دولة فرسان مالطة
‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘
موضوع كبير بس مهم جدااااااااااااااااااا
في منطقة وسط القاهرة وتحديداً في شارع هدى شعراوي سفارة فريدة غريبة، تثير الدهشة، بل والذهول، فهي لا ترفع علمًا كبقية السفارات ولا يحرسها رجال الأمن المسلحون كما هو معهود… اسمها "سفارة فرسان مالطة" هكذا كتب بالعربية على لوحة نحاسية في مدخل السفارة، وفي نفس اللوحة كتب بالفرنسية:“Ambassade De L’ordre souveraine ET Militaire De Malte”أو بالإنجليزية: SOVEREIGN MILITARY ORDER OF MALTA
وترجمتها الحرفية "سفارة النظام العسكري ذو السيادة المستقلة لمالطة"! هل هي سفارة دولة مالطة في القاهرة؟ أجابت موظفة الاستعلامات : لا ، هي سفارة فرسان مالطة، هل هناك دولة بهذا الاسم؟ أين تقع؟ ما حكاية هذه السفارة؟ وهذا الاسم المثير؟ وماذا تعمل في مصر؟ ومنذ متى ؟… عبثًا حاولت الحصول على إجابة .- عرفت أن السفارة بدأت في القاهرة عام 1980 وأن هذه الدولة هي من بقايا الحروب الصليبية البائدة ومقرها داخل الفاتيكان ،وأنها امتداد لما كان يسمى (فرسان الهوسبتاليين) الصليبيين ، وأن نشاطها – الآن- أصبح يقتصر علي الأعمال الخيرية والتبرعات وأن هناك أربع دول عربية تعترف بها وليس مصر وحدها .
ولكن الإجابة الشافية عن تاريخ هذه الدولة (أو الدويلة) لم أحصل عليها إلا من بطون الكتب، ودوائر المعارف العالمية، وسؤال أهل العلم، فكانت رحلة شاقة، وعميقة في متاهات تاريخ العصور الوسطى ، والحروب الصليبية !!
الجذور في مدينة القدس!بدأ ظهور فرسان مالطة عام 1070م، كهيئة خيرية، أسسها بعض التجار الإيطاليين، لرعاية مرضى الحجاج المسيحيين، في مستشفى (قديس القدس يوحنا) قرب كنيسة القيامة ببيت المقدس ، وظل هؤلاء يمارسون عملهم في ظل سيطرة الدولة الإسلامية ، وقد أطلق عليهم اسم "فرسان المستشفى" Hospitallers تمييزاً لهم عن هيئات الفرسان التي كانت موجودة في القدس آنذاك مثل "فرسان المعبد" و"الفرسان التيوتون"…الخ ، إلا أنهم ساعدوا الغزو الصليبي فيما بعد .
وكان التزايد الكبير في أعداد الحجاج المسيحيين إلى مدينة القدس قد تزايد في بداية القرن الحادي عشر لاتجاه بعض التجار الإيطاليين للحصول على حق إدارة الكنيسة اللاتينية من حكام المدينة المسلمين، وكان يلحق بهذه الكنيسة مستشفى للمرضى والحجاج يسمى مستشفى "قديس القدس يوحنا" كذلك استطاع تجار مدينة "أما لفي" 1070م تأسيس جمعية خيرية في بيمارستان قرب كنيسة القيامة في بيت المقدس للعناية بفقراء الحجاج، ومن اسم المستشفى أطلق عليهم اسم فرسان المستشفى أو (Hospitallers) التي حرفت إلى (الاسبتارية) في اللغة العربية، ولم يلبث أولئك الاسبتارية أن دخلوا تحت لواء النظام الديري البندكتي المعروف في غرب أوروبا، وصاروا يتبعون بابا روما مباشرة بعد أن اعترف البابا (باسكال الثاني) بتنظيمهم رسميًا في 15 فبراير 1113 م، وهكذا أصبح نظامهم يلقى مساندة من جهتين: تجار (أمالفي) وحكام (البروفانس) في فرنسا.
