البطل الأمريكي...؟!
بقلم: حسان الرواد
ولدت و لم أعرف أين ولدت و كيف ولدت؟
لم أجد من يرعاني, نشأت في بيت لا يوجد فيه أحد, أجد طعاما و شرابا لكن لا أدري من أين؟؟
لا يوجد من يعلمني كلمة, أو سلوكا, أو فكرا, فأنا لا أعرف شيئا سوى ما يبثه جهاز التلفاز الذي رافقني منذ أن ولدت, فهو كل ما أعرف؛ إنه أسرتي و مدرستي و كتبي, إنه وسيلة المعلومات الوحيدة لدي, فمن دونه لا أعرف شيئا.
لكنّ العجيب في هذا التلفاز أنه لا يحتوي ألا على قناة واحدة فقط ..تبث الأفلام الأمريكية,..؟! فلم أعرف بطلا إلا الأمريكي, و لم أعرف فكرا إلا الأمريكي, و لم أعرف حياة و نمطا إلا الحياة الأمريكية. كبرت و أنا لا أجيد و لا أتقن شيئا سوى هذه الحياة.
رأيت البطل الأمريكي يقتل الأشرار, يحمي الصغار, يعيد الحقوق للضعفاء, يضحي بحياته من أجل غيره و بلده, يسافر آلاف الأميال ليحي الآمال و يرسم بسمة على شفاه الأطفال, فتلتقي بفضله الأسرة بعد طول فراق, و يشعر الناس بالأمان بوجوده, و يخلّص الشعوب من الاستبداد, و ناهبي ثروات البلاد و العباد, فيعم العدل, و يقيم الديمقراطية و يعيد الحقوق للإنسان.
كم أحببت هذا البطل و تمنيت أن أكون مثله, فأنا لم أعرف مثلا أعلى سواه بفضل قناة التغذية الفكرية, و أفلام هوليود, فهو المنتصر دائما, و هو المخلّص الذي لا يقهر. فبكل جوارحي و مشاعري و أفكاري أحببته و كبرت على ذلك, و بعد أن أصبحت شابا فتيا و بعمر البطل الأمريكي, قررت كسر الحاجز و هدم الجدار و الخروج إلى النهار, إلى شمس الحرية الأمريكية. فأنا لم أشاهد أحدا يشبهني إلا في التلفاز, و لم أعرف شكلي و ملامح وجهي قط, لكني توقعت أن أكون أبيض البشرة, و بشعر أشقر, و عيون زرقاء.
أنا كحي بن يقظان لكنّ الفرق بيننا أنه نشأ على جزيرة كبيرة, و تعلّم بالبحث و التجربة و البرهان, و كان يرى صورته انعكاسا في صفاء الماء, فعرف أنه ليس كباقي الحيوانات التي عاش معها..؟! أما أنا فنشأت في بيت يحتوي على غرفة و بيت خلاء و تلفاز و هو من علمني.
فكرت بالخروج و كرهت البقاء, فأنا بطل أمريكي جاهز للتضحية و الفداء, بدأت بهدم الجدار حتى دخلت أشعة الشمس المكان, و تفاءلت فقد آن الأوان للخروج من عصر الظللام...؟؟
بدأت أرى ما كنت أراه في التلفاز فخرجت متحمسا فأنا بطل أمريكي لا أخشى شيئا, ثم سرعان ما شاهدت شريرا في زي جندي أمريكي يضرب طفلا على رأسه, فجأة ارتعدت خوفا و صدمت... لكني تذكرت أني بطل أمريكي, فركضت باتجاه الجندي لأدفع الظلم عنه, هكذا تعلمت من الأمريكان, فألقيت حجرا عليه, فأصابت رأسه, فوقع و لم يحرك ساكنا... لقد مات, فرح الصغار و عانقوني كما في الأفلام الأمريكية فأنا بطل أمريكي و سأحصل لا محالة على وسام... لكن فجأة...! جاء الجنود يركضون و يصرخون, أمسكوا بي و بالصغار, و أبرحوهم ضربا دون رأفة, و بدأوا بضربي بعنف شديد و أنا مندهش مصدوم, و ما عدت قادرا على التفكير و استيعاب الموقف, لكنهم لم يثنوا عزيمتي... فأنا بطل أمريكي, هكذا تعلمت من التلفاز و لا بد أن في الأمر خطأ, اقتادوني إلى غرفة مظلمة سوداء معتمة, و فجأة ظهر وجه بشع بصورة إنسان, فصفعني بقوة على وجهي, و سألني: لماذا قتلت الجندي؟ فقلت له أنا بطل أمريكي هكذا تعلمت منكم الدفاع عن الأبرياء و الأطفال... و هذا الجندي معتدٍ متنكر بزي أمريكي, فقال لي ساخرا: هذا فقط في الأفلام, هذا من الأحلام؟! فقلت له كيف ؟ فأنا أمريكيّ الهوى و الثقافة و لم أعرف في حياتي غيرها... قال لي: لكنك عربي الدم و هذا يكفي لأن تكون الإرهابي...!!!
ثم صلبوني و فجروا رأسي برصاصة كتب عليها البطل الأمريكي... فلم يكن الأمر إلا مجرد كذبة أمريكية كبيرة من صنع هوليود.... هذه هي أمريكا...؟؟
حسان الرواد rawwad2010@yahoo.com