تحول سقوط طائرة الخطوط الجوية الجزائرية فوق شمال مالي إلى موضوع أكثر من معقد ومتشابكة خيوطه، خاصة وأن الكثير من النقاط تبقى غامضة، وتبحث عن إجابة، مهمة تبدو شبه مستحيلة، وأن الحقيقة ستكون قد تبخرت في الجو، وأختفت مثل حطام الطائرة.
الرحلة 5017 للخطوط الجوية الجزائرية التي كانت قادمة من واغادوغو في إتجاه العاصمة الجزائرية أختفت من الرادارات دقائق قليلة بعد إقلاعها من مطار العاصمة البوركينابية، مباشرة بعد ذلك تم إخطار السلطات الجزائرية بأن الطائرة اختفت، كل شيء كان يسير على ما يرام بالنسبة لهذه الرحلة، حتى دخلت الأجواء المالية، برج المراقبة بمطار واغادوغو لم يسلم الطائرة لمطار باماكو، مثلما جرى عليه البروتوكول الجوي في مثل هذه الحالات، وبالتالي برج المراقبة في العاصمة الجزائرية، لم يتلق إشعارا بأن الطائرة دخلت المجال الجوي.
مباشرة بعد ذلك انطلقت طائرات مقاتلة جزائرية وأخرى فرنسية للبحث عن الطائرة المفقودة، خاصة وأن كانت كل المؤشرات تبين أن الطائرة قد تحطمت، وأن الإتصال فقد معها لما كانت تحلق فوق شمال مالي، وفوق مدينة غاو، التي عرفت سيطرة الإسلاميين المتشددين، ولا تزال إلا الآن منطقة غير آمنة.
وفي الوقت الذي كانت مصادر فرنسية تتحدث عن سقوط الطائرة فوق منطقة كيدال، كانت السلطات الجزائرية وبحذر شديد تقول أن الطائرة سقطت في منطقة الكثبان بالقرب من قرية قوسي جنوب مدينة غاو، وهو ما تأكد في اليوم التالي رسميا، والغريب أن المعلومة حصلت عليها السلطات الجزائرية من ممثلي الطوارق وجماعات الشمال الذين كانوا متواجدين في العاصمة الجزائر، من أجل المشاركة في حوار مالي داخلي.
في اليوم التالي كان وزير النقل الجزائري عمار غول، والذي يترأس خلية الأزمة التي شكلتها السلطات الجزائرية، على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الجزائرية نحو مالي، الجميع اعتقد في الوهلة الاولى أن الهدف من الزيارة سيكون مرافقة جثامين الضحايا الجزائريين الستة، لكن تبين بعد ذلك أنه لا توجد جثامين!
الزيارة منذ البداية غامضة، ولا أحد يعرف برنامجها بدقة، فقط علم الصحافيون أنهم سيذهبون إلى بوركينافاسو، لكن لا أحد استطاع أن يفسر سبب زيارة بوركينافاسو، الهدف المعلن، هو تقديم التعازي للرئيس بليز كومباوري، لكن بوركينافاسو فقدت 24 رعية، وفرنسا فقدت 54، وعلى الطائرة كانت هناك 14 جنسية، اللقاء الذي جمع بين الوزير غول والرئيس كومباوري كان مغلقا، ولم يتسرب عنه أي شيء، عدا الكلام الدبلوماسي الذي يردد في كل المناسبات.
في اليوم نفسه كان للوزير الجزائري لقاء مع الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كايتا، الذي بدا منزعجا من السؤال حول مكان تواجد الصندوقين الأسودين للطائرة، وتهرب من الإجابة وحتى الوزير الجزائري لم يتحدث طوال اليوم الأول والثاني من الزيارة عن الصندوقين الأسودين، كما أن تصريحاته كانت تحمل إمتعاضا غير معلن من التحركات الفرنسية عقب تحطم الطائرة، خاصة وأن المحققين الفرنسيين كانوا أول من وصل إلى المكان عينه، وذلك قبل يوم كامل من وصول الوفد الجزائري، كما أن القوات الفرنسية، التي تشارك في عملية «سرفال» شمال مالي أقامت معسكرا في مكان تحطم الطائرة، وأغلقت الموقع.
في اليوم الثالث من الزيارة سمح أخيرا للوفد الجزائري بالانتقال إلى موقع سقوط الطائرة، المبرر الذي قدم، هو أن القرار بيد الأمم المتحدة، التي تؤمن منطقة غاو، لكن الذين يؤمنون الموقع كانوا فرنسيين.
