النصر القادم من فلسطين
احتلت أخبار الحرب الدائرة بين "المقاومة الفلسطينية" وإسرائيل موقع الصدارة إعلاميًا، لتحل محل الحراك الثوري في مصر، وصارت أحداث هذه الحرب هي الخبر الأول، وقد نزل ذلك على قلوبنا "بردًا وسلامًا"؛ ذلك بأن النصر الذي تحققه المقاومة هناك، هو انتصار للربيع العربي، بعد أن تداعت عليه الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها.
بعيدًا عن "ولولة" إعلام الثورة المضادة، تحت لافتة: "لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا"، فإن المقاومة تحقق انتصارات هائلة، تجاوزت انتصار عام 2009 عندما قصفت إسرائيل غزة، وسط تأييد من أنظمة الحكم التي تمثل كنزًا إستراتيجيًا لإسرائيل، واعترفت إسرائيل بالهزيمة، التي أنهت الدور السياسي لرئيس الوزراء "أولمرت".
صحيح أن الإجرام الإسرائيلي فاق كل تصور، باستهداف هذا العدد من المدنيين، وقتل الأطفال، ومطاردة المصابين والشهداء حتى داخل المستشفيات، وهو ما تستخدمه الثورة المضادة مادة لتبرير "الولولة"، لكن في المقابل فإن المقاومة بأدائها هذه المرة أذهلت العالم، فقد انطلقت صواريخها تُلقي الرعب في قلوب الإسرائيليين وتُسقط ستائر الأمن الذي تحرص السلطة هناك على نصبها حتى لا يُغادر القوم الكيان. وقد نجحت المقاومة في قتل عدد لا بأس به من جانب العدو، كما نجحت في إصابة عدد آخر، وتوجت انتصاراتها بأسر أحد الجنود، ليذكرنا هذا بأسر الجندي شاليط، الذي هز أركان الكيان الإسرائيلي، وخاضت إسرائيل حرب 2008- 2009 من أجل أن تنجح في تحريره، لكنها رغم القصف العنيف والضحايا من الجانب الفلسطيني إلا أنها فشلت في المهمة.
لقد ظل عمر سليمان مدير المخابرات المصرية، يعمل لأربع سنوات متصلة في مهمة واحدة، هي محاولة تخليص هذا الجندي الأسير، وردّه إلى أحضان أمه الدافئة، لتقر عينا. وفشل في المهمة كما فشل "أولمرت" بعد أن وعد. واستخدم نظام مبارك معبر رفح لإذلال الفلسطينيين وتجويعهم من أجل إنجاح مهمة عمر سليمان، ومع ذلك فشل، ليعود شاليط بقرار من المقاومة، ووفق صفقة مهمة فرضتها أدبيات الانتصار في المعارك. وضعت المقاومة شروطها، كما يضع المنتصر الشروط في كل الحروب.
من حُسن حظ الثورة في مصر، أن "الثورة المضادة" التي تحكم، وضعت نفسها في ذات المعسكر الذي وضع فيه مبارك نفسه، وهذا مكان يليق بمن يمثل الامتداد الطبيعي لمن وصفته إسرائيل بالكنز الإستراتيجي لها.
فإعلام "دولة الانقلاب" حدّد أيضًا موقفه بجانب العدو، وشاهدنا حذاءً يُرفع لغزة وأهلها، وقبّعة تُرفع لإسرائيل، ودعاء إلى الله أن يُكثر أمثال نتنياهو ليؤدّب حماس، فإذا بالانتصارات المدوية تربك العدو وحلفاءه ممن يمثلون الثورة المضادة في عالمنا العربي، ومصر في صدارته.
الآلة الإعلامية في مصر مبارك، ومصر السيسي، نظرت لحماس منذ اليوم الأول للثورة المصرية على أنها العدو، ونسبت لها أدوارًا في الثورة لم تقم بها. واتهمت حماس بالشيء ونقيضه وفي يوم واحد. ففي يوم موقعة الجمل الشهيرة كانت حماس متهمة بأنها هي التي حمت ميدان التحرير من أنصار مبارك، وهي نفسها التي قامت بقنص من تصدّوا لهذا الغزو.
