يد الحب بين منهجين
علي الكندي
حينما يريد شعب ما من الشعوب أن يحتفي بمناسبة أو برجل فإنه يختار لذلك أفضل الشخصيات أو أهم الأحداث ويجعل منها رمزاً لمناسبة معينة، أو أنه يختار أياماً معينة لها إرتباط بحدث أو مناسبة فيجعل منها حدثاً مهماً يحتفل به كل سنة، ولاشك أن تلك المناسبة أو ذلك الشخص يستحق ذلك التكريم أو الاحتفاء قياساً لما يملك من قيمة أو تاريخ ذلك البلد أو بحسب ما أداه من دور تجاه شعبه أو بلده وكذلك هو الحدث، وأحياناً كثيرة تقاس حضارة الشعوب وقيمتها من خلال اعتزازها برجالها وبأحداثها الكريمة التي تمثل مفخرة من مفاخر الشعب أو الوطن ومن هنا تنتقد الشعوب والبلدان التي تحتفل بمناسبات أو برجال أو بأحداث كانوا وصمة عار في تاريخ شعوبهم فهم لا يستحون التكريم والاحتفاء أو أنهم كانوا رموز سوء في التاريخ وعلى ذلك أمثلة كثيرة لذلك تلجأ تلك الشعوب إلى زخرفة تلك المناسبات وتزيينها وتجميلها حتى تكون مناسبات تستر الذوق وتشد الآخرين إليها بصور مختلفة، وفي الآونة الأخيرة تسربت بعض الثقافات إلى شعوبنا الإسلامية وخصوصاً العراق ومن جملة هذه الثقافات احياء مناسبات ظاهرها جميل لكن واقعها سيء ومسيء لحضارة ولتاريخ ولثقافة شعب، مناسبات كثيرة حطت على ثقافتنا مرة دينية ومرة سياسية ومرة اجتماعية لا قيمة لها بل لعل في بعضها إساءات واحتفاء بأخلاقيات مرفوضة حتى على قوانين الأخلاق المتعارفة لعل من أوضح تلك الشواهد هو (عيد الحب) أو الفالانتاين..!!!
لا مشكلة أن يكون هناك إحتفال بالحب أو أن يخصص يوم أو أيام لتكريم هذه المشاعر وتجديدها في نفوس الناس فالحب بين الناس من القيم السماوية التي حثت عليها الشريعة وجعلتها واحدة من أهم سماتها وأهدافها إلى البشرية أن تعيش الأمة ككل عيش المحبة والكرامة والسلام وهذا ما يمثله في الإسلام الكثير من النصوص والروايات والأحداث التي عكست قيم الجمال والمحبة فيها.
وليس من المناسب أن ترتبط مناسباتنا بقصص وروايات قديمة مرتبطة أولاً بأمور اعتقادية غير سليمة وبقصص يملأها الانحراف والإباحية ونحو ذلك فإن تاريخ هذه المناسبات يعود إلى أصول لا تناسب الحضارة والرقي والأخلاق في محتواها وأهميتها ولذلك ينتد الكثير من الذين حاولوا أن يسوغوا أو يبرروا لهذه القضية ويعطوها نوع من المشروعية فيقال مثلاً هو احتفال جائز مالم يكن فيه محاذير ..!!!
فالمحاذير ليست هي الضابطة الخاصة بهذه المناسبة بل هي ضابطة عامة يمكن أن تنطبق حتى على التسوق والتبضع أو على الدراسة، أما الافتاء بجوازه كعيد كان له بعد آخر إنه إعلان الرضا عن عيد ليس له أصل في الشريعة فقد بني على عمل محرم ووصل إلينا اليوم ليبيح للمحتفلين المحرمات والزنا والخيانة والعياذ بالله
من الغريب ما راجعته أيضاً من الآراء حول عيد الحب في النهج التيمي المرتبط بابن تيمية فوجدت هناك تلميحات إلى منعه وتحريمه على اعتبار أنه تشبه بالكفار أقول إذا كان التحفظ إلى هذا الحد في نفي التشبه بالكفار بمجرد الرضا والاحتفال فكيف قبل ابن تيمية بتصرفات الخليفة الأموي يزيد حينما أرسل جيشاً لهدم الكعبة وكيف رضي ابن تيمية ومن تأثر بفكره أن يرضى عن يزيد وهو يقتل ابن بنت رسول الله أليس هذا تشبهاً بالكفار الذين أرادوا هدم بيت الله وعمدوا إليه في أيام إبرهة وقاتلوا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه فكيف هذا التناقض في الفكر والقول
فهي دعوة إذن إلى الاحتفاء بالمشاعر الإنسانية بطريقة سليمة مهذبة وجعل رضا الله تعالى هو المقياس وأن نتنبه إلى الكثير من الثقافات المستوردة وأن نفكر في نواياها وأبعادها الثقافية والإجتماعية والنفسية فقد تسرب إلينا الكثير من العادات والصفات الداعية إلى تخريب واقعنا ومجتمعنا المحافظ بعناوين الديمقراطية أو المواكبة للتطور والحداثة.