معركة جالديران سنة 920هـ ــ 1514 م
المعركة التي لم يكتمل نصرها ما زلنا ندفع ثمنه اليوم ...
منذ أن سقطت الدولة العبيدية الفاطمية بمصر سنة 567هـ، لم يصبح للشيعة بشتى فرقهم دولة تمثلهم أو يأوون إلى ظلها، على الرغم من ظهور بعض الحكام الشيعة في دولة التتار، إلا إن التشيع لم يكن شعار الدولة، وظل الأمر على ما هو عليه حتى استطاع "إسماعيل بن حيدر الصفوي" أن يكوِّن دولة جديدة للشيعة في منتصف الهضبة الإيرانية وذلك سنة 907هـ..
وكان إسماعيل الصفوي شديد التشيع والتعصب، سفك دم قُرابة المليون مسلم سني؛ من أجل فرض التشيع الاثني عشري على سكان البلاد، واستعان على ذلك بالعصبيَّة القبلية لقبائل القزلباش التركية، حتى استطاع أن يجبر سكان البلاد للتحول للمجوسية الشيعية بعد أن كانوا مسلمين أهل السُّنَّة، وكان إسماعيل الصفوي شديد السطوة والبطش والإرهاب، حتى إن جنوده كانوا يسجدون له من شدة تعظيمهم له.
اتبع إسماعيل الصفوي سياسة التمدد الشيعي المجوسي، فعمد إلى نشر التشيع في البلاد المجاورة لدولته، وهذه السياسة جعلته يصطدم بقوة عظمى قائمة وقتها هي الدولة العثمانية التي كانت تعتبر زعيمة العالم الإسلامي السني وقتها بعد أن ضعفت دولة المماليك وذهب ريحها، وهذا الصدام جعل إسماعيل الصفوي يتجه إلى محالفة البرتغاليين الصليبيين الذين كانوا يناصبون المسلمين العداء الشديد، بل لهم طموحات صليبية غير مسبوقة؛ إذ كانوا يخططون لاحتلال المدينة، ونبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم لمقايضته بالقدس..فوافقهم و حالفهم الشاه الصفوي على ذلك !
ومع علم إسماعيل الصفوي بمخطط البرتغاليين إلا إنه دخل في حلف معهم ضد العثمانيين. والرسائل المتبادلة بين إسماعيل الصفوي و"البوكرك" قائد الأساطيل البرتغالية مشهورة، والتاريخ يحفظها كوصمة عارٍ في تاريخ الصفويين عمومًا والشاه إسماعيل خصوصًا. وإن كان غير مستغرب من الروافض، فتاريخهم طافح بأمثال هذه الخيانات والمؤامرات.
في هذه الفترة اعتلى كرسي السلطنة في الدولة العثمانية رجل قوي شديد العزم والحزم هو السلطان سليم الأول، الذي أظهر حتى قبل ولايته نيته لتصفية خصومه ولو كانوا أتراكا ، وقد رأى سليم الأول الخطر الصفوي وحليفه البرتغالي يحيق بالمدينة النبوية ومقدسات الإسلام ويهدد حدود الدولة العثمانية الشرقية، ورأى التوسع القسري للدين الشيعي يزحف على أرض العراق والأناضول، فقرَّر القيام بعمل قوي وحازم إزاء هذه التهديدات الخطيرة التي تحيق بالأمة الإسلامية.
بدأت الحرب الكلامية بين سليم الأول وإسماعيل الصفوي على شكل رسائل خشنة تهديدية بين الرجلين، دعا فيها سليم الأول إسماعيل الصفوي للدين الصحيح ونبذ التشيع والكفّ عن إيذاء المسلمين وأهل السنة، وإسماعيل يتمادى في غيِّه ويهزأ بسليم الأول بأن أرسل إليه بهدية من الأفيون قائلاً: "أعتقد أنك تكتب خطاباتك تحت تأثير هذا المخدر"، وهكذا.
