من الأيام المفرحة لدى عموم المسلمين وعند الشيعة خاصة هو يوم زواج علي بن أبي طالب من فاطمة بنت محمد رسول الله –صلواة الله وسلامه عليهم- في اليوم الأول من شهر ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة. وقد سُمّي بزواج النورَين نظرًا لأن علي وفاطمة من أعظم الشخصيات الإسلامية وأفضل الخلق بعد رسول الله –صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-.
كان الإمام علي –عليه السلام- في السنة الأولى من الهجرة النبوية ابن أربع وعشرين سنة، وكانت فاطمة الزهراء –عليها السلام- قد بلغت يومئذ التاسعة من عمرها الشريف بناءًا على أن ولادتها كانت في السنة الخامسة بعد البعثة(1). أي أنها تصغر الإمام علي –عليه السلام- بـ 15 سنة، وهي بنت رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- ولها المنزلة الرفيعة الزاخرة بالفضائل الإنسانية، والخصائص الملكوتية السامية، وقد أثنى عليها أبوها مرارًا وتكرارًا، وسمّاها بَضْعَتَه.
فعن النبي قال: فبينا صلّيت يوم الجمعة صلاة الفجر، إذ سمعت حفيف الملائكة، وإذا بحبيبي جبرئيل ومعه سبعون صفّاً من الملائكة مُتوّجين مُقرّطين مُدَملجين، فقلت: ما هذه القعقعة من السماء يا أخي جبرئيل؟ فقال: يا محمد إن الله –جل وعلا- أطّلع على الأرض إطّلاعةً فاختار منها من الرجال عليًا، ومن النساء فاطمة، فزوّج فاطمة من علي. فرفعت فاطمة رأسها وتبسّمت... وقالت: رضيت بما رضي الله ورسوله(2).
قال أنس: أقبل علي فتبسم النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- ثم قال: «يا علي، إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة، فقد زوجكها على أربعمائة مثقال فضة إن رضيت». فقال علي: قد رضيت يا رسول الله فقال رسول الله: بارك الله عليكما وفيكما وأسعدكما وأخرج منكما الكثير الطيّب. قال أنس: فوالله لقد خرج منهما الكثير الطيّب(3).
رغم أن العديد من الصحابة الأجلّاء قد خطبوا السيدة فاطمة الزهراء –عليها السلام- إلّا أن النبي -صلى الله تعالى عليه وآله وسلّم- أبى ذلك إلّا أن ينتظر أمر الإله فيها الذي رضي بزواجها من علي –عليه السلام-.
فقد روى ابن الأثير بسنده عن أبي إسحاق عن عن علي قال: خطب أبو بكر وعمر -يعني فاطمة الى رسول الله- فأبى رسول الله عليهما، فقال عمر: أنت لها ياعلي، فقلت: مالي من شيء إلّا دِرعي أرهنها. فزوّجه رسول الله فاطمة. فلما بلغ ذلك فاطمة بكت، قال: فدخل عليها رسول الله فقال: مالكِ تبكين يافاطمة، فوالله، فقد أنكحتكِ أكثرهم علمًا، وأفضلهم حلمًا، وأوَّلَهم سلمًا(4).
من روايات الفريقَين: عن بريدة قال: خطب أبو بكر فاطمة فقال رسول الله: (إنها صغيرة وإنّي أنتظر بها القضاء). فلقيه عمر فأخبره فقال: ردَّك، ثم خطبها عمر فردَّه(5).
عن عبدالله بن بريدة عن أبيه قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة، فقال رسول الله: (إنها صغيرة) فخطبها علي فزوّجها منه(6).
زواجهما في السماء..
قال ابن أبي الحديد: وإن إنكاحه عليّاً إيّاها ما كان إلاّ بعد أن أنكحه الله تعالى إيّاها في السماء بشهادة الملائكة(7).
وعن ابن مسعود عن رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلّم- أنه قال: إن الله أمرني أن أزوّج فاطمة من علي(8).
وروي عن عمر بن الخطاب قال: نزل جبرئيل فقال: «يا محمد إن الله يأمرك أن تزوج فاطمة ابنتك من علي(9).
روي عن أم سلمة وسلمان الفارسي وجابر: لمّا أراد رسول الله أن يزوج فاطمة علياً قال له: (اخرج يا أبا الحسن إلى المسجد فإني خارج في أثَركَ، ومزوّجك بحضرة الناس، وذاكرٌ من فضلك ما تقُرُّ به عينُك...) .
قال علي: فواللهِ ما توسّطناه حتى لَحِقَ بنا رسول الله، وإنّ وجهَهُ ليتهللَ فرحاً وسروراً)(10).
------------------------------------------------------------
(1) الشيخ الكليني ،الكافي، ج ١، ص ٤٥٧ ـ 458 ح ١٠.
(2) القمي، الروضة في المعجزات والفضائل، ص 128.
(3) الطبري، ذخائر العقبى، ص 41 ــ الكنجي الشافعي، كفاية الطالب، ص 298 باب 78 ــ ابن شهر آشوب ، مناقب آل أبي طالب ،ج3، ص351.
(4) ابن الأثير، أسد الغابة، ج5، ص520.
(5) ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج8.
(6) ابن حنبل ، فضائل الصحابة، ج2، ص 614. النسائي، سنن النسائي، ج6، ص62 . الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج2، ص1267. محمد بن سعد، الطبقات الكبرى، ج8، ص19.
(7) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج9، ص193 في ترجمة عائشة.
(8) الهيثمي، مجمع الزوائد، ج9، ص202.
(9) الطبري، ذخائر العقبى، ص169. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج9، ص193.
(10) الخوارزمي، المناقب، برقم 364، ص 342 ـ 347. الطبري، دلائل الإمامة، حديث 24، ص 88 ـ 91 .