#ضمير_مستتر مشاعر ابنة يتيمة في عيد الأم
وسط حالة السخرية التي سادت الفيس بوك أمس بخصوص الأم المثالية ...انتابتني حالة من الشجن ورجعت بالذكريات لسنوات مضت ...لأتذكر أم لا يعرفها الأعلام ولم تكتب عن الصحافة لا يعرفها غير الوسط الضيق الذي كانت تعيش فيه ....أحبت زوجها بجنون ...أحبته حياً وميتاً عشقته لدرجة أنه وبعد عشرين عاماً من وفاته لم تشعر أبنائها يوماً بغيابه فكان الغائب الحاضر بينهم
وتفانت في تربية أولادها بحب وحنان ورحمة لم تعرف الشدة ولا العقاب كانت بالغة الرقة والعطف على الجميع ومع الجميع حتى بعد أن ابتلاها الله بمرض ابنتها وطافت بها مستشفيات مصر كلها طولاً وعرضاً حتى توفاها الله في الثامنة عشر من عمرها ،صبرت واحتسبت وازدات صلابة وتصميم لتكمل الطريق حاملة عبء ابنائها ووالدتها المسنة .
أبداً لم تشعرنا بأننا حمل ثقيل على كاهلها بل كانت تشكر الله على وجودنا في حياتها كانت كخيط من حرير يربط الجميع دون أن يقيد حركتهم أو حريتهم
في صبر وحب وابتسامة دائمة كانت تسير في ضربها وكأنها في مهمة تود انهائها بسرعة واتقان .
وكأن عبء أولادها لم يكفها فحملت عبء أمها وأخيها وجيرانها وأصدقائها وحتى الباعة في الشارع كانت مسؤولة عن استخراج بطاقة لهذا والسعي لعمل معاش لتلك وجمع تبرعات لهذه والبحث عن فرصة عمل لآخر
كانت أمي مؤسسة اجتماعية كاملة تزيد مع الكفاءة والإخلاص في العمل البسمة المشرقة والضحكة التي لا تفارق وجهها في أحلك الظروف
الغريب أن أمي لم تكره أحد طوال عمرها ولم تعتب على أحد كان الجميع معذورون في نظرها " الله يعين الناس يا بنتي ، والله الدنيا صعبه "
حتى عندما كانت تتعرض للنصب بعد أن عُرف عنها طيبتها كانت تضحك وهي تروي لنا كيف أن أحد الباعة كان يأخذ منها راتب شهري بحجة ابنته المريضة ثم اكتشفت اليوم انه غير متزوج .
وأكثر من كان يشهد لها زوجة ابنها وازواج بناتها الذين كانوا أشد حباً لها منا وكانت دائما ما تقف في صفهم وكأنهم هم ابنائها وترانا نحن المخطئون دوماً
كانت صديقة لنا وطفلة مع ابنائنا فظن كل منهم أنه حفيدها المفضل وكان لكل حفيد منهم اسم خاص تناديه بها للدلال ولا تسمح بعقابهم أو اغضابهم لأي سبب كان وتشعر كل منهم أنه الاجمل والافضل والاقرب لقلبها في ذكاء غريب
كبرنا ....وظللنا صغاراً نعتمد عليها في كل شؤوننا من أصغرها لأكبرها وكأن لدينا طفولة متأخرة مازالت "ماما" هي كل شيء والمسؤولة عن كل شيء وأي شيء في حياتنا...كانت "ماما" هي سوبر مان ..وحلاّل العقد ..والعصا السحرية
اكملت رحلتها بسرعه غريبة وكأن هناك من ينتظرها ...وفجأة... وبلا مقدمات ولا مبررات ....انسحبت من حياتنا أثناء زيارتها لإحدى اخوات زوجها والأقرب لقبلها في الطريق داهمتها أزمة قلبية ..........ولم تعد
لم تسنح الظروف لنا أو لغيرنا أن نرد دينها في رقبتنا لم تمهلنا هي ولا الحياة ان نرد لها ولو بعضا من جميلها ....حتى ابنتها المقيمة في دولة عربية لسنين طويلة والتي تمنت ان تزورها لأداء العمرة ..كانت ترفض بحجة أنها لاتستطيع ترك امها المسنه بمفردها ..حتى رحلت للأبد وتركت هي أمها المسنة .
بحثنا في دفاترها وأورقها لنسد مديونياتها كانت مليئة بأسماء أناس نعرفهم وأناس لا نعرفهم كلهم "مدينون" لها .. ..رحلت أمي من الدنيا دااااااااااائنة لنا وللجميع
وبعد سنوات وسنوات من رحيلها ..مازلت أكره الشتاء وأخاف من الظلام...
بعد سنوات وسنوات ورغم كل من حولي من زوج وأبناء وأهل وأصدقاء مازلت أشعر أن هناك ركن بارد موحش في قلبي لاتستطيع شموس العالم كله أن تدفئه
#شبكة_صوت_الحرية