في الوقت الذي كان فيه الوفد الجزائري يعد العدة لزيارة موقع تحطم الطائرة، صدر تصريح منسوب للرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند يقول أن جثث كل الضحايا ستنقل إلى فرنسا دون استثناء، وذلك بعد موافقة السلطات المالية، دون أن يذكر أو يشير إلى الجزائر، وهو التصريح الذي جعل الخارجية الجزائرية تستدعي السفير الفرنسي لطلب توضيحات حوله.
ولما وصل الوفد إلى مكان تحطم الطائرة، كانت الصورة مفاجئة، فلا جثث للضحايا، وحتى حطام الطائرة شبه منعدم، باستثاء بعض القطع الصغيرة المتناثرة هنا وهناك، ومكان تحطمها الذي كان واضحا من خلال آثار الحريق، لكن الأمر يتعلق بطائرة متوسطة الحجم كانت تقل 118 راكبا بحسب الأرقام الفرنسية، و116 بحسب الأرقام الجزائرية، لغز آخر يثير التساؤلات، عن سبب عدم الإتفاق حول رقم واحد، رغم أن الطائرة جزائرية، وأن الشركة والسلطات الجزائرية لديها قائمة بأسماء الركاب.
النظرة السريعة على آثار الحادث تشير إلى أن الطائرة إنفجرت في السماء، لكن لو كان ذلك هو الذي حدث لكان حطام الطائرة منتشرا على مساحة تقدر بعدة كيلومترات، في حين أن ما تبقى من الطائرة كان منتشرا على مساحة لا تتجاوز 300 متر، كما أن مسؤولي البحث الفرنسيين أخبروا مسؤولي الطيران المدني بأن الطائرة تحطمت بعد اصطدامها بالأرض، وأنها هوت من ارتفاع يقدر ب3000 متر وارتطمت بالأرض في ثلاث دقائق، ولكن هل يسفر ذلك اختفاء حطام الطائرة وجثث الضحايا.
بعد أن قضى حوالي ساعة في مكان تحطم الطائرة، عاد الوفد إلى غاو، فيما بقي رجال الشرطة العلمــــية الجزائريـــة في المكان من أجل المشاركة في التحقيقات، والعمل على تحديد هوية الضحايا، قبـــل أن تلتحق بهم فرقة أخرى تابعة للدرك الوطني، ومباشرة بعد عودة وزير النقــــل الجزائري ونظيره المالي إلى مدينة غاو، فوجئ الجمـــيع بالوزيرين يعرضان الصندوقين الأسودين، ويحملانه معهما إلى باماكو، وظهـــر الوزير الجزائري في المؤتمر الصحافي الذي عقد في مطار باماكو وهو يحمل أحد الصندوقين الأسودين، دون أن يستطيع أن يمنع نفسه من إطلاق ابتسامة أمام عدسات الكاميرات، وقد تملكه شعور بالإنتصار بعد أن حصل على الصندوقين. في اليوم التالي كان الصندوقان على متن طائرة باتجاه باريس.
سيناريوهات كثيرة قدمت لتفسير سقوط الطائرة، صحيح أن السلطات الجزائرية ترجح فرضية سوء الأحوال الجوية، لكن هناك من يقول أن الطائرة غيرت مسارها من أجل أن تتفادى طائرة أخرى، وهناك من تحدث عن تعرض الطائرة لصاروخ حطمها بالشكل الذي رآه العالم، لغز آخر يتعلق بهوية الضحايا، خاصة وأن تواجد 54 فرنسيا على متن هذه الطائرة أمر محير، البعض لم يستبعد أن يكون هؤلاء عسكريين أو ينتمون لجهاز المخابرات الخارجية الفرنسية، ولكن هذا يجرنا إلى سؤال آخر، ألم يجد هؤلاء غير طائرة الخطوط الجوية الجزائرية ليسافروا على متنها؟ علما بأنهم كانوا سيتوقفون في العاصمة الجزائرية، ثم يواصلون الرحلة إلى فرنسا، البعض ذكر أيضا أن اللبنانيين هم من قيادات حزب الله، وفرضيات وسيناريوهات أخرى.
فرنسا فتحت تحقيقا بتهمة الإهمال والقتل الخطأ، وهو ما يوحي بأن هناك تحضيرا لإدانة شركة الخطوط الجوية الجزائرية، لكن الطائرة التي سقطت وهي مؤجرة من شركة «سويفت إير» الإسبانية، خضعت آخر مرة إلى المراقبة في مطار مرسيليا، وإذا كانت شركات الطيران عادة لا تؤجر الطائرات التي يتجاوز عمرها 10 سنوات، فإن عمر الطائرة التي سقطت 33 عاما.
كمال زايت
#مكملين #احنا_متراقبين #ارحل_يا_عرص #مرسى_رئيسى #كلنا_مسلمين #شبكة_صوت_الحرية