بقلم نوار الربيعي
يعتبر التدليس من أبرز الوسائل التي اعتمد عليها التكفيريون في إبطال حق وإحقاق باطل ، حتى يتم تمرير الأهداف والغايات التي تصب في مصلحة الشخص المدلس وبما يتناسب مع هواه النفسي ويتماشى مع رغبات السلاطين والحكام ، ولو أخذنا مسألة بغض بعض الأطراف التي تدعي الإسلام للإمام علي " عليه السلام " لوجدناها ومن أجل مصلحة نفسية وشخصية وتزلفاً للحكام قد قلبت الحقائق وشوهتها بصورة تدليسية ، فمثلاُ سُئل ابن تيمية عن محاربة الإمام علي " عليه السلام " للجن ... فأجاب (( ... ولم يقاتل أحد من الأنس للجن لا علي ولا غيره ... )) المصدر مجموع الفتاوى الجزء الرابع / صفحة 494 ... ومن كلام ابن تيمية نجد النفي القاطع عن وجود أي قتال وقع بين الجن والأنس بصورة عامة ولا يوجد حصر في علي " عليه السلام " ولا غيره ... وكلامه واضح فهو ينفي ذلك نفياً قاطعاً ...لكن هناك رواية صحيحة جداً لان رواتها من رجال الصحيحين ( أي من الثقات الذين نقل عنهم الشيخين البخاري ومسلم وهذا بنص الهيتمي في مجمع الزوائد ) فالرواية تقول بأن الخليفة عمر " رضي الله عنه " تصارع مع الجن وصرعه ....الرواية هي :
((أخرج الطبراني في معجمه الكبير، والدارمي في سننه، وغيرهما أن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: لَقِيَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الْجِنِّ فَصَارَعَهُ فَصَرَعَهُ الْإِنْسِيُّ، فَقَالَ لَهُ الْجِنِّيُّ: عَاوِدْنِي، فَعَاوَدَهُ فَصَرَعَهُ، فَقَالَ لَهُ الْإِنْسِيُّ: إِنِّي لَأَرَاكَ ضَئِيلًا شَحِيبًا كَأَنَّ ذُرَيِّعَتَيْكَ ذُرَيِّعَتَا كَلْبٍ، فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ مَعْشَرَ الْجِنِّ ـ أَوْ أَنْتَ مِنْهُمْ كَذَلِكَ ـ قَالَ: لَا وَاللهِ إِنِّي مِنْهُمْ لَضَلِيعٌ، وَلَكِنْ عَاوِدْنِي الثَّالِثَةَ، فَإِنْ صَرَعْتَنِي عَلَّمْتُكَ شَيْئًا يَنْفَعُكَ، فَعَاوَدَهُ فَصَرَعَهُ، قَالَ: هَاتِ عَلِّمْنِي، قَالَ: هَلْ تَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَقْرَأَهَا فِي بَيْتٍ إِلَّا خَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ، لَهُ خَبَجٌ كَخَبَجِ الْحِمَارِ، لَا يَدْخُلُهُ حَتَّى يُصْبِحَ، قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَنْ ذَاكَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: فَعَبَسَ عَبْدُ اللهِ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَنْ يَكُونُ هُوَ إِلَّا عُمَرُ -رَضِي اللهُ عَنْهُ((. وكما بينا فالحديث صححه الهيتمي في مجمع الزوائد، حيث قال: رَوَاهُمَا الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ، وَرِجَالُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ رِجَالُ الصَّحِيحِ، إِلَّا أَنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَكِنَّهُ أَدْرَكَهُ، وَرُوَاةُ الطَّرِيقِ الْأُولَى فِيهِمُ الْمَسْعُودِيُّ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَلَكِنَّهُ اخْتَلَطَ، فَبَانَ لَنَا صِحَّةُ رِوَايَةِ الْمَسْعُودِيِّ بِرِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ. انتهى.
وهذه الرواية الصحيحة تكذب قول ابن تيمية (ولم يقاتل أحد من الأنس للجن لا علي ولا غيره) فالمقاتلة وقعت بين الخليفة عمر والجن فكيف ينفي ابن تيمية ذلك ؟ خصوصاً أن الهيتمي يقول أن رجالها هم رجال الصحيحين فأي قدح بها يقدح بالصحيحين وهذا يؤكد وبدون أدنا شك إن ابن تيمية قد كذب في هذا الجانب ودلس فيه وتلاعب بالمعلومات أو إنه – على أقل تقدير – غير مطلع على تلك الرواية وهنا نسأل كيف يكون شيخ الإسلام وهو لا يعلم بذلك ولا يعلم بأحوال الخلفاء والصحابة وبما جرى معهم كتلك الحادثة المهمة ؟؟!!!.
فكما قال المرجع المحقق الصرخي في المحاضرة الرابعة والثلاثين من بحث " وقفات مع توحيد التيمية الجسمي الأسطوري " ((مما يؤسف له أنّ ذلك التدليس صار معتادًا عند المسلمين ويزداد شدةً وابتعادًا عن الواقع كلَّما تقدَّم الزمن، وكأنّ الكذب صار دينهم وعقيدتهم وأخلاقهم، حيث يكتب كلّ منهم بما يماشي هواه ومذهَبَه وطائفتَه ومصالحَه ومنافعَه وبما يوافق السلطان الذي يعاصره.)).