الشيخ محمد جمال الدين بن محمد سعيد القاسمي الحلاّق الدمشقي
"رحمه الله" (1283/1866 ـ 1332/1914)
كان داعية للكتاب و السنة، ونبذ التقليد الأعمى، وإرجاع مجد الإسلام، ورفع شأنه, هو علاّمة الشام ومحدّثها، إمام مفسر، محدّث متفنن، فقيه أصولي، مصلح سلفي، صاحب التصانيف الممتعة والأبحاث المقنعة.
ولد محمد جمال الدين الحلاق في دمشق، نشأ في بيت علم وفضل، لأب عالم شاعر، تلقى العلوم الشرعيّة واللغويّة على أبيه وعلى الشيخ سليم العطار، وبكري العطار، ومحمد الخاني، وأحمد الحلواني، وغيرهم، وحضر مجالس الشيخ عبد الرزّاق البيطار مجدّد فكر السلف في الشام، واستفاد من علمه وعقيدته الأثريّة، وهديه، وأخلاقه المرضيّة، وصحب الشيخ طاهر الجزائري، وتصدّر للنفع، والتدريس في حياة والده.
عاش تسعة وأربعين عاماً وما بلغ الخمسين عاماً! بينما بلغت مؤلفاته وأعماله أكثر من مائة كتاب ورسالة. فيالها من حياة مليئة بالعمل والعلم والجهاد والإصلاح والتأليف والتصنيف!
كان رحمه الله إماماً وخطيباً في دمشق ، وكان يلقي عدة دروس في اليوم الواحد ، للعامة والخاصة ، ويشارك في الحياة الاجتماعية ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويقوم بواجبه في الدعوة والإصلاح ، والنصح والتذكير ، والنقاش والحوار ، ومواجهة البدع والخرافات ، والانحرافات والضلالات. وكان يلقبه محمد رشيد رضا بعلامة الشام.
سافر الى مصر فرأى كيف أن اهلها قد فتنوا بالإنكليز و رضخوا لهم ,بل صار الانكليز ينصرون المسلمين لجهلهم بالدين .. حيث كان الانكليز متقدمين جدا على العثمانيين بالتقدم العلمي و الصناعي و العسكري ... فهاله المر و استشعر الخطر الأوروبي الصليبي على بلاد الشام ...ما لم يلحق المسلمون بعجلة العلم و التقدم ... وكان الشام غارقا في البدع و التصوف منذ 500 سنة و لم يرى من الحضارة الا القليل جدا ... فلو انفتحت لهم فسيفتنون أكثز من أهل مصر !
تأثر بفكر الإمام الشاطبي وكان أحب العلماء إليه، وكان هدفه الكشف عن جوهر الإسلام وتجليته، وإزالة غشاء الجمود والتقليد والخرافات والبدعة عنه.
وكان مولعاً بمؤلفات وفتاوى ابن تيمية، وينقل عنه.
دعا إلى السلفيّة بالحكمة وإلى تحرّي المسائل الخلافيّة بالإنصاف، والعودة إلى صفاء الإسلام، وإزالة الجمود الفكري، وتمسّك بعقيدته، وآثر الباقية على الفانية، والفقر على الغنى، مع الجرأة، وقول الحق، ومحاربة البدع والخرافات، وسائر دعوات الإلحاد، والعوائد الدخيلة، ولم يغتر بالجاه ولا بالشهرة الزائفة، عند العوام وأشباههم.
كان حاضر البديهة، عذب اللفظ، ناصع العبارة، جزل اللفظ، حسن النظم، سيّال القلم، سيال القريحة، سريع الذاكرة، غزير الإنتاج.
وكان في درسه حاضر الذهن، سريع البديهة، سهل الأسلوب، يراعي الحكمة، ويعطي طلاّبه حريّة البحث ولو خالفوه في الرأي، ويعاملهم كأصدقاء، ويسعى لتقوية شخصيّتهم، ورفع مكانتهم العلميّة، وكان يحض على تعلّم العلوم المدنية الحديثة والتخصّص فيها لحاجة الأمة إليها و تخلفها عن الغرب فيها .
اتّسم منهجه في فهم الإسلام بالتحرّر والاجتهاد واليسر، والإسلام عنده عامل قوّة، وإيجابيّة، وضرورة، وأكّد دور العرب المسلمين في بناء الإسلام، وفي تجديد الدين، وتنقيته وتصحيح مفاهيمه.فمنذ اخذ الترك بعجلة القيادة رجعنا الى الوراء !
رأى أن من محاسن دين الإسلام انطباق أصوله على نواميس العمران.
وآمن بمواهب العقل إيماناً صادقاً، وبالاجتهاد، وتمثلت أصالته في استخلاص عصارات الفكر الإسلامي كله، وعرضها من جديد، وكان لا يلتزم بمذهب فقهي ، ولا يتقيّد برأي معين، بل يدعو للانتفاع بكل رأي واجتهاد وفكر .و نبذ التعصب القبيح !
والقاسمي رحمه الله كثيراً ما ينقل نقولاً طويلة عن علماء السلف كالإمام أحمد بن حنبل وابن جرير الطبري وابن تيمية وابن القيم وابن كثير والعز بن عبدالسلام والشاطبي وابن حزم والقرطبي وغيرهم. والحق أن النقول في كتابه قد زادت زيادة كانت مصدر العجب ، بحيث لو طار كل نص إلى أصله ما يكاد يبقى شيء للقاسمي غير تعليقات ضئيلة ، ولكن الزمن الذي ظهر فيه الكتاب أول مرة كان في حاجة إلى تلك النقول ، لتعذر مصادرها على الكثير ، وبدراسة أمثال هذه النقول الشافية نجد أنها لم تسق جزافاً ، وإنما خضعت لفحص وتأمل واستيعاب ، ثم ترجيح واختيار ، فالقارئ المتعجل يظن المفسر قد نقل ما أمامه دون جهد كبير ، وهذا عمل قل من يحسنه كالقاسمي رحمه الله.
