(دروس من الامام العظيم "سفيان الثورى" لحزب الزور) !!!
من الذين أنعم الله عليهم بالعلم و العمل و الزُهد و الجهاد بالكلمة ،الامام العظيم سفيان بن سعيد الثورى،رضى الله عنه و أرضاه.. مات أبوه الذى كان من ثقات علماء التابعين ، فعملت أُمّه بالغزل و نسج الثياب ، لتُعينه على التفرّغ التام لطلب العلم ..و بارك الله فى جهادها ، فلم تمت حتى أقرّ الله عينها برؤيته أعلم أهل زمانه..و ذاع صيته ، و هو لم يزل صبياً غضّاً، دون العشرين من عُمُره..
و قد تلقّى العلوم الشرعية عن أكثر من ستمائة شيخ..
أمّا تلاميذه الذين تلقّوا عنه الحديث و الفقه ،فيُروى أنهم يتجاوزون العشرين ألفاً..
و كانوا يُلقّبونه (بأمير المؤمنين فى الحديث) فلم يكن أحد أعلم بالسُنّة فى زمانه منه. و قال عنه الامام الذهبى : ( كان رأسا قي الزهد ، والتألّه -التعبّد- و الخوف ، رأسا في الحفظ ، رأسا في معرفة الآثار ، رأسا في الفقه ، لا يخاف في الله لومة لائم ،و من أئمة الدين).انتهى.
و من تبحّر فى العلم ، مثل هذا العَلَمْ ،لا يسعه السكوت على الاستبداد و الفساد.
و قد لقّنه ربّه درساً قاسياً فى كل مرّة كان يحاول السكوت فيها .
فقد جعل له عقاباً فورياً - كما أخبر بنفسه : ( انى لأسكت عما يجب علىّ قوله فأبول دماً )!!
و تلك كرامة معلومة له رضى الله عنه ..فلم يسعه السكوت على باطل أو ظلم طيلة حياته.
و لهذا اصطدم بالخليفتين "المهدى" و "أبو جعفر المنصور.
فعندما تولّى المهدى الحكم أرسل الى سفيان فأتاه .و قال له الخليفة:خذ خاتمى هذا
و اعمل ما شئت فى المسلمين بالكتاب و السُنّة..و يبدو أن العالم الجليل كان يُدرك،
أن الحاكم ليس صادقاً فيما يزعم ، و انما يُريد فقط استغلال اسمه ، و حُبّ الناس له ، فى خداع الرعية، فاذا احتجّ أحدهم على قرار ظالم يقول له : بهذا أفتانا سفيان الثورى..و سأل سفيان الأمان قبل الكلام ، فأعطاه المهدى اياه..و هنا قال العالم الجسور له : ( لا تبعث إلى حتى آتيك ولا تعطني شيئا حتى أسألك)!!!!!!!!!!!!!
و فى واقعة أُخرى دخل سفيان على المهدى فأنكر عليه الاسراف و تبديد أموال المسلمين .. و كان مما قاله له : ( بلغني أن عمر رضي الله عنه أنفق في حجته اثني عشر ديناراً، وأنت فيما أنت فيه) فغضب المهدى و قال : تُريد أن أكون مثل هذا الذي أنت فيه ؟؟ يُعاير الثورى بزهده و مظهره المُتقشّف ، فردّ عليه العالم الشُجاع :
( إن لم يكن مثل ما أنا فيه ، ففي دون ما أنت فيه )و فى رواية أن الثورى قال للمهدى: (قد ملأت الأرض ظلما وجورا فاتق الله وليكن منك في ذلك عبرة.. فطأطأ الحاكم رأسه ثم قال : أرأيت إن لم أستطع دفعه ، قال سفيان : تُخلّيه لغيرك ..فطأطأ المهدى رأسه ثم قال : ارفع إلينا حاجتك ..قال سفيان: أبناء المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان بالباب ، فاتق الله و أوصل إليهم حقوقهم )
و انكشف الوجه الحقيقى للسُلْطة عندما غضب المهدى بشدّة ،و همّ بقتل الثورى،
لكن من حوله أفهموه أنه لا يُمكن النكث بوعده و الغدر به ،بعد أن أعطاه الأمان أمام
جمهور الحاضرين،فضلاً عن النتائج الخطيرة التى لا يُمكن التنبؤ بها ،اذا أقدم على اعدام أكبر علماء عصره .و اضطر سفيان رضى الله عنه الى الاختفاء فى حفظ ربه ،
بعد أن استحكمت العداوة بينه و بين السُلطة..و بالفعل جُنّ جنون المهدى عندما
علم بهروب سفيان، فأصدر أمراً الى جميع ولاة الأقاليم بالقبض عليه فى أى مكان، و ارساله مُكبّلاً بالأغلال الى بغداد..لكن الله العلىّ الكبير لم يُسَلّط علي وليه أحداً..
