علي الكندي
الاسلام دين التسامح
يبتلى الأسلام بالبعيد عنه مرة وبالمسيئين مرة أخرى اذ ان البعيد قد لا يغوص طلبا للحقيقة وانما يكتفي بمقالة او مقالتين يتلقفها من صاحب اللسان الاطول والاعلام الابعد، فيأخذ منه معالم الاسلام.
يطرح بين حين واخر هذا التساؤل هل الأسلام والأسلام الأصيل يؤمن بالحرية الفكرية ام أنه دين يؤمن بالضغط والأكراه والأجبار، ولماذا الجزية خاصة فيما نراه من التكفيريين هنا وهناك على مدى التاريخ.
لنبدأ اولاً من الجزية فيقال عنها إنها ضريبة إسلامية التي سنتها الشريعة وفق تفاصيل معينة مسطورة في كتب الفقه، وقد ثبتت المذاهب انه يجوز اخذ الجزية من الكفار لكن ليس كل الكفار وإنما المقصود بهم هم الكفار الذين لهم كتاب سماوي فهم يخيرون بين البقاء على دينهم وبين الانتقال الى الدين الاسلامي وبغض النظر عن كون هذا الانتقال عن عقيدة او قناعة لان المسلم يحمل على الظاهر ولا علاقة له بالباطن فقد أمرنا الله تعالى ان نتعامل مع الناس على ظواهرهم فيحق لأي انسان التمتع بكل الحقوق الاسلامية بمجرد نطقه للشهادتين، إذن الاسلام لا يؤمن بالإجبار ولم يستخدم سياسة التتريك وليس ديننا ايضا دين الجزية والفرائض المالية القاسية حيث يحاول ان يثير البعض هذه الاشكاليات على العقيدة الاسلامية.
الاسلام يهدف الى نشر العقيدة وهو يرى ان هذه العقيدة هي التي توفر الامن والامان لكل المجتمعات فهي تضمن كافة الحقوق والحريات بشكل متقوم ومنضبط وليس فيه خلل، اما الذي لا يقتنع او قد تشوش عليه هذا الطرح فهو مخير في البقاء على ديانته أولا وعليه عند البقاء على ديانته ان يؤدي ضريبة معينة يقررها الشرع الحنيف أو الدولة أذا كانت تتبنى النظام الاسلامي بنفسها، وهذه الضريبة لو نظرنا اليها لوجدناها امراًً طبيعيا تطبقه الدول والانظمة حتى على مواطنيها بغض النظر عن كونه يشاركها الديانة او يختلف معها او ليس له دين اصلاً.
اما ما اثير مؤخراً من أن الاسلاميين يتعاملون بأخذ الجزية وفرض القوانين المالية بدون قيد او شرط بناء على ما قام به التكفيريون في البلدان الاسلامية وغير الاسلامية مؤخراً حيث اخذوا الجزية من المسلمين ومن غير المسلمين بغض النظر عن الديانات وبدون قوانين، وقد نبه احد المحققين المعاصرين الى ذلك ضمن سلسلة محاضرات حاكت هذا الجانب ونبه الى هذه النقطة مثبتا من خلالها ومن خلال غيرها انها لا تمثل الرؤية الاسلامية لان الرؤية الاسلامية مختلفة تماما حتى في نظر الحكام والخلفاء الذين يعتبرون من حكانم الظلم والجور بحسب المقاييس المتعددة خاصة عند تحليله لهذا النص (قال ابن النديم( ): ( ) قال أبو يوسف أيشع القطيعيّ النصرانيّ في كتابه "في الكشف عن مذاهب الحرنانيّين" المعروفين في عصرنا بالصابئة: إنّ المأمون اجتاز في آخر أيّامه بديار مضر، يريد بلاد الروم، للغزو، فتلقّاه الناس يدعون له، وفيهم جماعة من الحرّانيّين، وكان زيّهم آنذاك لبس الأقبية، وشعورهم طويلة، فأنكر المأمون زيّهم، وقال لهم مَن أنتم؟ أمِنَ الذمّة؟ فقالوا: نحن الحرنانيّة، قال: أنصارى أنتم؟ قالوا: لا. قال لهم: أفَلَكم كتاب أم نبيّ؟ فجمجموا( ) في القول، ....... فقالوا: نحن نؤدّي الجزية، فقال لهم: إنّما تؤخذ الجزية ممّن خالف الإسلام من أهل الأديان، الذين ذكرهم الله عزّ وجلّ في كتابه، ولهم كتاب، وصالحهم المسلمون على ذلك, فأنتم لستم من هؤلاء ولا من هؤلاء، فاختاروا الآن أحد الأمرين: إمّا أن تنتحلوا دين الإسلام أو دينًا آخر من الأديان، التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه، وإلّا قتلتكم عن آخركم ..)
اذن فالاسلام ليس دين العنف والاجبار والاستبداد وانما ديننا هو دين الدعوة الى التسامح والرحمة بحيث انه يؤمن بالتعايش حتى مع مخالفين ويسمح بان يمارسوا أي نشاط ضمن رقعة الاسلام اما التهمة الاخرى تهمة الجزية فاتضح لنا انها اجراء طبيعي لا يتسم بالأجبار او الأكراه وأنما هو خيار من الخيارات التي توضع امام الفرد
والنقطة الثالثة والأهم ان مايطرح اليوم من تشدد او تشنج لا يمثل الرؤية الاسلامية الصريحة وانما هي الرؤيا الغليظة الجافة للتكفيريين والمهووسين بالتسلط والأرهاب