العسكريون والحكم - بقلم : الإمام محمد الغزالي 1917م - 1996م
هذه القضية يوجس الناس خيفة من الحديث فيها أو التعرض لها ، قضية استيلاء العسكريين علي أغلب الوظائف المدنية العليا ، وحرمان الجيش من تجاربهم ومواهبهم التي تكونت لديهم علي ألمدي الطويل ، مع أن الأمة العربية تواجه عدوا ماكرا ماهرا يضاعف استعداده للبطش بها وفرض نفسه عليها ..
إن العرب والحالة هذه ، محتاجون إلي رجال يجيدون صناعة الموت والفداء، وينظرون إلي الجيش نظرة الصياد إلي البحر ، والفلاح إلي الحقل ، والعابد إلي المحراب بل نظرة الطائر إلي الجو يحلق فيه ويروح ويغدو في آفاقه ..
ولا مساغ أبدا لنقل الضابط من العمل الذي له كي يكون مدير (بنك) أو رئيس شركة أو حاكم إقليم أو نائب وزير ،،، ألخ
إن الجيوش العربية تحتاج إلي خبراء محترفين في فن القتال وقد اتسعت في هذا العصر ميادين الكفاح العسكري واستبحرت الثقافات البرية والبحرية والجوية استبحار تنوء الكواهل الصلبة ، ويتطلب مجموعة من العبقريات العظيمة ذلك فضلا عن الجهود التي يجب توفرها للتدريبات والمناورات وملاحقة الجديد من الكشوف والمخترعات.!
وأحسب أن شغل العسكريين بغير مهامهم العظمى هو بعض الأسباب الكامنة وراء هزيمة 1967 التي مرغت العرب في الأوحال .
وقد شعرت بإعجاب كبير عندما نوقشت رسالة علمية في كلية التجارة بجامعة أسيوط عنوانها ،، العسكريون ودورهم في الحكم العالم الثالث مع التطبيق علي مصر من 1952 إلي 1970 ،
فالقضية كان لابد من إثارتها واستبانة النتائج الحزينة التي تقترن بها ، ومن الجبن ترك الأخطاء تقع دون تصويب أو ترك الخطيئات تقع دون إنكار ..
كما انى تتبعت بالرضا والإكبار قول الدكتور أحمد عامر أستاذ العلوم السياسية وعميد كلية التجارة بجامعة قناة السويس ( إن بعض الحكام العسكريين لم يفعلوا شيئا من أجل التنمية الاقتصادية أو دفع مسيرة الديقراطية ، وإن المشكلات الداخلية في عهدهم تفاقمت وزادت عما كانت عليه أيام الاستعمار الأجنبي) ..
من المؤسف أن يكون الحكم وسيلة لتحقيق مآرب خاصة ، وأن تكون الوظائف مغنما لا عبئا ثقيلا ، أو كما يعبر البعض تشريفا لا تكليفا ..
وقد انتهت هذه الأيام بيد أن عبرتها باقية ، وعلينا أن نختار
للمناصب مدنية كانت أو عسكرية من يعبدون الله بتوليها ، ومن يتصببون عرقا وهم يباشرون أداءها ..
وأن ننظر للجيش خاصة علي أنه درعنا الواقية وسياج حياتنا الخاصة والعامة ، فنمنحه أثمن ما نملك من قوي مادية وأدبية .
-----------------------
المصدر | انظر " الحق المر " للشيخ محمد الغزالي ، ج 3 ، ص 201 - 202 ، ط 4 ، 2005 ، دار نهضة مصر ، القاهرة
#شبكة_صوت_الحرية #انتخبو_العرص