بعدما فرغ السلطان سليم من صراعه مع إخوته و قتلهم ،ثم عقد الصلح مع جيرانه الأوربيين لا سيما مع المجر. واستعد السلطان سليم الأول لمعركة حاسمة مع الصفويين، فبدأ أولاً بحصر الشيعة الاثني عشرية "القزلباش" الموالين للصفويين في شرق الدولة وأعدم 20 الفا منهم؛ردًا على مجازر الصفويين للسنة بالعراق وتبريز وأذربيجان وحتى لا يبقى للصفويين جواسيس بالمنطقة، ثم استدعى أحد أفراد أسرة "آق قويونلو" وهي الأسرة التي كانت تحكم إيران والعراق قبل ظهور الصفويين، وحثّه على الاشتراك معه في القتال، فوافق وانضم بجنوده.
ثم جمع السلطان سليم الأول رجال الحرب والعلماء والوزراء في مدينة أدرنة في (19 من المحرم 920هـ= 16 من شهر مارس 1514م)، وذكر لهم خطورة إسماعيل الصفوي في إيران، وأنه اعتدى على حدود الدولة العثمانية، وأنه عامل بعنصرية في دولته أهل السنة والجماعة في وسط آسيا والهند وأفغانستان ويجب الذب عن إخوانهم في تركيا والعراق ومصر. ولهذا يرى ضرورة الجهاد المقدس ضد الدولة الصفوية الشيعية. ولم يجد السلطان العثماني صعوبة في إقناع الحاضرين بضرورة محاربة الصفويين، وخرج بعد 3 أيام من هذا الاجتماع على رأس جيش كبير من أدرنة إلى إسطانبول متجها إلى الأناضول الشرقي فتبريز بعد أن أوكل أمر إستانبول لابنه ولي العهد سليمان.
مراسلات السلطان سليم :
قبل وصوله لجالديران أرسل الى سلطان المماليك قانصوه الغوري رسالة فيها تهديد مبطن يخبره بأن الدولة الصفوية غدت قاب قوسين أو أدنى من الزوال.و الدور عليك !
و يهدده بغزوه إن لم يشترك معه بقتال الصفويين !
كانت دولة المماليك فد أصابها الوهن و فضل الغوري الحياد لأنه رأى طموح سليم يشكل خطرا عليه بسبب تدخله في مناطف النفوذ المملوكية و قطع الطريق الى القوقاز موطن المماليك الجركس حكام مصر و الشام و الحجاز !
وكان سليم الأول ينظر بعين الارتياب إلى تحركات الصفويين، لاسيما بعد إرسال الشاه إسماعيل وفدا ضخما إلى قانصوه الغوري سلطان مصر ضم 200 عبد لإبلاغه عن تلك الحرب المتوقعة ودعوته للتحالف معه ضد السلطان سليم, و بيّن له إنه إن لم يتفقا حاربت الدولة العثمانية كلا منهما على حدة وقهرته وسلبت أملاكه.
,عزم سليم على مهاجمة اسماعيل الصفوي وتسديد ضربة قوية قبل أن يستعد للنزال لذلك أرسل هو الآخر وفدا إلى المماليك دعاهم إلى التحالف, لكن بعد مباحثات طويلة آثر المماليك التزام الحياد . وقد رأوه صراع تركي ـ تركي و ليس سنّي ـ شيعي.
الاستعداد الخارجي:
أراد سليم منذ بداية حكمه الهدوء التام على الجبهة الغربية، وهذا الهدوء تمثل في علاقاته الدبلوماسية المستقرة مع الدول المجاورة له وهم النمسا وهنغاريا وروسيالم ينس السلطان سليم وهو في طريقه إلى الحرب أن يكتب إلى عبيد الله خان الأوزبك يذكره بقتل عمه شيباني، ويحثه على الانتقام من إسماعيل الصفوي، ويعلمه عن النوايا بالتحرك صد إيران, ويوصيه بمهاجمة خراسان بمجرد وصول الجيش العثماني إلى إيران، وكان هدف سليم من ذلك أن يجعل إيران بين شقي الرحى من الغرب بهجومه، ومن الشرق بهجوم عبيد الله خان على خراسان. فكان رد عبيد الله خان على سفارة السلطان بعد أشهر بسفارة أخرى, يعلمه بالموافقة وأنه انتصر على القوات الصفوية في سمرقند.
