نبيل فهمي ونبيل عثمان
"العلاقة بين مصر وبريطانيا زواج كاثوليكي لا طلاق فيه"، في 7 فبراير 1940، وقف أمين عثمان، وزير المالية المصري وقتها، يلقي خطبة في حفل خريجي كلية فيكتوريا في مصر، وتابع في حديثه عن الإنجليز، فكان تربطه علاقة صداقة وطيدة بهم، بقوله: "الزوجة تستدرج الزوج حتى تنال منه مطالبها"، وذلك حسب شهادة مصطفى النحاس باشا، التي تؤكدها المراجع التاريخية.
في 2014.. فهمي: علاقة مصر بأمريكا "زواج شرعي وليس نزوة"
أمين عثمان، تناول في خطابه العلاقة بين مصر وبريطانيا في شكل ثلاثة أنواع من الزيجات، وفقًا لما وثّقه أهم مؤرخي تلك الفترة عبدالعظيم رمضان، في كتابه عن أمين عثمان، والذي تناول فيه ما نشرته "الأهرام" عنه، في عدد تاريخي يرجع إلى 8 فبراير 1940، كان يحمل النص الكامل لكلمته، التي وصف فيها العلاقة بين مصر وإنجلترا في ثلاثة أنواع من الزيجات، "زواج الغزو وزواج العقل وزواج الحب"، كما نشرت الجريدة نص كلمته التي أثارت غضب الشعب المصري وقتها، وهي: "أرادت إنجلترا أولًا أن تتزوج عن طريق الغزو، فلم تسعد الزوجة وكانت ثورة وطلاق، والثاني عن طريق العقل بمعاهدة 1936، ولكن زواج العقل لم يعجبنا نحن خريجي كلية فيكتوريا، فنحن نؤمن بزواج الحب، ولعل بعضنا يغضب لأني شبهت مصر بامرأة وإنجلترا برجل، ولكني أفضل هذا التشبيه، فالمرأة دائمًا تأخذ من الرجل خير ما عنده نحن وسطاء الغرام أن نقول للرجل قل لها إنك تحبها، ونحن نقول للإنجليز نحن حلفاؤكم لا لأننا وقّعنا المعاهدة، ولكن لأننا نعتقد أنكم تحاربون لنفس الغرض الذي نسعى إليه وهو تحقيق العدالة، بل إننى سأذهب إلى أبعد من ذلك وأقول كنا سنؤيد الإنجليز لو لم يحاربوا من أجل الحق لأن زواجنا بهم زواج كاثوليكي، أي لا طلاق فيه، ويتهمنا بعض الناس أننا أنصار الإنجليز وأقول إننا نحن طلبة فيكتوريا القدماء نحب مصر أولًا ونحب إنجلترا ثانيًا، ولكن إذا اختفت المصلحتان فمصلحة مصر أولًا وأخيرًا ولكن من حسن الحظ أن مصلحتنا واحدة، وأننا نذكر أعمالكم في مصر بالخير، وصحيح أنكم ارتكبتم أخطاء، ولكن جل من لا يخطئ".
"عثمان": إنجلترا تزوجت مصر 3 زيجات.. وأفضّل تشبيه مصر بـ"امرأة"
دوافع أمين عثمان، لهذه الكلمة وقتها كانت كثيرة، فقد نشأ منذ صغره في أحضان التعليم الإنجليزي في مصر، ثم أكمل تعليمه في جامعات إنجلترا، فدرس القانون بجامعة أكسفورد بإنجلترا عام 1920، وتزوّج من الليدي كاترين جريجوري البريطانية، وكانت تربطه علاقة وطيدة بالإنجليز، فقام بدور ضابط الاتصال أو الوسيط بين النحاس والسفارة البريطانية، وفي 15 فبراير عام 1937، حصل على رتبة الباشاوية بمناسبة إبرام معاهدة الصداقة والتحالف بين مصر وبريطانيا المعروفة بمعاهدة 1936، ووصفته وثائق بريطانية بأنه كان مواليًا جدًا للبريطانيين، ولكن أقواله وتصريحاته استفزت مشاعر المصريين وقتها، ورسّخت لعلاقة التبعية لإنجلترا.
وبعد مرور ما يقرب من 74 عامًا، ومرور 3 ثورات مصرية شعبية، بدأت في 23 يونيو 1952 وانتهت بـ30 يونيو 2013، و4 حروب بدأت بحرب فلسطين وانتهت بحرب أكتوبر 1973، خرج علينا السفير نبيل فهمي، وزير الخارجية الحالي، بالأمس القريب، ليعيد علاقة التبعية، ولكن هذه المرة مع أمريكا، عندما أكد في مقابلة مع الإذاعة العامة الوطنية الأمريكية في واشنطن، أن "مصر تولي أهمية كبرى لعلاقاتها طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، بالرغم من التوترات التي شابت مؤخرًا العلاقة بين القاهرة وواشنطن"، مشبهًا العلاقة بين مصر والولايات المتحدة بـ"علاقة زواج شرعية وليست بالنزوة"، في موقف غير مفهومة دوافعه، خاصة بعد أن تخلّصت مصر من التبعية للولايات المتحدة التي بدأت تتوطد بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وقول الرئيس الراحل أنور السادات عبارته الشهيرة بأن "99% من قواعد اللعبة في يد أمريكا"، وعصر حسني مبارك، ومن بعدهما محمد مرسي وجماعة الإخوان، من خلال ثورة 30 يونيو، ورفض مصر للتدخل الأمريكي في شؤونها، وضربت بموقف أمريكا الداعم للإخوان عرض الحائط.
"فهمي" خالف مبادئ والده الذي رفض "كامب ديفيد" والتبعية لواشنطن
"نبيل فهمي"، الذي تخرّج من جامعتها بالقاهرة، وهو حاصل على بكالوريوس الهندسة، وعمل كسفير لمصر في واشنطن، وعميد لكلية العلاقات العامة في الجامعة الأمريكية في القاهرة، وقع في خطأ كبير أثار الرأي العام المصري، ليتخذ أمين عثمان قدوة له، بدلًا من أن يتخذ والده إسماعيل فهمي، وزير الخارجية المصري الأسبق مثلًا أعلى في مواقفه، عندما استقال رفضًا لزيارة "السادات" لإسرائيل ولإجراء مفاوضات كامب ديفيد، وقال وقتها: "أعتقد أن هذا سيضر بالأمن القومي المصري، وسيضر علاقتنا مع الدول العربية الأخرى، وسيدمّر قيادتنا للعالم العربي"، التي جعلها نجله تبعية لأمريكا بزواج يعتقده شرعيًا، رغم أن جميع الشهود رافضين لهذا "الزواج الباطل".