الإطار فجأة.. ثم سمعت الرجل يتعجب أن كيف انقلبت السيارة بالشيخ ليقضي هو و زوجته! لكن ينجو أولادُه بفضل الله من تلك الحادثة! هل كان مقتل الشيخ مظهرا من مظاهر الصراع السعودي القطري على إدارة العمل الإسلامي العربي؟! ربما! كنت لأقول أن الحادث عرضيٌّ لولا تكرار الحوادث العرضية و الميتات المريبة لبعض الثائرين اللامعين من أبناء الدعوة.. و لهذا الحديث شأن آخر إن شاء الله..
و قد تنوَّع التمويلُ الخليجيُّ بين وارد إلى مصر لتمديد سرطان تلك الدعوة في ربوعها، و بين صناعة لرجال تلك الدعوة في الخارج! خاصة رجال الصف الثاني و الثالث لا الشيوخ المؤسسين الكبار.. فيتم اختيار بعض المخلصين للشيوخ و تصديرهم إلى عاصمة من عواصم التمويل.. بحيث يعرض الممول على الشيخ عددا معينا من الفرص و الشيخ يختار من رجاله من يراه قد آن أوان إثرائه! و أكثر هؤلاء يعمل في الخطابة و تحفيظ القرآن و الإمامة في المساجد، و منهم من يعمل في مدارس تابعة للممول، أو في مؤسسات خيرية أو علمية.. و لا تحسب أن هذا العمل يكون كفاحا كالذي ينحته في الصخر من يسافر لكسب رزقه! بل يكون مجرد ذريعة لمنح المال! فتجد من يسافر أسبوعين من رمضان يعمل فيهما إماما للتراويح في أحد مساجد السعودية أو البحرين مقابل 20 ألف ريال مع الإقامة الفاخرة الكاملة! أو يتم تلميعه و اعتماده كشيخ و باحث عبر تشغيله في دار نشر خليجية كُبرى كمحقق أو كاتب و تكون عائدات طبعات الكتب الخليجية كافية لنقلهِ نقلةً ماديةً نوعية! أو في حالة المدرس يطوف من بلد إلى بلد بذريعة رحلات دينية تابعة للمدرسة فيحمل خلالها الرسائل بين شيوخه و شيوخ الأنظمة الآخرين و يصبح مرسالا شهيرا بينهم ليعود بالرسائل جنبا إلى جنب مع شيكات التمويل!
إن ملوك الطوائف في الخليج يتصارعون على بسط نفوذهم في مصر.. الطيبُ منهم و القبيح! و هكذا يلعب كل الانتهازيون على هذه الحبال ليحققوا مطامعهم الحزبية و مصالحهم الشخصية.. و لأن كيانا كالدعوة السلفية هو ذراع استخباري ذي قناع ملتحٍ؛ فستجد تنقله بين مصادر التمويل متعلق دوما بتوجهات الاستخبارات المصرية.. فإذا كانت اليد الخليجية الطولى في مصر كويتية نهبت الدعوة من الدينار! و إذا ازدهرت العلاقات مع السعودية ولغت الدعوة في الريال.. و إذا هبت رياح الإمارات على أشرعة السياسة المصرية صنع شيوخ الدعوة من جلابيبهم زكائب لجمع الدراهم بلا حياء.. و إذا تحسنت العلاقات مع قطر فلا ضير من ريالاتها ترانزيت.. والترانزيت لا يضر! و هكذا..
و لم تكتفِ الدعوة السلفية بهذه المصادر التمويلية و لا اقتصرت في المسائل المالية على تلقي الدعم الحرام فقط! بل كانت تستثمره أيضا! لكن لهذا الحديث شأن آخر إن شاء الله..
#ارحل_يا_عرص #مرسى_رئيسى #كلنا_الاخوان_المسلمين #شبكة_صوت_الحرية