كتب: نضال سليم *
برعاية سلطات الانتداب البريطاني وتحت سمع وبصر حكومة جلالة الملك تم تسريب عشرات الآلاف من اليهود من شتى بقاع الأرض إلى فلسطين بل صمتت الحكومات العربية على غير عادتها وهي التي أحدثت ضجيجًا عاليا لإخماد ثورتي يافا والبراق إبان الانتداب البريطاني على فلسطين.
بعد إعلان قيام دولة ما تسمى بإسرائيل في يوم 14 من مايو عام 1948 أخذت العروبة على عاتقها همًا ثقيلًا اتخذت المتاجرة بحياة ومعتقدات الفلسطينيين منحنى آخر وجديدا بل وما لبث الأمر حتى ادعت سبعة جيوش عربية دخولها لأرض المعراج لإنقاذ فلسطين ولتلقين العصابات الصهيونية درسا قاسيا في ميادين الحرب ولتتركهم على يقين أن العرب درعٌ واحد وقلبٌ واحد.
أصدرت وكالة الاستخبارات الأمريكية "CIA" تقريرا سريا في نوفمبر من عام 1947 تحت عنوان "عواقب تقسيم فلسطين" تنبأت من خلاله أن إعلان اليهود لدولتهم الوليدة سيُكتب له الفشل وأن العرب سينتصرون لا محالة في فترة لا تتجاوز السنتين ولكن من ثُبت بالفعل أن الجيوش التي أدخلتها الجامعة العربية لم تكن من حيث العدد تبلغ نصف ما أعدته العصابات الصهيونية ولم تكن مسلحة تسليحًا مناسبًا وهي أدخلت لتقف عند حدود التقسيم وهذا ما أعاد التأكيد عليه وكالة الاستخبارات الأمريكية "CIA" تقريرا سريا في مارس عام 1949 حين قالت إن العرب قد خيبوا توقعات الوكالة ولم يستطيعوا هزيمة العصابات الصهيونية بسبب خيانتهم.
الجيوش العربية التي صبت الجماهير شعرًا ونثرًا بعد أن أعلنت عن دخولها إلي فلسطين لنجدة شعبها وحماية تراثها ومقدساتها.
في الحقيقة لقد كانت الخيانة واضحة كالشمس في واقع النهار إذ كانت قيادات الجيش إنجليزية كذلك القواعد البريطانية كانت تحتل مصر والعراق والأردن أي أن قرارها لم يكن مستقلاً ولم نابعا من إرادتها وانتمائها لعروبتها بل كانت بلا أدنى شك محاولة لرسم صنم جديد بغض النظر عن عدد القتلى بين صفوف جيوشهم أو حجم المأساة التي سوف تترتب على تلك الخيانة الواضحة.
ولعل العرب لم ينتبهوا جيدًا لنوايا الخيانة التي أظهرها رئيس اللجنة العسكرية للجامعة العربية "إسماعيل صفوت" بعد لقائه مع القائد "عبد القادر الحسيني" بعد أن غادر القدس متجها إلى دمشق في أواخر مارس عام 1948 للاجتماع بقادة اللجنة العسكرية لفلسطين التابعة لجامعة الدول العربية أملًا في الحصول على السلاح ليشد من عزم المقاومين على الاستمرار والاستبسال في القتال.
في اللقاء الذي جمع بين عبد القادر الحسيني واللجنة العسكرية التابعة للجامعة العربية طالبته اللجنة العسكرية بعدم افتعال تصرفات فردية وأن جامعة الدول العربية قد أوكلت قضية فلسطين إلى لجنة عربية عسكرية عليا وطالبوه بعدم الذهاب نحو القسطل فقال لهم "إنني ذاهب إلى القسطل وسأقتحمها وسأحتلها ولو أدى ذلك إلى موتي والله لقد سئمت الحياة وأصبح الموت أحب إلي من نفسي من هذه المعاملة التي تعاملنا بها الجامعة إنني أصبحت أتمنى الموت قبل أن أرى اليهود يحتلون فلسطين إن رجال الجامعة والقيادة يخونون فلسطين".
