تستطيع ريهام سعيد أن تفعل ما يحلو لها. أن تستضيف ملحدين وتقيم لهم محاكمات على الهواء، وأن تكتشف وجود أطفال من أكلة لحوم البشر، أو أن تحكم على متّهم في قضية قبل حكم المحكمة. أو أن تعالج أطفالاً مصابين بمس شيطاني، طالما أن مشاهدات برنامجها في أعلى معدلاتها، ما يجعل الفترة الزمنية الإعلانية ذات قيمة مالية مرتفعة.
أما عن تكريس الخرافات وتطويع الدين والمجتمع والأخلاق وماكينة إعلامية هائلة، لمزاجيتها وقضاياها الشاذة، فهي مسألة لا تهم. يكفي فقط أن تردّ على منتقديها ومهاجمي الخَرَف الذي تقدمه في برنامجها، بأنها "الرقم واحد في مصر"، كما قالت صراحة في حلقة الأمس على شاشة "النهار".
تجاوزت مشاهدات الجزء الأول من حلقة علاج الجن في "يوتيوب"، بتعدد نسخها، العشرين مليون مشاهدة، متساوية بذلك مع فيديوهات "شاهد قبل الحذف"، وبعض لقطات العري المختلسة من أفلام عربية. فموضوع الجن والعفاريت والخرافات تستهوي شريحة عريضة من الجمهور، وقد كانت من المواد المفضلة لبائعي الكتب الصفراء على الأرصفة، جنباً إلى جنب كتب الجنس وكتب المؤامرات الخيالية على شاكلة "صدّام لم يمت".
غير أن هذه المادة التي كانت تباع في الظل ومن مطابع "تحت بير السلم"، تحولت إلى صورة عبر واحدة من القنوات الأكثر مشاهدة في مصر. تحولت الخرافة إلى مادة إعلامية رسمية تقدمها مذيعة خُصّص لها بالأمس فقط أربع ساعات كاملة لتقديم عفاريتها!
ومع الجدل الذي انفجر في "تويتر"، أمس، بعد الجزء الثاني من الحلقة المخصص لعلاج أسرة درامية لخمس بنات "ملبوسين بالجن"، حاز هاشتاغ
#ريهام_سعيد انتشاراً عالمياً، بوصوله إلى المرتبة السادسة على مستوى العالم، والأول عربياً ومصرياً، في أكثر الهاشتاغات تداولاً في موقع التغريدات.
يمكن إذن لريهام سعيد ألا تلتفت للهجوم الواقع عليها منذ أسبوع، بل وأن تباركه بعدما تحول اسمها إلى التداول العالمي، فلا يوجد ما يسمى دعاية سيئة، خاصة وأن برنامجها يشاهد بكثافة ويهاجم بحماسة المشاهدة نفسها.
خرجت سعيد في مقدمة حلقة الأمس، لتعطي دروساً في الأخلاق وشرف الخصومة لمن هاجمها من الإعلاميين، ثم بدأت تتهمهم بعدم المهنية في هجومهم عليها.. أما عن اتهامات الفبركة التي طاولتها، خصوصاً مع ظهور طفل صغير في حلقتين مختلفتين بموضوعين مختلفين. فقد ردت عليه المذيعة الجبارة بمنتهى الحزم، وأن هذا الاتهام "هبل وعبط" لأنها وفريق برنامجها يلاحقون قضايا تهمّ المجتمع، ولا حاجة بها إلى الفبركة فهي تراعي ضميرها في ما تقدمه للناس.
تعرف ريهام سعيد جيداً ماذا تفعل، وكيف تملأ مادة تناسب برنامج بعد منتصف الليل. فترة السهرة طوع مزاجها. إنها تداعب المجهول الذي يستهوي قطاعاً عريضاً من ربات البيوت، كمادة بديلة لأفلام الرعب، هي تقدم رعباً يبدو واقعياً: زنا محارم، ومسّ شيطاني، وجنّ وقتلة أطفال... كل المعالجات التي تجعل من أفلام الرعب الرخيصة تتضاءل أمام مادتها.
ريهام سعيد ليست خارج سياق المشهد الإعلامي المصري، بل هي في قلبه وقلب أزمته، مع الصراخ اليومي المستمر في البرامج الحوارية، الفاقدة لأي منطق أو عقلانية. أما هي، فقد تميّزت عن "زملائها" أولئك، بفقدانها للإنسانية.. ولعلها أول مَن صفّق للرئيس السيسي، وهو يحلم بالسيف الأخضر والساعة الأوميجا، وصفقت معه وهو يقول "صقفة للملايكة".