للمرة الثانية يتحدث الأستاذ “يوسف ندا” عن “شرفاء الجيش”!
فخّ وراء فخ! وخديعة تلو خديعة! وقيادات “الإصلاح النظامي” – منزوع الصِّدام- تقود الأمة إلى كارثة تلو كارثة بخطى ثابتة لا تتردد! وكيف لها أن تتردد! وكلها تُبنى على ثبات الموقف، وعلى الثقة الراسخة في “المجتمع الدولي” و”مؤسسات الحكم الرسمية” في بلادنا، بلاد طواغيت العرب الجاهلية الوثنية الراقية المتقدمة! الراقية فوق قمم القمامة المتقدمة إلى الهاوية بالطبع والتطبُّع والتطْبيع!
انظر التاريخ يا سكران بخمر “شرفاء الجيش” وقل لي: “من شرفاء الجيش؟”:
“محمد علي” كان من شرفاء الجيش حتى باع البلاد بالقطعة للمستعمر امتيازًا، وباع الشعب بالواحد لمن يدفع سُخرةً! “كمال أتاتورك” كان من شرفاء الجيش حتى أزال الخلافة من الوجود، وعطَّل الإسلام من واقع الناس! “عبد الناصر” كان من شرفاء الجيش حتى مسخ مصر قزمًا بين الأمم، وعبَّد أبناءها لفرقعة سَوْط الجلَّاد! و”السيسي” كان من شرفاء الجيش وكان “وزير دفاع بنكهة الثورة” حتى نَكَحَ تلك الثورة سفاحًا! فأنجب منها ثوراتٍ مضادةٍ “زوغنَّنين”! لا تضرب مصر وحدها! بل تضرب مصر وسوريا وليبيا واليمن! من تريدون أيضًا من شرفاء الجيش لينضم إلى سجل الشرف المهتوك المدنَّس المبيع بأبخس الأثمان هذا؟! من؟!.
لو تأمَّلت تاريخ “شرفاء الجيش” في 200 سنة! منذ تولى محمد علي الحكم سنة 1805 إلى الآن -210 سنة في الواقع- ولو نظرت في خديعتهم المتكررة للقيادات الشعبية والإسلامية وركوبهم لـ”مصر” مرّة بعد مرّة وانطلاقهم منها لتخريب العالم الإسلامي في كل مرة؛ لما أسميت حكمهم كل مرة إلَّا: “عودة النذل”! قرنان كاملان من حكم الأنذال للمُستغفَلين والخانعين، قرنان حتى صار الناسُ جميعًا ذوي قرنين!
“شرفاء الجيش” تعبير مضحك في الحقيقة يتساوى تمامًا مع تعبير “راقصة لكن بشرفها”! وهم من المعسكر للقصر ومن القصر للمعسكر! في استقامة تامة وشرف واضح! ولو خرج أحدهم إلى النور وتحدث عن مجموعته كشرفاء الجيش فلن يكون في ذهني وأنا أشاهده تعبيرًا أخف من: «حين تتحدث العاهرة عن الشرف!».
شرفاء الجيش، لو جاز لشريف أن يدخل هذه المؤسسة خطأ أو وهمًا أو لغرض الاختراق من البداية، فهم يقبعون في القبور أو على المعاش بكل تأكيد! إن تصفية الجيش من الشرفاء هي عملية فرزٍ أقوى بكل تأكيد من فرز برتقال التصدير! وعملية فلترة أشد بكل تأكيد من كل فلاتر المياه في البلاد! وهي عملية فصلٍ أدق من كل عمليات الفصل بين الجنسين في جامعة الأزهر! وهي عملية تطهير أيديولوجي أقوى من كل عمليات التطهير العرقي على سطح الأرض في عصرنا الحديث! والسيسي ذاته كان رئيس جهاز الفرز والفلترة والفصل والتطهير هذا، جهاز “المخابرات الحربية” الذي طالما كانت مهمته الأولى وربما الأخيرة هي حفظ الجيش من اختراق الشرفاء له خاصة وبكل تأكيد الإسلاميين! فأين هؤلاء الشرفاء؟! هاه.. أين؟!.
