إحياء علوم الدين.
نستلهم العنوان من الإمام "أبو حامد الغزالي" ومَأْرَبنا هو مقابلته مع العبارة الشائعة (تجديد الخطاب الديني( فلنضع العبارتين (إحياء علوم الدين) و (تجديد الخطاب الديني) ، تحت عدسة النظر ومنظار الفكر. أما (إحياء علوم الدين) فهو جهد فَرْد ، عالم من علماء المسلمين ، نشأ في القرن الخامس الهجري ، في مرحلة ضعف الخلافة العباسية. تجول الإمام في ربوع العالم الإسلامي ووقف علي حالة أمة بعدت عن فهم دينها ، وانحرفت عن رسالتها ، وهيأت أرضها لغزو أعدائها . ففي هذا العصر عاني العالم الإسلامي من الغزو الصليبي ، وظهور الفرق الباطنية المنحرفة ، وانشغال العالم الإسلامي بصراعات مذهبية أغرقته في مسائل فرعية. علم أن سفينة نجاة الأمة هو دينها ، فنذر نفسه لإحياء علوم الدين. لم يقف عند ظاهر العبادات بل تحدث عن أسرارها وما تطبعه في سلوك المسلم ، لم يحصر الإسلام في دائرة العبادات بل أخرجه لحياة الناس فيما يتعاطونه من عادات وممارسات يومية. توسع في شرح عجائب القلب ورياضة النفس وتزكية الخُلُق بشرح (المُنجيات) التي تحث علي كل خلق محمود ، و(المُهلكات) التي تحذر من كل خلق مذموم. هذا عطاء فرد من أفراد الأمة رزقه الله الإخلاص ونور البصيرة ، فسعي في إحياء علوم الدين ، فشكر الله له هذا المسعى ونشر ثمرة سعيه وأعلي مقامه وذِكْرَه في الوَرَي. أما مايسمونه (تجديد الخطاب الديني) فكان ثمرة من ثمرات حملة مكافحة الإرهاب والذي أصبح مُفَصَّلاً ومُجَسَّماً علي الإسلام السني دونما عَداه. فأصبح مطلوباً من المقتول المُشرَد أن يعلن براءته من تهمة التطرف بتجديد خطاب يعبر عن إسلام جديد بعيد عن تطرف دخول الدين في حياة الناس سياسة واقتصادا وعادات وتربية وأخلاقاً ، إسلام منزوع القوة لا يعرف جهاداً ولا مقاومةً ولا حتي استعداداً. مطلوب من الخطاب الجديد تدجين الأمة لتدخل حظيرة الخنوع والاستسلام طائعة راضية . تخيل لو أن هذه الجوقة من كل من هب ودب ممن ينظرون لعصا المايسترو ويرددوا (تجديد الخطاب الديني) امتلكوا مِسْحَة من علم وإخلاص ووعي الإمام "الغزالي" واستثمروا تلك الإمكانات الإعلامية والثقافية الهائلة لإحياء علوم الدين. إحياءً يزيل هذا الفصام النَكِد بين الجامع والشارع ، بين العبادة والسلوك ، بين القول والفعل .. بين الدين والحياة. إحياءً يزيل فوارق المذاهب واللغات والأجناس والحدود ليعيدنا أمة واحدة. إحياءً تتحرر به الأمة من فقه مرحلة الاستضعاف الذي اتسم بالخنوع ومهادنة الظالمين ، إلي فقه وفكر يقود مراحل اليقظة ثم المَنَعَة وصولاً للريادة وأداء الرسالة. نعود من التخيل إلي الواقع لنجد أنفسنا أمام حقيقة : إن الذين رَعَوا تجهيل الشعوب ومسخ هويتها والحيلولة دون حريتها ودينها لن يسمحوا للتراث الإسلامي العظيم الذي أصبح راكداً أن يظهر إلي الوجود ويصبح حراً ويبعث الحياة والحرية والمعرفة والشعور بالمسئولية. سيحاربون (إحياء علوم الدين) وسيسفهون ويحاربون كل مخلص يلقي بسهم في هذا السبيل ، وسيروجون دجل وشعوذة وسطحية (تجديد الخطاب الديني. ( )وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ . فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ.(