من الاخطاء التاريخيةالشائعة التى تقول انه سمى بها الاسم بسبب خلع الحجاب فيه وحرقه بدعوة (صفية زغلول) وان كان الربط جائز واليوم يتكرر نفس المشهد ثورة شعبية فى نفس الميدان (25/1/2011)وثورة العهر لخلع الحجاب والتعرى فى ابريل 2015 وكان التاريخ يعيد نفسه وكان المتربصين يريدوا تشويه الميدان وتدنيسه
(في عصر قدماء المصريين كان ميدان التحرير عبارة عن رقعة من الصحراء، وما إن بنى الفاطميون القاهرة (التي تحوَّل اسمها فيما بعدُ في اللغة الإنجليزية إلى «كايرو») فى القرن العاشر الميلادي، كان نهر النيل قد غيَّر مجراه، وابتلع مساحة كبيرة من هذه الأرض، وأصبحت المنطقة فيما بعد عبارة عن مستنقع، يغطيه الماء أثناء مواسم الفيضانات، وبنهاية القرن الثامن عشر، وفي الوقت الذي احتلَّ فيه نابليون القاهرة، كانت الأرض قد جفَّت بدرجة تسمح للفرنسيين بأن يقيموا معسكراتهم هناك، ولم تكن شبكة السدود التي بُنِيَت للتحكم في فيضان النهر قد ظهرت حتى عصر محمد علي – مؤسس مصر الحديثة – وقد أدت هذه السدود إلى استقرار ضفاف النيل في القاهرة.
كان الميدان عبارة عن مكان مفتوح، تبلغ مساحته ٥٠٠ فدان، ويضم حقولاً مزروعة وحدائق، والعديد من قصور العائلة المالكة فى عهد الخديوي إسماعيل، وقد اشتهر إسماعيل - حفيد محمد علي - بمؤسس القاهرة الحديثة، حيث إن إسماعيل كان يعيش في باريس أثناء إعادة بناء المدينة على يد (بارون هاوسمان) فقد باشَرَ إسماعيل مشروع تحديث مدينة القاهرة بعدة طرق، كان من بينها بناء حيٍّ سُمِّيَ فيما بعد باسمه، وفى وسط هذا الحي كان هناك ميدان حَمَل الاسم نفسه (ميدان الإسماعيلية).
اتُّخِذَ ميدان التحرير مكاناً عامّاً رسميّاً منذ ذلك الوقت
لم يتخذ الميدان - مع ذلك - شكلاً معيناً حتى تم بناء المتحف المصري في الجانب الشمالي الشرقي منه، وقد أغرقت مشروعات التحديث - الذي قادها الخديوي إسماعيل - البلادَ في ديون ثقيلة، وكان إسماعيل أول حاكم لمصر الحديثة يُخْلَع من السلطة – وفى هذه الحالة وكانت القوى الأجنبية صاحبة هذا الفعل - وكان الاحتلال البريطاني لمصر أحد النتائج المترتبة على سنوات الضعف في القرن التاسع عشر، وبالفعل أقام الإنجليز قواتهم غرب الميدان في الإسماعيلية، وقد أطلق المصريون على هذا المكان اسم «الثكنات الإنجليزية».
وفي بدايات القرن العشرين بزغ حي الإسماعيلية مركزاً للقاهرة الحديثة، وامتد باتجاه الميدان، الذي كان من الضروري أن يعاد تخطيطه لتسهيل سير مركبات المرور الحديثة في القاهرة، ولذلك أُنشِأ دوار في الجزء الجنوبي من الميدان، وبعد عقود قليلة - أثناء فترة حكم الملك فاروق - وُضِع في المكان قاعدة فارغة لتمثال، وأمر فاروق ببناء تمثال لجده الأكبر - الخديوي إسماعيل - ليوضع على هذه القاعدة، وأثناء ذلك الوقت بُنِي المركز الرئيسى لجامعة الدول العربية أيـضاً، وبالتالي تحدد الجانب الشرقي للميدان.
