روبرت غيتس يفتح صندوق أسرار البنتاغون والمخابرات المركزية
وردت معلومات هـــامة عن موقف القيادة السعودية واسرائيل وايــران في كتاب صـــدر مــؤخرًا بعنوان: «الواجب: ذكـــريات وزير دفاع (Duty: Memoirs of a Secretary at War) لمؤلفه وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس، الذي تسلم هذا المنصب خلال ولاية الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش واحتفظ بمنصبه بعد فوز الرئيس الحالي باراك اوباما بالرئاسة (لعدة سنوات) قبل تركه منصبه، علما انه كان قبل ذلك مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) ومسؤولاً في مناصب اخرى ومقربا من الرئيس جورج بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر. وصدر الكتاب عن «دار الفرد نوبف للنشر» في نيويورك.
ولعل الجزء الأهم في الكتاب، في هذا الصدد، جاء في الفصل الخامس منه بعنوان: «ما بعد العراق:عالم معقد». حيث تحدث غيتس عن لقائه الأول كوزير دفاع مع الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز وكانت برفقته وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك كوندوليزا رايس. وقد تمّ هذا اللقاء في صيف عام 2007 بعد مؤتمر شرم الشيخ في مصر.
وقال غيتس ان هذا اللقاء مع الملك السعودي شكّل أحد أهم لقاءاته مع مسؤولين وقادة طوال عمله السياسي، وكان الوحيد الذي فقد فيه تحكمه باعصابه. والسبب ان الملك عبدالله طالبه كوزير دفاع لأمريكا بأن تشن واشنطن هجوما عسكريًا شاملا على أهداف عسكرية في ايران وليس فقط على الأهداف الايرانية التي تحوم الشكوك حول كونها مصانع للتسلح النووي. وهدد الملك السعودي، خلال هذا اللقاء، بانه اذا لم تشنّ أمريكا هذا الهجوم العسكري فان السعودية ستتخذ الأجراءات من جانبها وباستقلال عن القرار الأمريكي، للدفاع عن مصالحها، كما رآها العاهل السعودي.
ورأى غيتس ان الملك السعودي وفي هذا الطرح كان يطلب من أمريكا ان ترسل شبابها الى الحرب مع ايران لحماية الموقف السعودي والسياسات السعودية في الخليج والمنطقة وكأن الأمريكيين مرتهنون لهذه المواقف من دون جدل.
وحسب غيتس، وصف العاهل السعودي أمريكا في اللقاء بأنها تحولت الى دولة ضعيفة بنظر حكومات المنطقة العربية.
وأشار غيتس الى انه غضب أزاء مواقف الملك السعودي في هذا الشأن، وردّ بقوله انه طالما لم تشن ايران حربا على أمريكا أو حلفائها فاذا قرر رئيس الجمهورية الأمريكي شن حرب عليها فانه سيتم اقصاؤه من منصبه خصوصا بعد تورطه في العراق عام 2003، وان الاستخدام العسكري للقوات الأمريكية سيتم فقط لدى التعدّي على أمريكا وشعبها ومصالحها. وقال انه أوضح للملك السعودي ان الإنضباط والحكمة في إتخاذ القرارات الهجومية العسكرية يشكلان مصدر قوة وليس ضعفا ويجب الاّ يستخف بهذا الواقع وبقوة أمريكا، وان كل من أستخف بقوة أمريكا: من المانيا النازية واليابان الامبريالية والاتحاد السوفييتي وغيرها عاقبهم التاريخ. وبعد أعتراف غيتس انه ربما بالغ في انفعاله في هذا اللقاء، قال في المقطع الثاني من الفصل ان الملك السعودي عاد وذكّره، بعد ذلك باربع سنوات، في لقاء آخر، بأنه ما زال يشعر بغموض وعدم وضوح الموقف الأمريكي أزاء ايران.
بيد انه أشار في مقطع آخر في الفصل ذاته من الكتاب انه وخلال دوره كوزير للدفاع في ادارة جورج بوش الأبن كان متحفظًا وقلقًا ازاء النفوذ الكبير لكل من اسرائيل والسعودية في قرارات البيت الأبيض ورغبتهما في حسم الموقف مع ايران عسكريًا قبل انتهاء ولاية بوش الأبن الرئاسية، وان نائب الرئيس الأمريكي آنذاك ديك تشيني كان متعاطفًا مع الموقفين الاسرائيلي والسعودي ومقربًا من قادة هذين البلدين وصديقًا لهما وان بوش الأبن بدوره تعاطف مع موقفهما.