وعندما قامت الحروب الصليبية الأولى 1097 م وتم الاستيلاء على القدس أنشأ رئيس المستشفى (جيرارد دي مارتيز) تنظيماً منفصلاً أسماه "رهبان مستشفي قديس القدس يوحنا" وهؤلاء بحكم درايتهم بأحوال البلاد قدموا مساعدات قيمة للصليبيين وخاصة بعد أن تحولوا إلى نظام فرسان عسكريين بفضل ريموند دو بوي (خليفة مارتينز) الذي أعاد تشكيل التنظيم على أساس عسكري مسلح باركه البابا (أنوست الثاني) 1130، حتى قيل : إن الفضل في بقاء مدينة القدس في يد الصليبيين واستمرار الحيوية في الجيوش الصليبية يعود بالأساس إلى فرسان الاستبارية أو الهوسبتاليين بجانب فرسان المعبد (Templars).
وقد كان تشكيل تنظيم الهوسبتاليين ينقسم إلى ثلاث فئات:
(فرسان العدل) الذين هم من أصل نبيل (نبلاء) وأصبحوا فرساناً.
(القساوسة) الذين يقومون على تلبية الاحتياجات الروحية للتنظيم.
(إخوان الخدمة) وهم الذين ينفذون الأوامر الصادرة إليهم.
وهذا فضلا عن الأعضاء الشرفيين ويسمون الجوادين (Danats)) الذين يساهمون بتقديم الأموال والأملاك للتنظيم وبفضل عوائد هذه الأملاك وكذلك الهبات والإعانات (عُشر دخل كنائس بيت المقدس كان مخصصًا لمساعدة فرسان القديس يوحنا) أخذ نفوذ الفرسان ينمو ويتطور حتى أصبحوا أشبه بكنيسة داخل الكنيسة.
الفرسان بلا مأوى!بعد هزيمة الصليبيين في موقعة حطين عام 1187 م على يد صلاح الدين الأيوبي هرب الفرسان الصليبيون إلى البلاد الأوروبية.
وبسقوط عكا 1291 م وطرد الصليبيين نهائيًا من الشام اتجهت هيئات الفرسان إلى نقل نشاطها إلى ميادين أخرى ؛ فاتجه الفرسان (التيوتون) نحو شمال أوروبا حيث ركزوا نشاطهم الديني والسياسي قرب شواطئ البحر البلطيكي، ونزح (الداوية) أو فرسان المعبد إلى بلدان جنوب أوروبا وخاصة فرنسا حيث قضى عليهم فيليب الرابع فيما بعد (1307: 1314 م) أما فرسان الهوسبتالية (الذين ظل وجودهم حتى اليوم ) فقد اتجهوا في البداية إلى مدينة صور ثم إلى (Morgat) أو المرج ( في ليبيا حاليًا) ومنها إلى عكا ثم (ليماسول) في قبرص 1291م.
ومن قبرص استمروا في مناوشة المسلمين عن طريق الرحلات البحرية ومارسوا أعمال القرصنة ضد سفن المسلمين ، إلا أن المقام لم يطب لهم هناك فعمد رئيسهم (وليم دي فاليت) للتخطيط لاحتلال (رودس) وأخذها من العرب المسلمين وهو ما قام به أخوه وخليفته (توك دي فاليت) في حرب صليبية خاصة (1308 - 1310) ليصبح اسم نظام الفرسان الجديد يسمى (النظام السيادي لرودس) أو (النظام السامي لفرسان رودس).
وفي (رودس) أنشأ تنظيم الهوسبتاليين مراكزه الرئيسة وازدادت قوته ونفوذه خاصة بعد أن تم حل تنظيم فرسان المعبد وآلت بعض ثرواته للهوسبتاليين.
ولأن أرض (رودس) كانت بمثابة نقطة استراتيجية هامة، فقد عمد الأتراك المسلمون بدورهم للاستيلاء عليها خصوصا مع تزايد قرصنة الصليبيين لسفنهم وذلك بعد حصار وضغط متواصلين (أهم حصارين 1310، 1480) مما أجبر رئيسهم (فيليب ري ليل آدام) على الاستسلام في 1522 والهجرة عن الجزيرة في أول يناير 1523 بين عدة مدن منها: (سيفليل إسبانيا) و(كاندي سيلان) و(روما إيطاليا) ، الي أن منح الملك (شارك كنت) للهوسبتاليين السيادة على جزيرة مالطا في 24 مارس 1530.
