ما عند الله خير ..ونحن على الحق المبين..والله نسأل ان يثبتنا على الحق وأن يعجل بنصره.
أخوتي وأخواتي، أصدقائي وأبنائي وبناتي، أعلم ان البعض منكم أصيب بنوع من الاحباط بعد تنصيب القاتل السفاح، ولكنني أقول لكم، والله الذى لا إله إلا هو إن هذه فى تقديري بشري خير ومدعاة للتفاؤل واقتراب النصر، ولنراجع معا قصة قارون لنستخلص منها العظة والعبرة. يقول الحق تبارك وتعالي:
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)
وهكذا وقفت طائفة منهم أمام فتنة الحياة الدنيا وقفة المأخوذ المبهور المتهاوي المتهافت , ووقفت طائفة أخرى تستعلي على هذا كله بقيمة الإيمان , والرجاء فيما عند الله , والاعتزاز بثواب الله . والتقت قيمة المال وقيمة الإيمان في الميزان:
قال الذين يريدون الحياة الدنيا:ياليت لنا مثل ما أوتي قارون . إنه لذو حظ عظيم . .
وفي كل زمان ومكان تستهوي زينة الأرض بعض القلوب , وتبهر الذين يريدون الحياة الدنيا , ولا يتطلعون إلى ما هو أعلى وأكرم منها ; فلا يسألون بأي ثمن اشترى صاحب الزينة زينته ? ولا بأي الوسائل نال ما نال من عرض الحياة الدنيا من مال أو منصب أو جاه . ومن ثم تتهافت نفوسهم وتتهاوى , كما يتهافت الذباب على الحلوى ويسيل لعابهم على ما في أيدي هؤلاء من متاع , غير ناظرين إلى الثمن الباهظ الذي أدوه , ولا إلى الطريق الدنس الذي خاضوه , ولا إلى الوسيلة الخسيسة التي اتخذوها .
فأما المتصلون بالله فلهم ميزان آخر يقيم الحياة , وفي نفوسهم قيم أخرى غير قيم المال والزينة والمتاع . وهم أعلى نفسا , وأكبر قلبا من أن يتهاووا ويتصاغروا أمام قيم الأرض جميعا . ولهم من استعلائهم بالله عاصم من التخاذل أمام جاه العباد . وهؤلاء هم (الذين أوتوا العلم). العلم الصحيح الذي يقومون به الحياة حق التقويم:
(وقال الذين أوتوا العلم:ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا , ولا يلقاها إلا الصابرون).
ثواب الله خير من هذه الزينة , وما عند الله خير مما عند قارون . والشعور على هذا النحو درجة رفيعة لا يلقاها إلى الصابرون . . الصابرون على معايير الناس ومقاييسهم . الصابرون على فتنة الحياة وإغرائها . الصابرون على الحرمان مما يتشهاه الكثيرون . وعندما يعلم الله منهم الصبر كذلك يرفعهم إلى تلك الدرجة . درجة الاستعلاء على كل ما في الأرض , والتطلع إلى ثواب الله في رضى وثقة واطمئنان .
الدرس الثالث:81 - 82 الخسف بقارون وماله
وعندما تبلغ فتنة الزينة ذروتها , وتتهافت أمامها النفوس وتتهاوى , تتدخل يد القدرة لتضع حدا للفتنة , وترحم الناس الضعاف من إغرائها , وتحطم الغرور والكبرياء تحطما . ويجيء المشهد الثالث حاسما فاصلا:
(فخسفنا به وبداره الأرض , فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله , وما كان من المنتصرين).
هكذا في جملة قصيرة , وفي لمحة خاطفة: (فخسفنا به وبداره الأرض)فابتلعته وابتعلت داره , وهوى في بطن الأرض التي علا فيها واستطال فوقها جزاء وفاقا . وذهب ضعيفا عاجزا , لا ينصره أحد , ولا ينتصر بجاه أو مال .
وهوت معه الفتنة الطاغية التي جرفت بعض الناس ; وردتهم الضربة القاضية إلى الله ; وكشفت عن قلوبهم قناع الغفلة والضلال . وكان هذا المشهد الأخير:
وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون:وي ! كأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر . لولا أن من الله علينا لخسف بنا . وي ! كأنه لا يفلح الكافرون . .
وقفوا يحمدون الله أن لم يستجب لهم ما تمنوه بالأمس , ولم يؤتهم ما آتى قارون . وهم يرون المصير البائس الذي انتهى إليه بين يوم وليلة . وصحوا إلى أن الثراء ليس آية على رضى الله . فهو يوسع الرزق على من يشاء من عباده ويضيقه لأسباب أخرى غير الرضى والغضب . ولو كان دليل رضاه ما أخذ قارون هذا الأخذ الشديد العنيف . إنما هو الابتلاء الذي قد يعقبه البلاء . وعلموا أن الكافرين لا يفلحون . وقارون لم يجهر بكلمة الكفر..فما بالك بمن قال أن كل شيء لا يرضي ربنا سوف ندعمه ونؤيده!! لا تسيئوا الظن بالله ..فالنصر قادم بإذن الله.