لم يكن اعلان السيد مسعود بارزاني، رئيس اقليم كردستان، في تعليقه على ما حصل في كركوك، «ان المادة 140 من الدستور العراقي قد نفذت، وان لا عودة الى الوراء»، غريبا او مفاجئا، في ضوء معطيات سياسية وميدانية، فالمادة 140 من الدستور العراقي انطوت على آلية لحل مشكلة كركوك، ومناطق أخرى متنازع عليها بين المركز/بغداد والإقليم، تبدأ بإعادة العرب الذين وطنهم النظام السابق في كركوك الى مناطقهم الأصلية في الجنوب، وإعادة الكرد الذين رُحلوا من المحافظة الى ديارهم، مع تعويض الطرفين عما لحق بهم من خسائر، يتلوها اجراء استفتاء المواطنين حول خيارهم الانضمام الى الاقليم، أو البقاء خارجه. وقد مر على صدور الدستور عشر سنوات من دون ان تنجز بغداد البند الأول، قال نائب من كتلة دولة القانون/كتلة رئيس الوزراء المالكي:»ان عدم توفر المال الكافي لتعويض المتضررين من الجانبين هو ما منع تنفيذ هذا البند»، كلام غير مفهوم في دولة نفطية عائدها السنوي منه مئات المليارات، ما جعل الموضوع نقطة خلاف دائمة بين الاقليم والمركز تثير التوتر وتعمق الفجوة بينهما.
اما على الصعيد الميداني فقد ترتب على انفجار المواجهة بين الجمـــــاعات السياسية السنية العراقية والنظام الطائفي في بغـــداد، وهزيمة جيش النظام، فراغ سياسي وعسكري وأمني تحرك الاقليم وملأه، واعتبر ما حصل تطبيقا عمليا للمادة 140، في ضوء تسليم الجميع ان نتيجة الاستفتاء محسومة لصالح التحاق كركوك بالإقليم.
غير ان ما أثار أسئلة وعلامات استفهام كبيرة هو تحرك بغداد وطهران للرد على تقدم الجماعات السنية عبر عزلهم سياسيا وتطويقهم عسكريا، وعرضهما المقدم للكرد مقابل التعاون لوقف تقدم المقاتلين السنة واستعادة الاراضي التي خسرها النظام. فقد كشف مصدر إيراني عن قيام رئيس وزراء اقليم كردستان السيد نيجيرفان بارزاني بزيارة طهران بدعوة عاجلة من الأخيرة، حيث قدم له الإيرانيون عرضا من المالكي ينطوي على بنود اتفاق تضمنه ايران، يقضي بضم كركوك وجميع المناطق المتنازع عليها الى الإقليم، واعتبار ذلك بمثابة تطبيق فوري للمادة 140 من الدستور، وإجازة الحكومة العراقية للإقليم تصدير النفط من حقول كردستان لمدة خمس سنوات، وإدخال العائدات كاملة في موازنة الإقليم، ومن ثم جعل حصة الاقليم من الموازنة العامة للعراق ثلاثين في المئة، فضلاً عن وضع الطرف الأيسر من الموصل كاملاً تحت الادارة الكردية، وتخويل القوات الكردية (البيشمركة) والأجهزة الأمنية (الأسايش) بالملف الأمني فيه وفي عموم نينوى، مقابل فتح أراضيه للقوات العراقية كي تقوم، وبمشاركة قوات البيشمركة، بالهجوم على محافظة نينوى من محورين لاستعادة الموصل، وقد نقل رئيس وزراء الاقليم صورة عن الرسالة الى رئيس اقليم كردستان العراق. وقد عقدت حكومة الاقليم جلسة خاصة لمناقشة العرض، وقررت رفضه لاعتبارات عدة اولها، وفق مصادر سياسية كردية، رفض المشاركة في القتال ضد السنة العرب، وثانيها اعتبار ما تم من انتشار قوات البيشمركة في كركوك وجلولاء ومناطق في سهل نينوى تنفيذا ناجزا للمادة 140 من الدستور، وثالثها رفض الاقليم للحل العسكري للنزاع وتفضيله الحل السياسي.
لقد حقق الكرد بعض أهدافهم من دون اي خسائر، خاصة ان العرض حررهم من الحرج وأسقط مبررات التحفظات على ما فعلوه، وتركوا سلطة المالكي غارقة في مشكلة صنعتها بنفسها بسياستها الطائفية والتميــــيزية، فبقاؤها متورطة وضعيفة يمنحهم فرصــــة ادماج كركوك والمناطق الاخرى في الاقليم، ما يجعل العودة عن قرار الضم مستحيلا، وأعلنوا انهم لن يحاربوا إلا دفاعا عن النفس، بينما غرق المالكي في شر اعماله وكشف، هو وطهران، عن مــــدى تمسكهما بالسلطة وبسيطرة الشيعة على العراق، باعتباره جزءا رئيسا في المشروع الايراني للتمدد والسيطرة في المشرق العربي، وتحقيق مقولة أحد جنرالاتها «لا شيء يعيق السيارة الايرانية من التنقل من شاطئ بحر قزوين الى شاطئ المتوسط من دون توقف».
٭ كاتب سوري
علي العبدالله
#مكملين #احنا_متراقبين #ارحل_يا_عرص #مرسى_رئيسى #كلنا_مسلمين #شبكة_صوت_الحرية