مشاهد من حرب إسرائيل ضد غزة…
اللعب بالدمى تحت أطنان القنابل وعلى ركام البيوت المهدمة
تفيض مناطق قطاع غزة ومشافيه بمئات القصص، التي تروي كل واحدة منها مأساة حقيقية، خلفتها الحرب الإسرائيلية على القطاع الذي يعاني من أنين الجراح التي خلفتها أطنان من المتفجرات ألقت حممها مقاتلات حربية أديرت من أجساد بلاد قلوب، حامت بها فوق قطاع ساحلي مكتظ بالسكان ونالت بعمد من المدنيين العزل والأطفال الرضع. ففي عدة مدارس لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» شمال قطاع غزة دخل آلاف السكان الفلسطينيين إليها بعدما أصبحت «مراكز إيواء» أقامتها المنظمة الدولية للفارين من بيوتهم بناء على أوامر من الجيش الإسرائيلي، الذي أنذر بهدمها.
فآلاف السكان هرعوا منذ ساعات الفجر مهرولين إلى «مراكز الإيواء» على أمل أن تكون لهم ملجأ من موت محقق يتهددهم من جهة جيش الاحتلال، الذي طالبهم في مناشير ورقية أسقطتها طائرات حربية، كإنذار أولي قبل أن تسقط حممها الصاروخية على رؤوسهم، تطالبهم بترك المنازل الواقعة على مقربة من شريط قطاع غزة الحدودي من الجهة الشمالية، والتوجه إلى مناطق في العمق.
شيوخ ونساء وأطفال رضع وصلوا «مراكز الإيواء» بعدما حملوا على وجه السرعة القليل من الأمتعة، لحاجتهم إليها وقت النوم.
وخصص لكل عائلة غرفة، كانت حتى وقت قريب تتربع فيها مقاعد دراسية، وأفترش غالبية العائلات لحظة وصولها الأرض، دون أن تعرف كيف ستدبر مأكلها ولا مشربها حينما يحين وقت الإفطار، وهي لا تملك كسرات من الطعام.
وتقول سيدة في العقد الخامس على عجل وهي تهم بالاستقرار في أحد أركان المدرسة مع زوجها وأبناءها وأحفادها «محملناش (لم نحمل) ولا إشي (أي شيء) أطلعنا من بيوتنا خايفين من القصف».
ولاحظت «القدس العربي» أن علامات الخوف لم تفارق وجود الفارين لمراكز الإيواء، كما لم يغفل أرباب الأسر عن تفقد أطفالهم وأفراد عائلتهم على مدار الوقت، وهم يخشون أن يتيه أحدهم في زحام الفارين في الملجأ الجديد الذي لا يعرفون عنه شيئا.
وليس بعيدا عن مشهد النزوح الجديد يرقد على أسرة مشفى الشفاء إلى الغرب من مدينة غزة وهو أكبر مشافي القطاع مئات المصابين، بينهم من أصيب بجراح خطرة للغاية، في غرف العناية الفائقة، التي لا تعلم بعد إن كانت تحت الأرض أو فوقها.
وعلى أحد أسرة العلاج في غرف العناية الفائقة ترقد فتيات مصابات بجراح بالغة، هن بالأصل يعانين من إعاقات جسدية، بالأصل كانت تمنعهن من الحركة. ويقول طبيب في قسم الرعاية الفائقة أن جراح المصابات خطرة، وأن الموت الذي أدى إلى وفاة اثنتين منهن، في قصف على مؤسسة مختصة برعايتهن شمال قطاع غزة، لا زال يتهددهن.
والفتيات المصابات أدخلن في غيبوبة طبية منذ لحظة وصولهن للمشفى، وقد بدت اللفافات الطبية قد غطت كل أجسادهن المصابة بجراح مختلفة.
وقضت فتاتين معاقتين هما سها ابو سعدة، علا وشاحي، في غارة مباغتة على جمعية مبرة الرحمة للمعاقين شمال قطاع غزة، حولتهن إلى أشلاء، نفذتها طائرة حربية إسرائيلية، وبالأصل تلك الفتيات لا يمكنهن الحركة ليتمكن من الهرب قبل القصف، وضربت المؤسسة في ساعات الليل، وفي ظل أجواء حرب عنيفة.
وفي إحدى غرف المشفى أيضا ترافق سيدة مسنة من عائلة حمد التي تقطن بلدة بيت حانون شمال القطاع، إلى جانب طفلين مصابين، أحدهم فقد أبويه الاثنين، والآخر فقد والده، وهما أبناء عمومة، قضى ستة من سكان المنزل، هم ثلاثة أشقاء، وثلاثة نساء في قصف مباغت للمنزل.
الطفل اليتيم من جهة الأب والأم، لا يعرف بعد حجم الكارثة التي قد ألمت به، فهو لا زال يتلقى العلاج من إصابة بالغة جراء ذلك القصف الذي خلفه وحيدا في الدنيا، ودون أن يرى بعد اليوم لا والده ولا حتى والدته.