ألا تقرؤون القرآن؟! ألا تدَّعون أنكم إسلاميون؟! لقد قال تعالى كلامًا ليس بعده كلام! وحكم حكمًا ليس بعده حكم! وفصل في القضية فلا تفكير ولا مواءمات ولا موازنات بعد قضائه! لقد قال عز من قائل (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ)! رئيس الدولة طاغوت! ووزير حربه طاغوت! وجنوده كل جندي منهم هو من جند الطاغوت! كلهم، كلهم، كلهم، ليس واحد منهم بريئًا! كلهم شركاء، فرعون، وهامان، وجنودهما! فلا ضابط ما يزال في الجيش شريف! ولا جندي ما يزال في الجيش شريف! اعقلوا يا قوم كلام الله فلا هُدىً إلا في كلامه! كلهم شركاء في الجريمة والإثم والحكم!
أي عقل ما يزال يفكر في عرائس الخشب التي نحتها الغرب ومن ثم وضع في أيديها سيوفًا: ظاهرها على عدو الإسلام من خشب، وباطنها على أهل الإسلام من تيتانيومٍ مصقول! أي جيوش تلك التي تسمُّونها جيوشًا أصلاً وهي مجرد مجموعات من المرتزقة تهتف للطاغوت وتعبد الجاهلية العالمية وتمكِّن لها في كل ركن من أركان الأرض؟!
أي غباء وسُكر هذا؟! أي غشٍّ للمسلمين هذا؟! بل أي هباء منثور مخلوط بكوكائين! تنشرونه فوق الرؤوس لتخمد الحركة فيها ويموت الفكر وتبقى أسيرة أوهام وخيالات، فتبقى تحدق في الواقع البئيس بلا حلول ولا حركة حتى يأتي صاحب الحظوة الجديد لدى الجاهلية: فيقطف الرؤوس من جذورها مرة بعد مرة بعد مرة كأن الناس رؤوس برسيم في حقل كلما طالت الرؤوس قام فحزّها حزًّا بمنجل حاد الحد مضمون القطع اسمه “شرفاء الجيش”!
لا أدري أي شرف في أن ينتظر من يمتلك القوة عامين ليعلن اعتراضه! مجرد اعتراض! ويعلنه متخفيًّا لا مصادمًا مواجهًا عزيزًا! بينما الضعفاء يتعرضون للذبح منذ أول يوم بل منذ أول همسة للانقلاب! بل منذ ما قبل الانقلاب! بل منذ 60 سنة! بل منذ 200 سنة في مصر المهروسة تحت بيادات “شرفاء الجيش” الأوغاد!
في الحقيقة أن الذي ينقلب لا يُعلن عزمه على الانقلاب! وأن الذي يسعى لفعلٍ حقيقي لا يتكلم عنه حتى ينفذه! فما بالك لو تكلم في الهواء مرَّتين! يكون في كل مرة مختبئًا خلف رجل يعيش في بلاد تهيمن على مقدرات بلاده – وإن كان فاضلًا-!
أي عمل عسكري هذا الذي تُنصب له الأفراح في كل مرة زاهية الأضواء على الفضائيات، ثم تُطفأ أضواؤها بلا دُخلةٍ! فقط يسمع الناس التطبيل ويرون الرقص! إنه فرحٌ على “فاشوش”!
هذا المسلك من فئة في الجيش لو كان صحيحًا – ولو يكن مجرد مناورة سياسية أو تهديد فارغ- فهو موقف نفعي تمامًا من فئة من الضباط تحظى بالرضا الدولي وتريد أن تظهر بمظهر الأبطال معيدي الحق لأصحابه الذين سيسلمون البلاد للمدنيين!
وهذا يقودنا لأحد السيناريوهين لا ثالث لهما:
(الأول) أن تخلع هذه الفئة السيسي وتحافظ على بنية النظام وبنية الجيش كما هي دون كبير تغيير وتأتي بواجهة مدنية للحكم يرضى عنها الغرب ولا يكون حظ الإسلاميين فيها إلا شكليًا كما أوضحت في مقالتي هنا.
(الثاني) أن هذه خديعة تطمئن الجموع لتنطلق بأريحية وتكشف خطوط سيرها وخطة أعمالها، فتتم إبادةٌ جديدةٌ هي أبشع من إبادة رابعة وما قبلها وما تلاها.
