كلاكيت الخطأ الاستراتيجي الأمريكي ثاني مرة..
مما لا شك فيه أن تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي الأمريكي إلى موظف بوزارة الخارجية الأمريكية دلالات قوية في إطار اتهامنا للإدارة الأمريكية بقيادتها ورعايتها ودعمها للانقلاب الدموي على شرعية وإرادة الشعب المصري.
الدلالة الأولى هي: أن الإدارة الأمريكية في ورطة حقيقية تزداد هوتها يومياً بعد وقوعها في أكبر خطأ استراتيجي بدعمها للانقلاب على الشرعية في مصر وإزاحة أول رئيس مدني منتخب بإرادة حرة في مصر في عصرها الحديث الأمر الذي دون تاريخياً كوصمة عار جديدة في تاريخ العلاقة بين مصر ظناً منها أن ذلك يساعد في تحقيق أمن إسرائيل ولكنها لم تكن تعلم بأنها ربما قد ساهمت في زيادت وتأجيج العداء الإسلامي والعربي لإسرائيل بصورة غير مسبوقة منذ احتلال إسرائيل لفلسطين.
الدلالة الثانية هي: أن استمرار أمريكا في عدم توصيف ما حدث في مصر بالانقلاب العسكري رغم ترشح وفوز قائد الانقلاب الدموي بمنصب الرئيس في انتخابات مزورة شهد فيها العالم أجمع لجان الانتخابات وهي شبه خاوية على عروشها يعتبر بأنها أصبحت بين المطرقة والسندان بين مطرقة أمن إسرائيل وسندان الشعب المصري السائر على العسكر في كل مكان مما حدى بها لمسك العصى من المنتصف ليكون لها خط راجعة في حال الميلان المؤكد لكفة الشعب الذي يغلي كالبركان الذي ينفث حممه كل يوم منذ حدوث الانقلاب قبل لحظة الانفجار الذي لا يعرف أحد توقيته وامتداده وارتداده ولكنه من المؤكد أنه سيكون مدمراً بصورة لم يسبق لها مثيل مدفوعأً بلهب الدماء التي سالت في ربوع الوطن وأعراض الحرائر الملتهبة التي اغتصبت في كل مكان.
والنتيجة هي أن أمريكا لم يعد لها دور فاعل خاصة مع رفض وإصرار الإخوان على عدم التفاوض المباشر أو غير المباشر مع العسكر أو حتى مع وسطاء أمريكا في الاتحاد الأوروبي " السيدة القاتلة أشتون " أو حتى مع الإدارة الأمريكية نفسها مما يفسر انخفاض التمثيل الدبلوماسي في إطار محدودية الخيارات الأمريكية في التعامل مع المشهد وتحولها من طرف فاعل ومشارك في أحداث 30 يونية و3 يوليو إلى طرف عاجز لا يمتلك الاعتراف بالعسكر خشية الانفجار السابق ذكره أو التراجع خشية عودة الإخوان وتهديد أمن إسرائيل لأن العودة تعني القصاص العادل والناجز من الجميع وإعادة ترتيب المشهد في مصر والمنطقة بصورة تُخرج أمريكا من المشهد بصورة مهينة وربما إلى غير رجعة .
يعني بالضرورة إقرار أمريكا بفشل خارطة الطريق في الحصول على شرعية شعبية حقيقية بعد انكشاف خدعة 30 يونية وعزوف الناخبين المصريين عن المشاركة في انتخابات الانقلاب الدموي الرئاسية .
استربتيز أمريكي
الحقيقة أن أمريكا في مأزق تاريخي يشبه مأزقها قبل سقوط الشاه بعد أربعة عشر شهراً من دعمه حيث فقدت أمريكا ورقة التوت التي كانت تستر بها سوأتها أمام الثوار " الإخوان والتحالف الداعم لهم وأمام قطاع عريض من أبناء الشعب المصري " فقد تعرت أمريكا تماماً بعدما كُشف العديد من عملائها داخل مصر أمام الثوار من مؤيدي الانقلاب الدموي على نطاق واسع بعدما تميزت المواقف وظن الجميع أن المشهد قد انتهى بعد الثالث من يوليو فظهر الجميع دون حرج على عكس المشهد الأن الذي يحاول البعض منهم ترقيع موقفه بصورة أو بأخرى مع كل هذا الصمود الأسطوري للشعب وخاصة بعد المقاطعة التاريخية لانتخابات الدم الرئاسية كل ذلك ومن قبله الصمود الملحمي للرئيس محمد مرسي الذي أربك جميع الحسابات وأسقط لديهم جميع السيناريوهات مما جعل أمريكا تتعرى في مشهد استربتيز سياسي استراتيجي له ما بعده من تغيرات دولية بكل تأكيد.