بدأ ميدان التحرير يتشكل
شهد الميدان أول مظاهرات ذات شأن في الفترة نفسها، فقد أثارت معارضة الوجود البريطاني في مصر الاحتجاجات والمصادمات، وقتلت الشرطة أربعة وعشرين مصريّاً في الحادي عشر من فبراير عام ١٩٤٦ م، وفي اليوم نفسه، وبعد مرور خمسة وستون عاماً، أُجِبَر الرئيس مبارك على التنحي، فهل هذا من قبيل المصادفات التاريخية؟!
وسيراً على المنوال نفسه هَيَّج الاستياء من حكومة الملك فاروق مجموعة أخرى من الاحتجاجات، التي أدت الى حريق القاهرة في الخامس والعشرين من يناير عام ١٩٥٢ م، وقد أُضرمت ألسنة اللهب بعدد قليل من المباني في الميدان، وفي اليوم نفسه تقريبا، وبعد مرور تسعة وخمسين عاماً، نزل الشعب المصري بأعداد لم يسبق لها مثيل للاحتجاج ضد الحكومة، وربما يكون هذا أيـضاً من قبيل المصادفة التاريخية!
كان حريق عام ١٩٥٢ م تمهيداً لانقلاب عسكري قاده جمال عبد الناصر في الثالث والعشرين من يوليو، والذي حوَّل مصر من مملكة تغطُّ في سُبات عميق إلى جمهورية ثائرة، وفي العقد التالي، وبالتحديد في الستينيات، أصدر الرئيس عبد الناصر مرسوماً حكوميّاً يقضي بتغيير اسم الميدان من (الإسماعيلية) إلى (التحرير) لتخليد ذكرى رحيل الإنجليز عن مصر.
وأخيراً نُسِب ميدان التحرير إلى اسمه
في بداية الستينات بُنِيَ فندق (هيلتون) على موقع الثكنات العسكرية القديم، وبجواره مبنى كان من المخطَّط له أن يكون المجلس المحلي للقاهرة، ولكنه أصبح مركزَ قيادةِ الاتحاد العربي الاشتراكي لعبد الناصر (الحزب الوحيد الذي حكم مصر معظم فترة حكمه)، وكان هذا هو المبنى الذي وَرِثه الحزب الوطني الديمقراطي فيما بعدُ، وقد أحرقه المحتجون أثناء المظاهرات الأخيرة فى عام ٢٠١١ م.
وفي مفارقة ساخرة يصل تمثال الخديوي إسماعيل - جد الملك فاروق - إلى مصر بعد أسابيع قليلة من ثورة ١٩٥٢ م، وبالطبع لم يوضع على قاعدته أبداً، وقد كان رمز القاعدة الشاغرة - التي هي أثر للمَلَكية البائدة في مصر - مَعْلماً تركه عبد الناصر دون أن يمسَّه، وظلت هذه القاعدة في مكانها حتى السبعينيات، حين تطلب إنشاء نظام المترو إزالتها، وفي عهد الرئيس أنور السادات فاز ميدان التحرير بأول محطات مترو القاهرة، التي سُمِّيت باسم السادات في فترة حكم مبارك، وأُطْلِقَ على المنطقة الجنوبية من الميدان اسم السادات أيـضاً، على الرغم من أن أهل القاهرة لم يشيروا إليه بهذا الاسم أبداً، فقد قصروا استخدامه على محطة المترو فقط.
آمَنَ المصريون وقتاً طويلاً بأن الثالث والعشرين من يوليو ١٩٥٢ م هو يوم ثورتهم، ولكنهم لم يدركوا أبداً أن ميدان التحرير هو رمز لتحررهم، وقد تغيَّر ذلك كله في الخامس والعشرين من يناير عام ٢٠١١ م. ومن السابق لأوانه الآن أن نستوعب الأثر الكامل لما حدث في ميدان التحرير خلال الثمانية عشر يوماً، (من الخامس والعشرين من يناير إلى الحادى عشر من فبراير ٢٠١١) ومهما يكن فإن مصر والعالم العربي لن يكونا أبداً كما كانا عليه مرة أخرى.
لقد أعطت وسائل الإعلام الاجتماعيه روحاً جديدة لمدينة القاهرة وتركت لدينا انطباعا بأن هذا المكان العام سيبقى دائماً ميداناً نابضاً بالحياة للخطابات العامة والتغيير الثورى.)