تعتبر الكناية من إبداعات اللغة العربية وفن البلاغة بل من إبداعات القراّن الكريم إنها أقرب الى المعنى الحقيقي وأدق وأسهل على اللسان والاقتران الأكيد في أغلب الأحيان ..في حياتنا العامة مثلا" إذا أردتَ أن تجعلَ متوليًا" على مجموعة من الطلاب أو موظفي الدائرة وكان أسماء بعضهم متشابهة باسم (محمد أو علي) تقول للناس الذي يتولاكم هو مرشدكم في التنمية البشرية أو المبلغ الإسلامي المعروف عندكم، فالكلُ مباشرةً سيعرف من هو من دون ذكر الإسم.
فنجد أن الكتاب الكريم قد استعمل الكنايات والتبديل والحذف واستعمال إسم الإشارة بدل الأسم الحقيقي مثلما قال الله تعالى :
(..إنما وليكم الله ورسوله والذين اّمنوا، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ..)
وأحيانًا القراّن يصرّح باسم الإشارة دون ذكر الاسم المقصود، لكن يعرف المتتبع اللبيب والمفسر الحاذق ذلك من خلال السياقات القرآنية كما في قوله تعالى في جزء الآية:
(من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا).
هناك رأيٌ يقول أن لفظة وكلمة (هذه) معناها الدنيا أي من كان في هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا...
نقول هذا التفسير من غير تدبر وروية وتفسير جزء الآية مستقلة فهذا منهج غير صحيح فكيف إذا كان الإنسان حدث له عمى في نظره يعيناه لأجل حرب دفاع عن الوطن مثلًا، كيف يكون في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ؟؟!!
لو تتبعنا منهج التفسير أولا" لابد من معرفة سياق جزء هذه الآية، إن الآيات السابقة والجزء السابق من هذه الآية يتحدث عن الإمامة وما يستلزم من ذلك معرفة الامام في كل عصر (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ? فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى? فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى? وَأَضَلُّ سَبِيلًا (الاسراء72)والمعروف عند كل مذاهب الإسلام في الحديث المشهور ( من مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهلية)...
فمن الأحاديث الحسنة ما ذكره عمرو بن أبي عاصم في كتاب السنة ص 489 قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية).
وهنا لو تتبعنا في أفراح وعزاء الشور، حيث أن بعض الرواديد يقتطعون حرفًا أو حرفين من أسماء المعصومين (عليهم السلام)، مثلًا (سين) ويقصد (حسين)، و (لي) ويقصد (علي) أو (ولي)، و (دي) ويقصد (مهدي)، و (طمة) ويقصد (فاطمة)؟
وهنا لا يسعني إلا أن أقول كما قال سماحة السيد الأستاذ المحقق الصرخي الحسني بعد مقدمة له:-
اللهم اجعلنا من أهل القرآن اللهم آمين.لا يخفى على أجهل الجهّال، أنّه قد تنوّعت الاستعمالات القرآنية لظاهرة الحذف في اللغة بحيث صارت الأحرف المقطّعة أحد العناصر الرئيسة في
#القرآن_الكريم، كما في الآيات المباركة: {ن}، {ق}، {ص}، {حم}، {طه}، {طس}، {يس}، {الم}، {الر}، {طسم}، {المر}، {المص}، {كهيعص}، وورد في الروايات والتفاسير أن كلّ حرف منها يدل على لفظ أو أكثر وأن كلا منها يدل على معنى أو أكثر.
أن الحرف يقصد به الإمام الحسين أو الحسن أو أمير المؤمنين أو الزهراء أو المهدي أو باقي الأئمّة أو جدّهم النبي الأمين(عليهم الصلاة والتسليم)،بحسب ما هو ظاهر حال المجالس المنعقدة عادة، وهذا جائز ولا إشكال فيه لا شرعًا ولا لغة ولا بلاغة ولا أدبًا ولا أخلاقًا، وهو أسلوب لغويّ بلاغي متّبع ومعروف وتتميز به اللغة العربية ومن إبداعات البلاغة فيها، بل ومن إبداعات القرآن الكريم.