المسير إلى جالديران
تحرك السلطان سليم على رأس جيش يبلغ عديده مائة وأربعين ألف مقاتل من مدينة "أدرنة" في 22 من المحرم 920هـ= 19 من مارس 1514م, فسار بجيشه حتى وصل قونية في 7 من ربيع الآخر 920= 1 من يونيو 1514م, فاستراح لمدة ثلاثة أيام، ثم واصل سيره حتى وصل آرزنجان في أول جمادى الآخرة 920 هـ= 24 من يوليو 1514م، ثم واصل المسير نحو أرضروم، فبلغها في 13 من جمادى الآخرة 920 هـ= 5 من أغسطس 1514. وحين وصل إلى مشارف قيصرية, بعث برسوله إلى علاء الدولة ذلقادر التركماني الشيعي حاكم مرعش وألبستان, طالبا منه المساهمة في حرب الصفويين, لكن علاء الدولة اختلق الأعذار في عدم المجيء إليه, متعللا بكبر سنه وإنه لا يستطيع القيام بأي مجهود لكونه تحت الحماية المملوكية. وما إن مضى السلطان في طريقه حتى هاجم علاء الدولة ساقة الجيش بإيعاز من السلطان قانصوه الغوري. وبسبب ذلك ترك السلطان سليم 40 ألفا من جنده ما بين سيواس وقيصرية, للحفاظ على الأمن بالأناضول من أي اختراق قد يحصل من أي جهة من الجهات التي تنافسه, ولحماية مؤخرة الجيش من أنصار الشاه وقوات ذلقادر, مع ذلك فالسلطان لم ينس فعلة ذلقادر فانتقم منه عند عودته.
"إن كنت رجلا فلاقني في الميدان, ولن نمل انتظارك."
رسالة السلطان سليم العثماني الى الشاه اسماعيل الصفوي,وأرفقها بمجموعة من الألبسة النسائية والعطور وأدوات الزينة وذلك استهزاء بشخص الشاه لتهربه وتقاعسه من المسير إليه ويستعجله بالحرب, وهو ما حدا بالشاه إسماعيل بقبول التحدي وواعده بجالديران قائلا له: "وأنا أيضا أعد العدة للحرب."
وبدأت حرب استطلاع بين الطرفين,فنقلت العيون لسليم الأول أن الشاه إسماعيل الصفوي ينوي تأخير القتال إلى فصل الشتاء؛ حتى يهلك العثمانيين جوعًا وبردًا، وأن إسماعيل قد انسحب إلى داخل صحراء "ياسجمن" على حدود أذربيجان، فأرسل سليم الأول بجيوشه الجرارة قبل فصل الشتاء حتى وصل إلى صحراء جالديران، واحتل الأماكن الهضبية؛ مما أمكنه من السيطرة على ميدان المعركة. وفي يوم 2 رجب 920هـ، انقض سليم الأول بجيوشه كالصاعقة على جيوش الصفويين، فمزقها شر ممزق، وفرَّ إسماعيل الصفوي من أرض المعركة كالفأر المذعور.
واصل سليم الأول سيره حتى احتل تبريز عاصمة دولة الصفويين وجعلها مركزًا لعملياته الحربية، ولكن سليم الأول اكتفى بانتصاره في جالديران، ويا ليته واصل قتاله حتى أسقط الدولة الصفوية التي ظلت قائمة كالورم الخبيث في المنطقة!
ولكنه اضطر لذلك؛ بسبب تمرد قادة الانكشارية الذين رفضوا القتال في البرد القارس.