وفي عام كامل حكمت فيه الثورة المصرية، كانت حماس هي الحركة التي حاول إعلام الثورة المضادة شيطنتها، للتقرّب لإسرائيل زلفى من ناحية، وتحميلها وزر عمليات لم تقم بها، فهي أهل الرئيس مرسي وعشيرته، التي يقوم بتهريب الكهرباء والوقود لها ليعيش الشعب المصري الأزمة بسبب ذلك. وهي التي قتلت الجنود المصريين في رفح، وحالت "حماية الرئيس" دون قيام الجيش بمهمته في القبض على الجناة.
وإزاء هذا الاتهام السافر، كان لزامًا على قادة الجيش أن يعلنوا الحقيقة، لكنهم لم يفعلوا، لأن هذه الدعاية السوداء، كانت من ضمن أدوات الثورة المضادة، التي مكّنت في وقت لاحق قائد الجيش من أن يقوم بانقلابه، وأن يترقى وظيفيًا من وزير للدفاع إلى رئيس للدولة.
وبالرغم من انتهاء حكم من كان يَمنع قوات الجيش من القبض على الجناة، فقد تم السكوت بعد أن تحقق المراد. ومرة أخرى يجري استدعاء هذه الدعاية لتبرير تخاذل سلطة الانقلاب عن الانتصار للحق الفلسطيني، ولتبرير العدوان على غزة وأهلها، وذريعة لإسرائيل للقيام بقصف المدنيين والأطفال.
ولم ينظر هذا الإعلام "المنحط"، إلا تحت الأقدام؛ فاتهام حركة حماس بقتل الجنود المصريين في رفح، يمثل إهانة لقادة الجيش، الذين لم يتمكنوا إلى الآن من القبض على الجناة، وتقديمهم للمحاكمة، بل لم يعلنوا حتى من هم هؤلاء الجناة إلى الآن.
فلا بأس لدى القوم ما دام الأمر يدخل ضمن مخطط شيطنة حركة حماس، وهذه الشيطنة تم الاحتفاء بها في الإعلام الإسرائيلي .
لأنه قد علم كل أناس مَشربهم، فمن الطبيعي أن ينظر الربيع العربي لانتصارات المقاومة الفلسطينية على أنها انتصار له على قوى البغي والعمالة. فالثورة وقفت مع المقاومة، والثورة المضادة تحالفت مع إسرائيل.
ولهذا فإننا اعتبرنا النصر القادم من فلسطين، كل فلسطين، هو مكمّل لحالة الحراك الثوري في مصر، وفي تونس، وفي ليبيا. ولا نعتقد أن صورة الحراك قد تأثرت بغيابها عن الشاشات. فقد حلّت الصورة الثورية الأكثر وضوحًا.. صورة انتصار ثورتنا على إسرائيل، "الراعي الرسمي" للثورة المضادة في بلاد الربيع الرسمي.
فالبيت الأبيض، الذي لا ينفع في اليوم الأسود، يرى في الربيع خطرًا على إسرائيل، وأن أمنها لن يتحقق إلا على أيدي الطغاة العرب، فكان التأييد للانقلاب العسكري في مصر ورعايته منذ أن كان نطفة تتشكل.
يوم أن يكتمل النصر الفلسطيني يكون قد بدأ العد التنازلي للانقلاب في مصر.
سطور أخيرة
لله درهم، وهم الذين يعيشون تحت قصف صواريخ المقاومة على إسرائيل، ولم يمنعهم هذا من إعلان هويتهم الفلسطينية، وسعادتهم بهذه الصواريخ، وتظاهرهم ضد الإجرام الإسرائيلي. إنهم الفلسطينيون الذين كتب عليهم أن يعيشوا تحت الاحتلال وأن يحملوا جنسية إسرائيل بقوة الأمر الواقع .
كاتب وصحفي مصري
selimazouz@gmail.com
#مكملين #احنا_متراقبين #ارحل_يا_عرص #مرسى_رئيسى #كلنا_مسلمين #شبكة_صوت_الحرية