وهذا السيناريو الدموي الأسود تكرر بحذافيره في سوريا سنة 1982 أثناء “مجزرة حماة” التي راح ضحيتها قرابة الـ35000 شهيد، وهُدم فيه 84 مسجدًا، وأزيل ثلث المدينة التاريخية تمامًا من الوجود وعم الدمار ثلثها وبقي الثلث الآخر بإصابات ظاهرة، كل هذا لماذا؟! لأن إخوان سوريا أعلنوا من منبرهم الإذاعي في حضن بعث العراق ثورة شاملة أسموها “الثورة الإسلامية” معتمدين على فئة من الجيش أغرتهم بالانقلاب بعد حصولها على 7 مليون ليرة سورية على سبيل مصاريف الانقلاب – وكان التسليم والتسلم في السعودية-!
وكان الإخوان حينها منقسمين! قسم يؤيد قيادة الإخوان تلك وعلى رأسها “حسن هويدي” شكليًا لكن المحرك الحقيقي كان “عدنان سعد الدين” ولها تنظيم عسكري تموِّله في العراق –كان “البعث العراقي” على خلاف مع “البعث السوري” ويريد إسقاطه، وقسم في أوربا بقيادة “عصام العطار” وهو الذي كان يتولى تنظيم الضباط في الجيش ويدينون له بالولاء منذ 15 عامًا احترقت فيها سوريا دون أن ينبس هؤلاء الضباط ببنت شفة! وقسم ثالث متمرد هو “الطليعة المقاتلة” بقيادة “عدنان عقلة” وكان هذا القسم لا يرى إلا المواجهة الشعبية المسلحة دون تدريب على يد الأنظمة العربية ولا اعتماد على “شرفاء الجيش”!
بالطبع لم يتحرك الضباط! ولم تظهر الملايين السبعة! وانفض الجميع وبقيت “الطليعة المقاتلة” وحاضنتها الشعبية وبعض الرجال ممن تدرب في العراق، بقوا محاصرين في حماة أمام فوهة المدفع! لتتم إبادتها تمامًا! وبقيت سوريا للأسد وولده ثلاثين سنة حتى ثورتها مؤخرًا!
فهل ترى وضع مصر الآن ووضع إخوان مصر يشبه أي السيناريوهين الاثنين؟ أنا في الحقيقة أرى الوضع في مفترق الطرق بين الاثنين ولا يوجد من يوجِّه البلاد لثورة حقيقية إسلامية مستقلة فاعلة! والله ولا حتى لثورة علمانية مستقلة فاعلة! الجميع عرائس من خشب في أيدي جهات منتفعة أو جهات عدوَّة! بينما المستقلون بلا داعم ولا نصير! والله نصير المؤمنين عمَّا قريب أو بعيد.
فلماذا يوجهنا “ندا” الآن لأيسر الاختيارين من حيث حجم الخسائر: لماذا يوجهنا لاختيار ضياع الثورة وتأطيرها بدلاً من الدم والدمار؟! بالطبع سيختار الجميع ضياع الثورة واحتواءها هربًا من الدم! وهذا الذي يقودنا إليه الغرب دومًا فنبقى تحت الهيمنة خانعين! وهكذا فالسيد “ندا” صار أداة لهذه الهيمنة! أداة متكررة الاستعمال منهكة محروقة!
إذا أراد الإخوان قوةً تأتي بهم للحكم ثانية فعليهم أن يسمعوا لكمات قالها “سيد قطب” تقبَّله الله في شُعبة الإخوان بالقدس سنة 1953 بعد رأى حقيقة العسكر عن قُرب وقبل حتى إعدامات 1954حيث قال: (نحن لا نريد الجيوش العربية أن تدخُل، نحن نريد المجاهدين والمتطوعين بأسلحة خفيفة أن يعملوا على تحرير فلسطين)! هكذا إذن منذ ستين سنة علم سيد أنه ليس في الجيوش العربية كلها شرفاء! لكن الأغبياء تلو الأغبياء – من بعد استشهاده وإخوانه على أيدي “شرفاء الجيش”- الأغبياء يؤمنون بالوهم ويدعون الناس للسراب بل للخراب!
وما حكّ جلدك مثل ظفرُك!
والله ينصر من ينصره إن الله لقوي عزيز.