حرروا عواصمكم.. تُحرر فلسطين!
في عقدي السبعينيّات والثمانينيّات كانت ثمّة مقولة شائعة في أدبيات فصائل الإسلام الجهادي في مصر، تقول: إن تحرير فلسطين يبدأ بـ"تحرير" العواصم العربية من حكّامها! بدت المقولة ـ في حينها ـ "مغالية" بل و"صداميّة" إلى حدٍّ كبير، بل إن بعض النظم السياسية العربية "الثوريّة" والتي كانت امتدادًا للحكم الناصري في مصر، كانت تدرّس هذه المقولة لطلابها الصغار في المدارس، لنقْل صورة عن الحركات الإسلامية المقاتلة، بصفتها جماعات "إرجائيّة" تتهرب من مواجهة "العدو البعيد" ـ إسرائيل ـ باصطناع ما وصفته بـ"العدو القريب"، وهي الأنظمة العربية.. وذلك في سياق حملتها لتحصين شبابها من الانخراط في صفوف هذه الجماعات بوصفها "مؤامرة" على المشروع الثوري الناصري لتحرير فلسطين! فحوى المقولة إلى حدٍّ ما كان صحيحًا، غير أن الوسيلة التي استخدمت كانت تعتمد على فكرة الجهادي الراحل الرائد عصام القمري "كنس السلم من أعلى" بقوة السلاح والانقلابات العسكرية.. وهي الأداة التي أدّت في النهاية إلى تثبيت "السلم" من أعلى لعدة عقود ـ كما حدث في مصر ما قبل ثورة 25 يناير ـ وقوّضت أية إمكانية للتطور الديموقراطي، بعد ان أحالت البلد إلى ثكنة عسكرية، و"دولة رعب"، متّشحة شوارعها وميادينها بخوذات ضباط وجنود الأمن المركزي لثلاثة عقود متصلة وبلا انقطاع، وانتهت بتفكيك فلسطين وتقسيمها بين تل أبيب وسلطة رام الله وحكومة غزة.. وتتوج حاليًا ـ بالتراكم الزمني ـ بتهويد القدس والمسجد الأقصى بأريحيّة غير مسبوقة. ويبدو أن مقتضى الحال ـ بعد هذه التجارب ـ يفترض أن نربط فعلاً بين "تحرير" القدس وبين الجهود المبذولة حاليًّا لـ"الإصلاح السياسي".. إذْ لن تحرر القدس ولا فلسطين في ظل حكومات مستبدّة تضطهد شعوبها، وتصادر حرياتهم وحقوقهم، وتراهن ليس على الرأي العام الداخلي، وإنما على مدى رِضا أو سخط واشنطن وأتباعها في العواصم الغربية الأخرى. إحياء الحركات الاحتجاجية المنادية بالديموقراطية والانتخابات النزيهة وبمكافحة التزوير والتعذيب والاعتقالات هي جزء حقيقي وأصيل من نضال الشعوب من أجل تحرير فلسطين.. فالقدس والأقصى لن يُحرّرا إلاّ في ظل حكومات وأنظمة ديموقراطية تحترم شعوبها وهويتها العربية والإسلامية، وتكون تعبيرًا عن أحلامها ومصالحها وأمنها القومي. تحرير القدس يبدأ من هنا.. بتحرير الشعوب العربية أولاً من الاستبداد والفساد السياسي والمالي والإداري.. يبدأ عندما يكون للإنسان العربي قيمة ووزن في بلده.. تحرير القدس سيكون "نزهة" يسيره حين يجد المواطن العربي طعامًا يحترم آدميّته ونظامًا صحيًّا وتعليميًّا يجعل منه قوة وإضافة وليس عبئًا وكمًّا إنسانيًّا مهملاً. إن فاقد الشئ لا يعطيه.. فكيف تطلب من مواطن جائع ومحروم من الرعاية الصحية ومن التعليم الجيّد، ولا ينام آمنًا في بيته ولا معافًى في بدنه، ولا لديه ما يطعم به أطفاله أن يكون جنديًّا في معركة تحرير القدس.. حرّروا الأخيرة بتحرير أنفسكم.. ابدؤوا بعواصمكم تُفتح لكم أبوابُ فلسطين وتدخلوها إن شاء الله تعالى آمنين.
#مكملين #احنا_متراقبين #ارحل_يا_عرص #مرسى_رئيسى #كلنا_مسلمين #شبكة_صوت_الحرية