أ. محمد يوسف عدس
حقًّا .. إنه من الظلم البيّن أن تقارن هتلر بجربوع مصر الوضيع .. لقد كان هتلر طاغية مصابًا بجنون العظمة .. وكان يريد إقامة إمبراطورية لألمانيا ؛ ولكن على نفس الأسس التى قامت عليها الإمبراطوريات الغربية السابقة كلها: الرومانية والبريطانية والفرنسية والروسية والإيطالية والأسبانية والبرتغالية .. كلها قامت على أساس التوسع فى أراضى العالم الخارجي ونهب ثرواتها واستعباد شعوبها .. ولكن لا يمكن أن نغفل عن حقيقة أخرى كما فهمنا من صاحب المقال وكما عاصرتها وعرفتها فى حينها قبل أن أكتب عنها: أن هتلر قد استلم حكم ألمانيا وفيها ستة ملايين عاطل ، فقضى على البطالة وأوجد عملا مفيدًا للعاطلين ؛ فشقوا طرق المواصلات الشهيرة فى أنحاء ألمانيا باسم الأوتوسترادات ، وأقاموا صناعات كبرى فى بلادهم ، فكل الصناعات التى اشتهرت بها ألمانيا مُنشؤها هتلر.. الذى شجّع العلماء واحتضنهم وأنفق على اختراعاتهم المعروفة فى التاريخ .. وأعاد للألمان كرامتهم المسلوبة فى «معاهدة فرساى» المجحفة ..
لا أحد يدافع عن جريمة قتل هتلر لخمسة عشر مليون آدمي من شعوب العالم فهذه جريمة كونية .. ولكنه كان يحاول بهذا الظلم أن يرفع ألمانيا والعنصر الألماني فوق جميع البشر .. وكان يؤمن بهذه العقيدة .. ولذلك من الظلم الفادح أن تقارن هتلر بجربوع مصر الوضيع الجهول ؛ هذا المجنون الغبي الذى كرّس نفسه وسخر جيش مصر وشرطتها لقتل شعبه وقمعه وإرهابه وسلب كرامته: بالاعتقالات والتجويع والتضليل والنصب وفرض المهانة والفقر والمرض عليهم بكل وسائل التنكيل التى ابتدعتها شياطين الجن والإنس منذ آدم إلى هذا اليوم ..!
لا يمكن مقارنة هتلر بمجنون مصر الذي أهان المصريّين، وتلذّذ بقتلهم، وتعذيبهم، وقمعهم، وإرهابهم ؛ كأن مهمة وجوده فى السلطة قد انحصرت فى اعتقال المصريين والعمل على تجويعهم ، وتضليلهم والنصب عليهم .. وتسليط الأمراض عليهم .. ولم يغفل لحظة واحدة فى كل ماصنع بمصر والمصريين من تخريب وتدمير وقتل وحرق أنه مبعوث العناية الإلهية لتأمين ربيبته الصهيونية " إسرائيل" .. فهو مدرك تمام الإدراك أن انتماءهما واحد وأن مصيرهما واحد .. وليس هناك تفسير آخر لكل هذا الجنون الذى يتوّجُه الآن بنشر ثقافة مغشوشة؛ حيث يقوم زبانيه بغسل أدمغة المصريين الغافلين من خلال مسلسل العهر الكاذب الفاجر " حارة اليهود.." التى يقتات عليها الغافلون المغفّلون فى مصر ؛ فيخلطون أحداثها الملفّقة بطعامهم وشرابهم فى ليالى الشهر الفضيل ..! ويالها من تسلية شيطانية ..!
هذه فروق جوهريّة، بين وضيع مصر وصعلوكها الأكبر وبين هتلر ألمانيا .. ولا يليق فى عرف العقلاء الواعين بالتاريخ مقارنة الصّعاليك بالعظماء..! نعم فى عالم الجريمة أيضا صعاليك وعظماء .. وهذا هو النموذج المفروض على مصر ؛ يلمسه المصريون فى حياتهم اليومية ويستنشقون رائحته العفنة فى كل نفس يدخل إلى صدورهم المترعة بمشاعر القهر والذُّل والهوان ..!!!