وضمن محاولات تخفيف حجم الصدمة عن الأطفال المصابين، قدمت بعض المؤسسات الأهلية ألعابا وهدايا لهم، غير أن هؤلاء الأطفال ينتفضون خوفا وفزعا مع سماع دوي الانفجارات الناجمة عن الغارات الجديدة التي تهز أركان مدينة غزة على مدار الساعة.
كذلك في مشفى الشفاء اضطر والد الطفل الجريح رامز أبو مدلل، وعمره خمس سنوات للمكوث في المشفى حتى بعد حصوله على إذن بالخروج من المشفى لتحسن وضعه الصحي.
فالوالد الذي فرش قدمه ليطأ نجله رأسه عليها بعد أن غالبه النعاس للنوم قليلا، يقول أن منزل العائلة هدم في غارة إسرائيلية، على حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، وأن طفله لا يأمن المبيت في منزل آخر خشية من استهداف إسرائيلي جديد.
وفي غزة حرمت أطنان المتفجرات التي ألقتها الطائرات الحربية الإسرائيلية الأطفال من ممارسة هوايتهم المضلة اللعب بالدمى، فكيف لهم أن يلعبوا تحت أصوات المدافع، وسيعود الفتية إلى اللعب فوق ركام الدمار، يلهون علهم ينسون تلك الأيام العصيبة.
وتؤكد عوائل لأطفال مصابين يرقدون على أسرة العلاج أنهم كانوا يلهون وقت الاستهداف الإسرائيلي، ونقلت عربات إسعاف إلى جانب أطفال ضحايا ومصابين إلى المشافي دمى وقد لطخت بدماء أصحابها.
ومن بين هؤلاء الطفلة مريم المصري ابنة التسعة أعوام، التي كانت تلهو مع شقيقها الوحيد وتوأمها، حين باغتت إحدى الطائرات بصاروخ محيط منزلها، فنجا شقيقها، وأصيبت هي بجراح بالغة الخطورة، أرقدتها في غرفة العناية المركزة بين الحياة والموت.
فوالدها عوني المصري الذي لم ينقطع بكاؤه على طفلته، لم يفارق المكان القريب من سرير علاج طفلته، منذ أن أصيبت قبل أيام، فطفلته التي أبصرت النور وشقيقها بعد سلسلة عمليات إخصاب مجهري، قد أدخلت في غيبوبة طبية، لا تذكر قبلها سوى لحظات جميلة من اللهو مع أقرب الناس إليها. وهناك لا زال الوالد يكرر لكل من يسأله عن طفلته أعطي دمي لتعيش ابنتي، وقد بدا أنه لم يهييء نفسه إلا لأن يراها وقد عادت تلهو مرة أخرى في باحة منزلها. وقضى في الغارات الجوية الإسرائيلية الشرسة ضد المدنيين عوائل بأكملها، كعوائل البطش وحمد وكوارع وغانم، ومن بين من قضوا نساء وأطفالهن الصغار، كنساء من عوائل عبد الغفور وملكة، والنواصرة، وقد قضت أيضا إحدى السيدات وجنينها، الذي لم تتمكن من حمايته برحمها من شظية صاروخية أصابته في مقتل.
وكان من بين الصور الأكثر تأثيرا في الحرب أطفال أشقاء وهو في ثلاجة الموتى، وقد احتضن الكبير منهم الصغير، علاوة عن صور صراخ الآباء على أطفالهم المدرجين بالدمار، الذين فارقوا الحياة.
وأجبرت الغارات الإسرائيلية باقي أطفال غزة للمكوث في منازلهم بحثا عن شيء من الأمان، رغم أن الغارات الجوية نزعت الأمن عن منازلهم، وحولتها إلى ركام، ومزقت أجسادهم إلى أشلاء.
وقد طالبت منظمات حقوق الإنسان في غزة السلطة بالتوقيع الفوري على اتفاقية روما لمواجهة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وملاحقة قادة الاحتلال دوليا، وتقديمهم للعدالة عبر محكمة الجنايات الدولية.
وأكدت هذه المنظمات في مؤتمر صحافي تحدث فيه رئيس المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان راجي الصوراني، حيث قال «المدنيين باتوا في عين العاصفة وهدفًا دائمًا للعدوان»، وقال أن إسرائيل ترتكب «جرائم حرب»، وأنهم يقومون بتوثيقها لملاحقة قادة الاحتلال.
وقال أن قطاع غزة في «وضع كارثي» بفعل الحصار المفروض عليه منذ ثماني سنوات، داعيا القيادة الفلسطينية إلى التحرك لحماية شعبنا من جرائم الاحتلال.
اشرف الهور
#مكملين #احنا_متراقبين #ارحل_يا_عرص #مرسى_رئيسى #كلنا_مسلمين #شبكة_صوت_الحرية