وحول موقف ادارة بوش الأبن من سوريا، قال غيتس في الكتاب ان هذه الادارة تحفظت ازاء قيادة عائلة الأسد للنظام السوري في العقدين الماضيين، ولكونها خاضت حربين اثنتين ضد اسرائيل وتحالفت مع ايران ودعمت منظمات ومليشيات هدّدت الاستقرار في المنطقة. كما تأثرت هذه الادارة بتقارير استخباراتية وردت من اسرائيل في ربيع عام 2007 عن كون كوريا الشمالية ساعدت سوريا بشكل سري على إنشاء مفاعل نووي على أراضيها. وأنقسمت الادارة الأمريكية، حسب قوله، على كيفية التعامل مع هذا الخطر، وكان غيتس من المتحفظين حول قيام أمريكا بعملية عسكرية لمواجهة هذا الأمر أو إعطاء الضوء الأخضر لاسرائيل للقيام بها وخصوصا أن التقارير الاستخبارتية الاسرائيلية وحدها، حسب رأيه، لم تكن في كثير من الحالات تتمتع بالمصداقية.
وأشار الوزير السابق انه طالب الادارة العسكرية بالتحديد توضيح الخيارات أمام أمريكا في مجال مواجهة دعم سوريا لحزب الله اللبناني، ونفوذ هذا الحزب المتصاعد في لبنان وامكان حدوث ردود فعل ميدانية من هذا الحزب في مواجهة أي عمل عسكري ضد سوريا قد يحدث دون استخدام قوات عسكرية ميدانية أمريكية. ونبهه أيضًا الى ضرورة الحذر من ردود الفعل الإقليمية اذا تمّ أي عمل عسكري ضد سوريا وفي سبيل تجنب خوض أمريكا لحرب ثالثة في المنطقة بعد حربي افغانستان والعراق.
وأضاف غيتس ان نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني أيدّ الضربة العسكرية ضد سوريا، وعلى مفاعلها النووي، وأعتبر ان ذلك لا يمنع سوريا من الحصول على السلاح النووي فقط بل يرسل تهديدًا الى ايران لدفعها للتخلي عن تسلحها النووي. وتمنى تشيني أيضا، حسب ما ورد في الكتاب، ضرب مخازن أسلحة حزب الله في سوريا، خدمة لأمن اسرائيل، وبالإضافة الى ذلك الى إحداث شرخ في علاقة الرئيس الأسد بايران، وبالتالي عزل ايران الى درجة أكبر.
وكما في مناسبات أخرى، عارض غيتس مواقف تشيني وخطورة اعتمادها وامكان ان تحدث حربا جديدة في المنطقة مع انه وافق على ضرورة تعطيل أي برنامج نووي في سوريا ولكن بوسائل أخرى، وباعتماد الدبلوماسية اولاً واستخدام الوسائل العسكرية كخيار أخير.
وبعد ذلك، قامت اسرائيل بضرب الموقع السوري، برغم تحذيرات غيتس، وحرصه على مصالح أمريكا، قبل مصالح اسرائيل في المنطقة، حسب قوله. بيد ان اللوبي المؤيد لاسرائيل في الادارة الأمريكية بدعم من تشيني، اقنعوا الرئيس بوش الأبن بالسماح لاسرائيل بالقيام بأي عمليات ترغب القيام بها، وبما ان الرئيس بوش كان متعاطفًا مع هذه المواقف، فقد تمت العمليات وخضع بوش لارادة تشيني، حسب غيتس، وهاجمت اسرائيل الموقع السوري وحطمته وتمت العملية بسرية وتكتم من الجانبين لأسباب سياسية. ولكن غيتس أشار الى انه ظل على موقفه المعارض لمثل هذه العمليات لانها أعطت أفضلية للعمليات العسكرية على حساب اعتماد الدبلوماسية في حل المشاكل الحساسة مما يفتح المجال أمام أخطار أكبر.
وهذا، كما رأينا، ما قاله غيتس للقيادة السعودية، وهذه مواقفه ازاء اسرائيل ولكن غيتس وأمثاله (وربما ما زال) لهم نفوذهم كمستشارين في القرارات الأمريكية الهامة والمصيرية في السياسة الخارجية والدفاعية. ولكن، هناك لوبيات أخرى كلوبيات النفط والغاز وأسواق المال وشركات صناعة الأسلحة واللوبي الصهيوني يتصاعد نفوذها هذه الأيام وخصوصا كلما قربت مواعيد الإنتخابات البرلمانية والرئاسية الأمريكية.
سمير ناصيف
#مكملين #احنا_متراقبين #ارحل_يا_عرص #مرسى_رئيسى #كلنا_مسلمين #شبكة_صوت_الحرية