والسؤال الأخير ماذا بعد استربتيز أمريكا؟
وللإجابة على هذا التساؤل علينا أولأً أن نذكر بما يلي:
1-أن التحالف الوطني لدعم الشرعية ما لبث يوجه الثوار بحرق أعلام أمريكا وإسرائيل في الكثير من الفاعليات على مدار عام تقريبأً خاصة الحرق التاريخي الذي حدث على منصة رابعة والنهضة لتلك الأعلام وخاصة علم إسرائيل؟
2- أن العداء ضد إسرائيل وأمريكا معأً بات يُهدد المصالح الحيوية الاستراتيجية للأخيرة مما ورطتها في صراع صفري في المنطقة كالذي وقعت فيه في العام 1979 عندما اندلعت الثورة الإيرانية خاصة مع عدم قبول الإخوان للاعتراف بالانقلاب والتنازل عن الشرعية.
3- التخفيض الدبوماسي لهذا الحد يعد إشارة من أمريكا للسيسي بأن وقتك بدأ ينفذ وأنك بت عبئاً ثقيلاً على ظهرنا وأن أمامك فرصة واحدة لاتخاذ لعدة اجراءات لترميم المشهد واحتواء الضغب الشعبي من الأداء الاقتصادي متزامناً مع الاحتواء والتحسين في مجال الحقوق والحريات وحرية التعبير الذي يبدو أن السيسي يُجهز للإعلان عنه خلال الأيام القليلة القادمة بعد اتمام مهزلة التنصيب.
والخلاصة أن أمريكا ما هي إلإ صنماً عملاقاً من العجوى يعبده الكثير من الناس ولكنهم لا يأكلوه لأنهم يظنوه إله بحق.
ولو أنهم يعقلون لأدركوا أن أمريكا أخطأت التقديرات قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 وقالت بأن نظام مبارك ليس كنظام بن علي في تونس وأن النظام مُستقر وفي الأخير اضطرت للتخلي عنه وقبول الإطاحة به حتى لا تخسر على المدى الاستراتيجي وبالفعل ارتفعت شعبيتها في أوساط المصريين خاصة بعد الكلمة التاريخية التي ألقاها أوباما وأرضى بها غرور الثورة والثوار عندما قال بأنه ينبغي أن نُربي أبنائنا ليصبحوا كالشباب المصري بينما استضاف ذلك الشباب في أمريكا لاستقطابه وتأهيله لعرقلة التحول الديمقراطي وأخيراً الانقلاب على الشرعية.
كما أنها لم تكن تتوقع أو تتصور أن جماعة الإخوان المحافظة ستحول بين عشية وضحاها إلى جماعة ثورية لا تقبل التفاوض أو التنازل أو الحوار الذي لطالما دعت إليه معارضيها، وأعتقد أن التاريخ سيدون أن أمريكا قد أربكها هذا القرار الاستراتيجي الإخواني الصادم لها بعدما كانت قد بنت حسباتها على ما وصلها من معلومات وتحليلات وتكهنات من مُنجمي السياسة الأكاديميين الذين تنبئوا بقبول جماعة الإخوان بالأمر الواقع والبدء في المشاركة بخارطة الطريق الانقلابية وفق شروط وإملاءات محددة لاحتواء الجماعة ولكنهم فشلوا في إنجاح خطة الجيل الرابع من الحروب فهل ستلجأ أمريكا إلى طريقة الكاوبوي التقليدية كحل أخير؟
أعتقد نعم ولكن هل ستنجح؟ أظن لا؟
#مكملين #احنا_متراقبين #ارحل_يا_عرص #مرسى_رئيسى #كلنا_مسلمين #شبكة_صوت_الحرية