اخر الاخبار

الإثنين , 12 يناير , 2015


خيانة مع وقف التنفيذ
بقلم: أحمد الحارون
.....
عقدٌ ونصفٌ من الزمانِ ولى، وطُويتْ أيامُهُ، مازالتْ الصورةُ التي أهديتني إياها ــــ تذكرني بكلِّ الذي مضى، حين يشتدُّ بي الحنينُ....من مضجعها تخرجُ، أناجيها، تحملني أقدامى عنوة...تحتضنُ طريقاً فيه تعارفنا، وتبصقني الذكريات، فــــ أسمعُ صدى فيروز تشدو:
رجع أيلول وانتَ بعيد....بغيم حزين قمرها وحيد،
تزلزلُ الفؤادَ، أو حين تغنى:
يا جارة الوادي طربتُ وعادني
ما يشبه الأحلام من ذكراكِ، تزيدُ الآلام ألماً.
أتذكرُ...لا لا....كيف أتذكرُ؟ وأنا لم أنسَ......ولن أنسى ما حييتُ، باكورة الحبِّ في شبابٍ ولى، لكنْ حينَ يشيبُ الشَّعرُ فلنْ يهرمَ القلبُ.
أتأملك ...رغم البعدِ، أناجيكم رغم البين، أهمسُ إليكم رغم كبريائي المصطنع،
و... عندما يأتي المساءُ...ونجومُ الليل تظهر
أسألُ الليلَ عن نجمي....متى نجميَّ في الأفق يظهر.
على أنغام القمر تارة...وعلى أنين محاقه أخرى، نفس المكان..نفس النجوم...نفس أدوات الاستفهام، ربما نفس حبات الرمال تقبضها يدي كما كان قلبي يحتويكم، ربما هربتْ من بين أناملي ــــ كما هربتِ أنتِ بظروفكم القاسية.
ولما علمتُ أنكِ شولة كان دعائي:
اللهم اجعلني من أهل اليسار في الدنيا، ومن أهل اليمين في الآخرة.
تمرُّ السنون والسنون ، وفى القلبِ متكئةٌ أنتِ، وصورتك تحتلُّ نفس الكتاب.... نفس الصفحة...ومنقوشٌ في هامشها ....(إلى حبيبي) ، كان هذا الكتابُ هديتكم الوحيدة فى سنوات تعارفنا، لكنه فاق كلَّ الهدايا بما حوى، أنظر إليها قائلا:
يا بعيد الدار عن عينى ومن قلبى قريبا
كم أنادي! كم أناديك! ولا ألقى مجيبا
وكنتُ في حبِّكِ يا ليلى... كـــــ الأعْمى الذي لا يُفتنه جَمالُ المنظرِ وسِحرُ العيونِ وقوامةُ القدِّ، إنما يُفتنه وقعُ الحروفِ على الشفاةِ، ورائحتُها التي تداوي الأفئدةَ المكلومة، بل أخالني في هواها كـــ الجائعِ الذي تَثِبُّ أحشاؤه شوقاً لفتاتِ بعضِ الكلماتِ، وثريدِ قليلٍ من الجُملِ، ويسيلُ لعابي على فضلِ حديثها أو وعدٍ بـــــ تتمةٍ، وإذا ألقتْ تحيتَها يغتالُ الحياءُ لساني، وتلفُّ حُمرةُ الخجلِ كياني، وأتصببُ عرقاً وأنتفضُ، ولا أهمسُ بـــــ بِنتِ شفةٍ.
يا مَنْ ... وَارَاهَا الثرى وإنها:
أبلغُ ذاتِ لسانٍ
وأجملُ ذاتِ وجهٍ
وأنسقُ ذاتِ جِيدٍ
وأوسنُ ذاتِ لحظٍ
وأعذبُ ذاتِ ريقٍ
وأطهرُ ذاتِ نفسٍ
وأنقى ذاتِ فكرٍ
وأبعدُ ذاتِ وصلٍ
وأقربُ ذاتِ هجرٍ
أرنو إلى الصورة...صورة فتاة كـأحسن النساء وجهاً .. وقلباً .. وجيداً، يكاد القمرُ من بين عينيها يبزغ، ويكادُ الصدرُ فى الصورة يتنهد ويتأوه...
والثغرُ وما أدراك ما الثغرُ؟ يبتسمُ كأنه يعدُّ بقُبلةٍ.
حين أحركُ الصورة في يدي .. تبدو وكأنها تهمس وترقص وتتدلل..
ساعتها أتذكرُ حين تغمضين العينَ...وتنام كل دنيايَّ في أحداقك
وتزيد فتنتها فتنة...تعذبُ القلبَ وتضنيه، وكأن شعاعُ النور قد قبضتْ عليه أجفانُك
ساعتها تعجز جلُّ حدائق الأرض يا فتاتي أن تخرجَ وردةً تشبه ثغرك.
أتأملُ العنق وقلادةً حوله وصدراً تحته، أتأملُ وأتأملُ المسافة الناصعة البياض من أعلى الجبين إلى أسفل الصدر، تلك منطقة الأماني والقبلات في قاموس كل متيمٍ، أتأملُ الصدر وما يحويه وما يبرز فيه....إنه أجملُ معارض الإنسانية لدي، وأجملُ لوحةٍ يمكن لمثلي أن يتأملها.
وآهٍ من وعد الفم بقبلة...وآهٍ من القبلة حين يتمناها المرءُ
إنها حقّاً خيانة للضمير
فلا فرق بين قُبلةٍ تتمناها وقُبلةٍ في الواقع ـــــ إلا التنفيذ.
إنها ليلى ... وماأدراكَ ما ليلى؟



القراء 1195

التعليقات


خريطة الموقع


2024 - شبكة صوت الحرية Email Web Master: admin@egyvoice.net