لقد فهم القائد "الحسيني" مراد جامعة الدول وأشتم فيهم رائحة الخيانة فقد رفضوا إمداده بالسلاح قبل شهرين من إعلان الدولة الجائرة بل تركوه هو ورجاله بلا عون ولا مدد ولا سلاح في مواجهة العصابات الصهيونية على آخر نقطة فاصله على حدود القدس وما لبث الحسيني إلا أن دافع عنها حتى مات هو ومن معه من الأبطال وتم احتلال القدس.
المشكلة تتمثل منذ قديم الأزل في التبعية لأنظمة الغرب وتسليمهم العرض والأرض بكل بساطة فالحكام العرب لم يكن أحدهم يريد مواجهة مع بريطانيا لعلها تمنع عنه المال أو تنزعه من ملكه أو تسلط عليه ما يكره ولكن "الحسيني" بدأ يرسل إلى المتطوعين من الحركات الإٍسلامية في فلسطين ومصر وما استكان بل أنه أقام الحجة وصار يستنجد مرة أخرى بالقيادة العسكرية العربية وأرسل إليهم بأنه بمساعدتهم سينهي الوجود اليهودي في فلسطين ولكن القيادة العسكرية للجامعة العربية أصرت على خيانتها ووقوفها رهن اشارة المستعمر.
ولا أحد ينسي القائد العراقي "طه الهاشمي" حين هزأ من المجاهدين الفلسطينيين وأخبرهم أن لدى اللجنة العتاد والسلاح ولكنها لن تعطيه لعبد القادر الحسيني ورفاقه ولكنها ستنظر بالأمر بعد 15 مايو فكان رد الحسيني عليه "والله يا باشا إذا ترددتم وتقاعستم عن العمل فإنكم ستحتاجون بعد 15 مايو إلى عشرة أضعاف ما أطلبه منكم الآن ، ومع ذلك فإنكم لن تتمكنوا من هؤلاء اليهود ، إني أشهد الله على ما أقول ، وأحملكم سلفا مسؤولية ضياع القدس ويافا وحيفا وطبرية ، وأقسام أخرى من فلسطين".
ولما عاد إلي القسطل وبدأت ذخيرته في النفاد أرسل رسالته الأخيرة إلى الجامعة العربية "إني أحملكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي في أوج انتصاراتهم بدون عون أو سلاح".
سقطت القسطل وأُحرقت دير ياسين وتم احتلال القدس وصارت فلسطين ملكاً لهم بمساعدة ومباركة حكامنا العرب الذين إلى يومنا هذا يخرجون علينا بشعارات واهية وها نحن اليوم نرى أن مصر تحاصر غزة والإمارات المتحدة تهاجم قيادات المقاومة والأردن يعتقل من هنا وهناك.
مرت أعوام طويله تسطر حجم مأساة فلسطين لكن نكبتنا الكبرى لم تكن في احتلال الأرض أو ضياع القدس بل كانت نكبتنا هي خيانة العهد واستباحة أولي الأمر منا لدمائنا وأعراضنا.
بينما كان اليهود يعملون بقوة و تصميم لحماية مصالحهم العامة و تنفيذاً لبرنامجهم الصهيوني الخطير الذي جاء ليهدم ديننا في المقام الأول كان المسئولون في الدول العربية يعملون إما بوحي الاستعمار الأجنبي أو بتأثير مصالحهم الخاصة و قد نتج عن تضارب الأهواء و المصالح و تباين الغايات و الأهداف و التخاذل بل وأستحلفكم أن تكونوا صادقين وأن تعلونها أنه بسبب الخيانة داخل دول الجامعة العربية وقعت هذه الكارثة الأليمة.
في النهاية أؤكد أن جرح النكبة ما زال مفتوحًا وسيظل ينزف كثيرًا كثيرًا حتى نستلهم منه الدروس الكافية والكفيلة بعدم تكراره وحتى نحاسب كل من تورط إلى يومنا هذا في زيادة الجرح واتساع رقعته.
نكبة عام 1948 سببها الرئيسي خيانة الجيوش العربية وحكماها وليس الأسلحة الفاسدة أو قلة العدد والعتاد ولا طبيعة الأرض كما أشاعوا فينا وعلمونا ذلك النكبة كانت بسبب الخيانة.
* عضوأمانة التنظيم المركزية بحزب الاستقلال _ عضو المكتب القيادي بلجنة الانتفاضة الفلسطينية