الإمامان المجددان البنا و ياسين
ظهر كثير من المجددين رضي الله عنهم في ظل قرون الملك العضوض الطويلة الثقيلة الممتدة من عهد بني أمية إلى نهاية حكم آل عثمان، يبعثهم الله ليجددوا للأمة دينها رغم عراقيل الحكام و إذايتهم ومحاصرتهم لأهل الدعوة و الإصلاح، خشية أن تشير أصابع دعوتهم إلى فساد السلطان، لا شك أن ظلمة هذه العهود كانت تخترقها من حين لآخر أنوار حُكم رجالات على قدر من الصلاح، ولعل من أبرزهم عمر بن عبد العزيز في مرحلة متقدمة، ثم صلاح الدين الأيوبي في مرحلة أخرى جزاهما الله و أمثالهما عن الإسلام خير الجزاء.
و يشاء المولى عز و جل أن يسطع بُعَيْدَ سقوط "الخلافة" العثمانية و زوال شوكة المسلمين نجم مجدد عظيم هو الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله، سعى الإمام الشاب في خضم القرن الرابع عشر الهجري إلى إعادة قيادة جامعة قوية عزيزة لأمة المصطفى صلى الله عليه و سلم، فقد حز في تلك النفس النقية الأبية و عز عليها شتات الأمة و ضياعها بين مخالب الصلييبة القديمة الحاقدة و الصهيونية الماكرة الصاعدة، فأسس جماعة ربانية سماها جماعة الإخوان المسلمين لتكون اللبنة الأساس لمشروعه الطموح، لكن يد الغدر قد امتدت إليه سريعا قبل أن يشهد اكتمال مشروعه العظيم، غير أن جماعته المؤسسة على هدى من الله كان لها منذئذ نور و حضور في العالمين، و برهن أبناؤها عن صدق سريرة و مضاء عزم، فلم يلينوا تجاه الشدائد و المحن التي تعرضوا لها و لا يزالون لعقود من الزمان، حتى غدت الجماعة مصدر إلهام للعمل الإسلامي المعاصر في بقاع المعمور، فلا غرو أن يَعتبرَ معظمُ الدعاة و العلماء المعاصرين الإمامَ حسن البنا على رأس مهمة التجديد في القرن الرابع عشر بلا منازع رضوان الله عليه.
و يُقيض الله تبارك و تعالى للأمة المحمدية رجلا نورانيا ربانيا و وليا حكيما محبوبا في النصف الأخير من القرن الرابع عشر، فيشغل إشعاعُه التربوي الإيماني والعلمي و العملي المجالَ الزماني للقرن الخامس عشر الهجري، و سوف يظل منهاجه الدعوي التربوي الجهادي الذي ربى عليه و نظم جماعة متراصة وفكره الذي أثل له في العشرات من مؤلفاته بوصلة موجهة لمسيرة الإسلاميين إلى أن تتحقق الخلافة على منهاج النبوة بحول الله و قوته، تُرى من هذا المبعوث في عز سطوة الحكم الجبري و شدة ظلمته و قساوة بطشه، مُعلنا عن اقتراب رحيله غير مأسوف عليه، و مبشرا بقرب بزوغ شمس الخلافة الثانية على منهاج النبوة إن شاء الله المنان الوهاب؟ من هذا الذي صدع بالحق في وجه أشد سلاطين الزمان قهرا و جورا، ويعرض عليه بعزم و يقين توبة عمر بن عبد العزيز قبل وصول الطوفان؟ إنه السيد الجليل عبد السلام ياسين، غصن الدوحة النبوية الشريفة رحمه الله.
إنَّ بَث اليقينِ بقرب عودة الخلافة على منهاج النبوة بشارةٌ عظمى يعرضها الإمام المجدد بين يدي العاملين بدين الله و لدين الله، و إن كانت هذه البشارة لا تزال تغطيها ظلمة هوان الأمة، كما يخفيها عن العيون القاصرة و عن القلوب المحجوبة عن نور الله و نور رسوله تخلفُ المسلمين و وهنُهم بين الأمم، فالمعادلات المادية المنقطعة عن الغيب لا تجد للبشارة حلا في زمن الجبروت الغربي و تفوق الأعداء علميا واقتصاديا و عسكريا، غير أن النهضة الأخيرة لشبابنا في ظل أحداث الربيع العربي و صراخهم في وجوه الظلمة المكبلين لقومتنا العلمية و التكنولوجية الصناعية و العسكرية، و نفض الشعوب لغبار الخوف وتحديها لأنواع التهديد وألوان الوعيد وخروجها من خيمة القنط واليأس التي أُريد لها أن تقبع فيها، كل هذا من شأنه أن يفك رقابنا إن شاء الله، إنه بلا شك ربيع العرب و المسلمين، و ثمراته المرتقبة هي الحرية و العزة و الكرامة و العدالة، و التحول من المهانة و المذلة بين يدي العباد إلى الرفعة و الاعتزاز بعبادة رب العباد، و لا داعي للإحباط بعد كبوة من الكبوات أو عثرة من العثرات على طريق التغيير،على غرار ما يحدث في مصر أو سوريا، و الطريق شاقة و طويلة و ليست مفروشة بالورود على كل حال.
إن الأحرار والأشراف على بينة من المسير و المصير، أما السهول الواطئة فهي مراتع للخاملين، وإن الحقيقة الأكيدة هي أنه قد مضى عهد الهوان إلى غير رجعة إن شاء الله، ولم يعد بالإمكان استغفال الشباب و استبلاد الشعوب، وسنة التغيير ماضية لن تستطيع آلة البطش و وسائل التنكيل إيقاف قاطرتها، كل هذه أفكار مستوحاة من فكر الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله، لم يرحل الإمام العظيم عن هذه الدنيا، دار البلاء و الفناء حتى خط الكتب و ألف القلوب، و ربى و نظم أمة من المؤمنين على المنهاج النبوي و المحجة اللاحبة و وضع أقدام أبناء جماعة العدل و الإحسان على أثر الحبيب المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم و المنة لله و له الحمد. (يتبع)
بقلم: الأستاذ أحمد حسيسو