هل يعيد التاريخ نفسه ؟؟ و كيف ورثت امريكا بريطانيا ؟
الاحتلال البريطاني لمصر 1882م
تزعم أحمد عرابي الضباط المصريين المتذمرين من سوء معاملة رؤسائهم الأتراك لهم، و خاصة وزير الحربية عثمان رفقي باشا ، و قصر الترقية العسكرية علي المتخرجين من المدرسة العسكرية وهم ترك مما يعني حرمان معظم الضباط المصريين من الترقية.
كما تقدم ألف و ستمائة من الأعيان بتقديم مذكرة لإنشاء مجلس نواب علي غرار مجالس أوروبا ، و بالفعل تم انتخاب نواب المجلس و افتتح المجلس النيابي يوم 26 ديسمبر 1881 م .
و كان نشاط الوطنيين في مصر و تشكيل مجلس النواب بمطالبة شعبية تنذر بالمخاطر علي مصالح الإنجليز و الفرنسيين في مصر و المنطقة بأكملها ، لأن نشاط الوطنيين و المجلس النيابي سيضعف سلطة الخديوي المهادن للإنجليز و سيزيد الوعي السياسي العام للشعب و يؤدي في النهاية إلي فتح ملفات وطنية مهمة مثل التدخل الأجنبي السافر في البلاد المتمثل في الرقابة الثنائية و صندوق الدين ، كما سيفتح ملف قناة السويس و أحقية مصر بامتلاكها و إدارتها.
لذلك رأت إنجلترا أن قناة السويس قد جعلت مصر من الأهمية بمكان لأن تتولى انجلترا إدارتها بنفسها و ليس عن طريق وسطاء مثل الخديوي أو القناصل أو المؤسسات المالية الدائنة.
و بدأت انجلترا ترتب خطوات احتلال مصر .
رأت إنجلترا و فرنسا أن تشكيل مجلس النواب يمثل خطورة علي مصالحهما، لأن قيام مجلس نظام برلماني سوف يجعل من التدخل الأوروبي أمراً صعباً، علي حين أن نظام الحكم المطلق يسهل أمور التدخل. و علي هذا أرسلت الدولتان مذكرة مشتركة في 7 يناير 1882 م توحي كلماتها بالاستياء من قيام نظام برلماني في مصر، و تذكر صراحة أن هذه الأحداث توجب التدخل لحماية العرش الخديوي. و بالطبع رفض شريف باشا المذكرة و احتج لدي القنصلين الانجليزي و الفرنسي علي المذكرة.
و لما لم تتمكن الدولتان من إلغاء مجلس النواب، طلبتا ألا تتضمن لائحة المجلس مناقشة الميزانية و إقرارها، لأنها أمور تتعلق بالديون. و تحرج موقف شريف باشا، و عرض علي النواب تأجيل النظر في الميزانية حتي يفوت الفرصة علي تدخل الدولتين ، غير أن العرابيين تشبثوا بحق المجلس في إقرار الميزانية باعتبار أن ذلك حق من حقوق الأمة الممثلة في المجلس المنتخب.
و أمام إصرار الطرفين علي موقفيهما من مناقشة الميزانية، استقال شريف باشا و تألفت وزارة برئاسة البارودي الذي عين أحمد عرابي وزيراً للحربية.
و بادرت الوزارة بإعلان الدستور في 7 فبراير 1882 م و إقرار حق المجلس في مناقشة الميزانية ، و هنا أحتج الرقيبان الفرنسي و الإنجليزي و طالبا قنصليهما بالتصرف.
شعر القنصلان أن الحالة تنذر بخلع الخديوي توفيق ، و نسب إلي العرابيين أنهم كانوا يسعون إلي خلع توفيق و تعيين الأمير حليم بدلاً منه.
فقامت انجلترا و فرنسا بارسال قطع بحرية علي الشواطئ المصرية في 19 مايو 1882 م بحجة حماية الرعايا الأجانب إذا ما تعرضوا للخطر بسبب الأزمة القائمة.
و أرسلت الدولتان مذكرة تطلبان فيها استقالة البارودي و خروج أحمد عرابي من مصر . فرفضها البارودي و أقسم مع العرابيين يمين الدفاع عن البلاد و الولاء للثورة .فما كان من الخديوي توفيق إلا أن قبل المذكرة فاستقال البارودي احتجاجاً. و قام توفيق بتشكيل وزارة برئاسته.
و بدأت انجلترا تتحين الفرصة لدخول مصر، و جاءت الفرصة يوم 11 يونية 1882 م في شجار ملفق قام بين رجل ملطي من الرعايا الأجانب و مكاري ( عربجي) مصري علي الأجرة ، فقام المالطي بطعن المصري طعنة قاتلة، فتطور الأمر إلي معارك متبادلة بين الأجانب و المصريين. و قام الأجانب بالتجمع في أماكن واحدة و التحصن بها.
و قامت اجلترا بضرب مدينة الأسكندرية في 11 يولية 1882 م بحجة أن مصر تقوم بتحصين الأسكندرية، و تعتزم غلق الميناء و حصار البوارج الانجليزية الراسية فيه.
نزلت القوات البريطانية الأسكندرية و حاصرت قصر الخديوي لحمايته، و أعلنت الأحكام العرفية، و ربط الخديوي مصيره بانتصار الإنجليز، و انسحب عرابي مع وحدات الجيش إلي كفر الدوار لإقامة خط دفاع ثاني.
طلب الخديوي من أحمد عرابي الكف عن الاستعدادات الحربية و الحضور إلي قصر التين في الاسكندرية، و لكن أحمد عرابي رفض و اتهم الخديوي توفيق بالخيانة العظمي. و تم تشكيل مجلس عرفي لإدارة شئون البلاد بعيداً عن الخديوي.
و في تلك الأثناء دخل الإنجليز من قناة السويس، و زحف أحمد عرابي لمقابلتهم في الشرقية و تقابل الجيشان في معركة التل الكبير ، و انهزم الجيش المصري و أصبح الطريق مفتوحاً أمام الجيش الانجليزي إلي القاهرة و دخلها في 14 سبتمبر 1882م.
كثير من الكتب التاريخية تحمل أحمد عرابي مسئولية الاحتلال الإنجليزي ، و لكنا نميل إلي الرأي الآخر القائل أنه لو لم يكن هناك أحمد عرابي ، لكانت انجلترا تذرعت بذرائع أخري لاحتلال مصر ، لأن الدافع مازال موجوداً و هو رغبة انجلترا و فرنسا في السيطرة علي قناة السويس، الشريط الملاحي الوحيد المؤدي إلي المستعمرات الإنجليزية في الهند.
أما موقف الخديوي توفيق فهو موقف شائن بكل المقاييس ، لأنه فكر في الحفاظ علي كرسيه و التمسك به و لو أدي ذلك إلي احتلال البلاد. و هو موقف لم يقم به أي حاكم قبله جلس علي عرش مصر سوي شاور الخائن في نهاية الخلافة الفاطمية الذي استنجد بالصليبيين لاستعادة كرسي الوزارة.
و يكفي الخديوي توفيق عاراً أن مصر في بداية عهده كانت النجم الصاعد ليلحق بالأمم المتقدمة و في نهاية حكمه أصبحت مصر ترزح تحت أحتلال كئيب قضي علي آمال رقيها و رفعتها.
#مكملين #احنا_متراقبين #ارحل_يا_عرص #مرسى_رئيسى #كلنا_مسلمين #شبكة_صوت_الحرية