منهجه في مسائل الاعتقاد :
كان القاسمي رحمه الله سلفي المنهج على منهج أهل السنة والجماعة ، فهو من أتباع شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وأئمة السلف من قبل هؤلاء ومن بعدهم. وقد تعرض لمضايقات كثيرة بسبب هذا المنهج فاتهم بالوهابية – نسبة خاطئة إلى الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله – وحقق معه ، واتهم بتسفيه آراء الأئمة المتقدمين من أصحاب المذاهب ، ثم خرج بعد ذلك من تلك المحن وهو أقوى ما يكون حجة ، وأصلب عوداً. والقارئ في تفسيره يرى منهج السلف ظاهراً ، فهو يكثر النقل عن علماء السلف ، ويورد حججهم وأدلتهم ، وردودهم على شبه الخصوم ، مما يؤكد أن المؤلف رحمه الله كان يجعل همه كل همه الإصلاح ليس إلا ، وإنما يورد هذه النصوص ليلجم بها الخصوم ، فإنهم إن استطاعوا جدلاً رد أقواله ، صعب عليهم إبطال أقوال علماء بهم يقتدون ، وبعلمهم يعترفون فكانت حجتهم لهم غالبة.
ذكر مؤلفا كتاب علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري:
أنّه اتهم بتأسيس مذهب جديد في الدين، سمّي "المذهب الجمالي" ، فقبضت عليه الحكومة العثمانية سنة 1313/1895 وحقّقت معه،ومنع من التدريس و الزمته البيت, ورد التهمة فأخلي سبيله، ووصفاه بأنّه كان داعية للعلم والحريّة، ونبذ التقليد الأعمى، وإرجاع مجد الإسلام، ورفع شأنه.
أدرك أن التوحيد ليس مجرّد تقرير لعقائد ذات طابع مجرّد خالص، يفرضها العقل فرضاً، أو يستنبطها من ملاحظته للوجود والموجودات، وإنما هو ذو صلة إيجابيّة بالتمدن، وبحركة التقدّم الاجتماعي والإنساني.
بلغت تآليفه من الكتب والرسائل تسعة وسبعون مؤلفاً منها:
تفسيراً موجزاً تناول في مقدّمته التي استوعبت مجلداً كاملاً قواعد التفسير، سار فيه على مذهب السلف،وسماه (محاسن التأويل) طبع في سبعة عشر مجلّداً سنة1376/1957. وجدّ بالتأليف في علوم الحديث فوضع (قواعد التحديث في فنون مصطلح الحديث) سنة 1352/1933 رتب فيه أنواع الحديث على ثلاثة أقسام: الصحيح والحسن، والضعيف، والمشترك بينهما.
وله: (الطالع السعيد في مهمّات الأسانيد) و(دلائل التوحيد) في العقيدة و(تاريخ الجهميّة والمعتزلة) و(موعظة المؤمنين) اختصر و نقى فيه - الكتاب الأكثر شيوعا في بيوت الشام -*إحياء علوم الدين للغزالي ، و(تعطير المشام في مآثر دمشق الشام) أربعة مجلدات، و(جوامع الآداب في أخلاق الإنجاب) و(إصلاح المساجد من البدع والعوائد) و(أوامر مهمة في إصلاح القضاء الشرعي) و(إيضاح الفطرة في أهل الفترة) و(تنبيه الطالب إلى معرفة الفرض والواجب) و(حياة البخاري) و(الفتوى في الإسلام).
انتهت المشيخة في بلاد الشام في أوائل هذا القرن إلى الشيوخ الأجلاّء: الشيخ جمال الدين القاسمي، والشيخ عبد الرزاق البيطار، والشيخ طاهر الجزائري، والشيخ كامل القصّاب، فدرسوا حركة التوحيد الاصلاحية الوهّابيّة فأعجبوا بها وقدّروها قدرها، ورأوا أنّها على حق وصواب، فنشروها في المجتمع الشامي، وبذروا بذورها فأثمرت أطيب الثمار، وأنتجت أبرك النتائج.
توفي بدمشق، ودفن فيها.
وكتب في سيرته ابنه ظافر القاسمي (جمال القاسمي وعصره) ومحمود مهدي استانبولي (شيخ الشام جمال الدين القاسمي).
ويوم وفاته وقف شقيقه صلاح الدين يرثيه في قصيدة بعنوان: الدمعة اليتيمة، ومطلعها قوله:
ما لجوّ العلوم داجي الذيول.............أترى مال بدره للأفول
أم هوى نجمه وغار ضياه.............ودهاه الردى بليل طويل
فغدى الناس تائهين حيارى......عن طريق بهديهم موصول
ما لهم قد عرتهم رعدة الخو.ف وباتوا حسرى بطرف كليل
وأقضّت بهم مضاجعهم حز..ناً وباتوا من الأسى في ذهول
ونعاه عالم العراق محمود شكري الآلوسي بهذه الأبيات:
أحيا به الله الشريعة والهدى....وأقام فيه شعائر الإسلام
حكم على أهل العقول ببثها.....منعوتة الأوضاع والأحكام
ويريك من ألفاظـه وكلامه....سحر العقول وحـيرة الأفـهام
#مكملين #احنا_متراقبين #ارحل_يا_عرص #مرسى_رئيسى #كلنا_مسلمين #شبكة_صوت_الحرية