و كانت له فى ذلك أعاجيب ..منها أن سفيان اضطر للعمل مُتنكراً فى بستان بأحد الأقاليم ،حتى يستغنى عن الناس..و سأله صاحبه عن طعم الرُطَب (البلح)فى بستانه ، أهو ألذ أم الرُطَب فى بلده الذى جاء منه ..فاعتذر له سُفيان بأنه لم يذق من البستان شيئاً،
و كان صادقاً ..فتعجّب صاحب المكان و اتهمه بالكذب.. و بعد قليل حكى الرجل لصديق له ما جرى مع عامله ، فصاح الرجل به : ان كُنت صادقاً فيما أخبرتنى ، فما يفعل هذا الا سُفيان الثورى الزاهد العابد، و لو ذهبت به الى الخليفة لأعطاك جائزة ضخمة ..
و أسرع الرجلان الى البستان ، فلم يجدا سفيان !!!!
و راح رضى الله يتنقّل من مكان الى آخر .. و سخّر الله له الولاة ، و حبّبه اليهم ،
فكانوا يتجاهلون الأوامر المُشدّدة باعتقاله،و ينصحونه بالاختباء،حرصاً على سلامته.
و من كرامات سُفيان الثورى الثابتة أن أبا جعفر المنصور أقسم أن يصلبه ،على
خشبة بمكة ،ليجعله للرعية عبرة ..و نادى والى مكة فى الناس :أن من جاء بسفيان فله كذا و كذا ،و دعا الجميع لمشاهدة قتله و صلبه.. و فى تلك اللحظة كان ولى الله راقداً فى بيت الله الحرام ، واضعاً رأسه في حجر أخيه العَلَم الزاهد العابد مثله الفضيل ابن عياض، ورجليه في حجر عَلَم فذّ آخر هو سفيان ابن عيينة ،
رضى الله عنهم أجمعين ..و قال صاحباه له : يا أبا عبد الله (كُنية الثورى)
اتق الله، و لا تُشمت بنا الأعداء..فنهض الثورى، و أمسك بأستار الكعبة ،و هزّها،
قائلاً : (برئت منه إن دخلها أبو جعفر)..و استجاب الله جلّ فى عُلاه ،لعبده الصالح، فهلك أبو جعفر قبل أن يدخل مكة بخمسة عشر يوماً..و نجا أمير العلماء من بطش السُلْطة طوال عُمُره.. و استمر يُجاهد بكلمة الحق و نشر علوم الاسلام فى كل مكان،حتى صعد،بحول ربه و قوته،الى (جنّات و نهر و مقعد صدق عند مليك مُقتدر)
-------------
أهم المراجع :
* سير أعلام النبلاء لشيخ الاسلام الامام الذهبى.
* الطبقات الكبرى لابن سعد .
* تهذيب التهذيب للامام ابن حجر العسقلانى.
* جمهرة أنساب العرب للامام ابن حزم.
* نهاية الارب فى معرفة أنساب العرب للقلقشندى.
#احنا_متراقبين #ارحل_يا_عرص #مرسى_رئيسى #كلنا_مسلمين #شبكة_صوت_الحرية