ولقد أسفرت هذه المعركة عن ضم شمالي العراق وديار بكر إلى الدولة العثمانية، مع شيوع وسيطرة الاسلام السني في آسيا الصغرى وانحصار النفوذ الشيعي في إيران وحدها.
ولقد كشفت معركة جالديران عن وجود علاقة وثيقة وتنسيق كامل بين الصفويين والبرتغاليين ألدّ أعداء الإسلام، الذين تحركوا مستغلين انشغال العثمانيين بقتال الصفويين، وأحكموا سيطرتهم على كافة الطرق القديمة بين المشرق والمغرب.
التوسع ما بعد جالديران
وترتب على انتصار سليم الأول أن نهض رؤساء عشائر الكرد -وكانوا من السنة- لمساندة العثمانيين وأعلنوا ولاءهم له، ولم يمض وقت طويل حتى انضمت 23 مدينة في مناطق الكرد شرق إيران للحكم العثماني, على الرغم من الاستحكامات العسكرية التي أقامها الصفويون بها, فعقد السلطان معهم اتفاقية صداقة وتحالف وذلك بفضل جهود الشيخ إدريس البدليسي والذي نصبه السلطان كمفوض للإدارة الأهلية بتلك الأقاليم كمكافأة لما قدمه من خدمات للسلطنة.
توسع العثمانيون فضموا إليهم أرمينيا وسائر المدن من ديار بكر وماردين والموصل وسنجار وحصن كيفا والعمادية وجزيرة ابن عمرحتى أصبح الجزء الأكبر من مناطق تواجد الكرد سواء بالعراق أو بإيران حليفة للعثمانيين، وأصبح الصفويون وجها لوجه مع العثمانيين، فبات من الصعب عليهم التوسع على حساب العثمانيين.
آثار المعركة
على العثمانيين: مكنت تلك المعركة العثمانيين من التحكم بالطرق الرئيسية الإستراتيجية من الأناضول عبر القوقاز وسوريا وإيران, كما مكنتهم من تنظيم خطوط الدفاع والهجوم لتلك المناطق, وكذلك السيطرة على طرق التجارة العالمية وخاصة الحرير الفارسي من تبريز إلى حلب وبورصة وهو ما در عليهم دخلا مهما من المكوس المفروضة من تلك التجارة, وأخيرا فبسيطرته على المصدر الرئيسي لتجارة الرقيق في القوقاز أمكنه أن يضغط على المماليك من عدة اتجاهات خلال تلك الفترة المهمة.
أدت معركة جالديران إلى تغيير الاستراتيجية التوسعية العثمانية، فبعدما كان اهتمامهم منصبا أساسا على أوروبا الشرقية اتجهوا نحو الاهتمام بالمشرق العربي وشمال إفريقيا. وكان من نتائج ذلك أن ضموا البلدان العربية الواحدة تلك الأخرى، في حين ضعف توسعهم في أوروبا.وهذه أصل ضعف الدولة العثمانية و استنزاف مواردها!
و منح قبلة الحياة لدولة الشيعة ان تلمم ضعفها و تبني جيشها و تذبح السنة بشراسة اكبر !
على الصفويين : أدت معركة جالديران إلى اهتزاز صورة الشاه بالعراق مما أدى لانضمامها لاحقا للعثمانيين.
وأدى أيضا انسحاب السلطان سليم القسري من تبريز إلى أن يستمر الشاه قويا داخل إيران. فقد استطاع الشاه أن يُلملم قواته, وأن يقوم ببعض المناوشات الخفيفة إبان انشغال السلطان في الشام ومصر.
كان لسياسة الخنق الاقتصادي التي مارسها السلطان سليم ضد الصفويين أن جعلت الشاه يبحث عن حليف قوي, وقد توفر ذلك مع البرتغاليين النشطين بالبحار, فعقد معهم معاهدة عوضته خسارة بعض النقاط الإستراتيجية التي أخذها العثمانيون.
#مكملين #احنا_متراقبين #ارحل_يا_عرص #مرسى_رئيسى #كلنا_مسلمين #شبكة_صوت_الحرية