الحمار والسيد والتًّغيير...!!
حسان الرواد
يحكى أن سيدا كان يملك حمارا ضخما يعتمد عليه اعتمادا كبيرا في كل شؤون حياته؛ من نقل الأحمال الثقيلة, وحرث الحقل, واستخدامه أداة ركوب له ولغيره, فيكسبه ذلك المال الكثير الذي يوفر له حياة سعيدة رغدة. ومع أن الحمار هو مصدر سعادة ذلك السيد إلا أنه وبسبب جشعه وعدم تقدير فضل هذا الحمار في الحياة التي يعيشها فقد أثقل عليه كثيرا, وسلبه جل حقوقه, فزادت الأحمال التي فاقت طاقته وأنهكته لدرجة أن حُصَامه ( ضِراطه ) كان يُسمع باستمرار من مسافة بعيدة؛ بسبب هذه الأحمال الثقيلة التي تزداد يوما بعد يوم؟! كل ذلك طمعا في الربح الفاحش, ودون أي تفكير واعتبار بحال الحمار ومعاناته؛ حيث لم تكن له أوقات راحة يهنأ بها, كما أن سيده كان يبخل عليه في الطعام والشراب, بينما يأكل هو من جهد الحمار ما لذ من الطعام وطاب.
وذات يوم وبينما كان الحمار يحرث الحقل كعادته, وسيده مستلقيا مستظلا تحت الشجرة, سمع السيد أصواتا تنذر باقتراب جنود العدو؟! فنهض مسرعا إلى الحمار ينذره بالخطر القادم طالبا منه الإسراع بالعودة لئلا يقعا في قبضة الأعداء..؟!
إلا أن الحمار لم يكترث لتحذير سيده أو يهتم لذلك؟! فبقي على ما هو عليه غير آبهٍ بالنتائج, فاستغرب السيد وهو في عجلة من أمره ذلك, حيث لم يكن يفكر حينها إلا بالهروب والخلاص, ومع شدة الاستغراب والعجلة في الهروب, إلا أنه سأل الحمار عن سبب استسلامه, والانهيار التام لمعنوياته, ووبخه قائلا: ألا تخشى أن يدركنا العدو, فتقع في قبضتهم؟ عندها خاطبه الحمار قائلا: قل لي يا سيدي ماذا سيحدث لي لو وقعت في أيدي المنتصرين؟ هل سيرغمونني على نقل أحمال أثقل مما تفعل أنت؟ وهل ستكون حياتي عندهم أفضل حالا من عندك؟! فوجئ السيد بهذا السؤال, من هذا الحمار!! فكر لحظة ثم قال: كلا, لا أظن ذلك يا حماري يا مصدر أرزاقي!! بعد ذلك صاح به الحمار قائلا: إذن سيدي العزيز ليس هناك ما يستوجب السرعة والهرب, ولا الفرح أو الغضب, ولا البكاء على سيد مضى, وسيد حضر, ما دام الأمر بالنسبة لي لن يتغيّر, وحالي لن يكون أفضل.
يقول المنفلوطي:" كما أن النار لا تطفئ النار, وشارب السم لا يعالج بشربه مرة أخرى, ومقطوع اليد اليمنى لا يعالج بقطع اليد اليسرى, كذلك لا يعالج الشرُّ بالشرّ, ولا يمحى الشقاء في هذه الدنيا بالشقاء."ِ