وبجانب سيادتهم على مالطا ـ بوثيقة (شارك كنت) ـ كانت لهم السيادة كذلك على عدة جزر مثل (دي جوزوا- (De Jozo و(كومين - (Comino بجانب مدينة طرابلس (التي كانت تتبع عرش صقلية). وقد صدق البابا (كليمنت السادس) على ذلك في 25 إبريل 1530 ومن ثم أصبح النظام يمتلك مقرًا وأقاليم جديدة أدت إلى تغيير اسمه في 26 أكتوبر 1530 م إلى "النظام السيادي "لفرسان مالطا" ومنذ ذلك الوقت أصبحت مالطا بمثابة وطنهم الثالث، ومنها استمدوا أسمهم "فرسان مالطا" واستطاع رئيسهم (جان دي لافاليت) أن يقوي دفاعاتهم ضد الأتراك العثمانيين مصدر خوفهم وأن يبني مدينة (فاليتا - عاصمة مالطا حاليا) التي أطلق عليها اسمه وكان مما ساعد على ترسيخ وجودهم في مالطا وقوع معركة (ليبانتوا) البحرية 1571م، بين الروم والأتراك مما أبعد خطر الأتراك ووفر لنظام الفرسان جواً من الهدوء.
وقد تميز هذا النظام منذ إقامته في مالطا بعدائه المستمر للمسلمين وقرصنته لسفنهم حتى كون منها ثروة (ينفقون منها حاليا على الأعمال الخيرية !) ولاسيما في الحصار التاريخي 1565 الذي انتهى بمذبحة كبيرة للأتراك ، كما توسع النظام كثيرًا حتى إن الملك (لويس الرابع عشر) تنازل له في 1652 عن مجموعة من الجزر في( الأنتيل- (Antilles منها:-
سان كيرستوف ـ سان بارتليلي ـ سان كوزوا، وصدق على ذلك في 1653 إلا أن صعوبة المواصلات مع هذه الجزر اضطر النظام للتنازل عنها لشركة فرنسية 1655 وظل النظام في مالطا تحت حماية إمبراطور الدولة الرومانية والكرسي الرسولي وفرنسا وإسبانيا وانتشر سفراؤه في بعض الدول وهو ما كان يعني اعترافًا بالسيادة الشخصية للسيد الكبير "للنظام أو رئيس الفرسان".
بداية رحلة الشتات للفرسان الصليبيين
وبقيام الثورة الفرنسية 1789 وغزوها إيطاليا فقد الفرسان الصليبيون ممتلكاتهم وامتيازاتهم في فرنسا وإيطاليا وانتهى بهم الأمر بفقد مقرهم في جزيرة مالطا نفسها وطردهم منها على يد نابليون أثناء حملته على مصر عام 1798م، فأقاموا بصفة مؤقتة في (ترسيتا) في إيطاليا تحت ضغط من بلاط فينيا، وعندما استولى الأميرال (نلسون) على مالطا من الفرنسيين أقرت اتفاقية الأمنيس (Amiens) عودة الجزيرة للفرسان 1802، إلا أن كونجرس (فاليتا) عاصمة مالطا أسند إدارة الجزيرة للإمبراطورية البريطانية وبالتالي انقطع اتصال الفرسان نهائيًا بمالطا (دولة مالطا الحالية ليست هي فرسان مالطا)، وانقسموا بين البلاد حيث اتجه العديد منهم إلى سان بطرسبرج (وبالتالي أصبح نظامهم الكاثوليكي الروماني الذي يحظى برعاية البابا يخضع لقانون الإمبراطورية الروسية الأرثوذكسية!!) واتجه جزء آخر إلى "كاتانيا" و"فيرارًا" و"روما"، وفي هذه الأثناء اختبر توماكسي 1802 ليكون آخر الرؤساء الكبار للتنظيم.
وبحلول 1805 أصبح الفرسان بلا رئيس حاكم ، ومنذ 1834 ونظام الفرسان يمارس شؤونه من روما بصفة رسمية باسم "العمل الخيري" وفي نطاق المستشفيات (عملهم الأول وقت إنشائهم) حتى أصبح نظامهم أشبه بهيئة خيرية ما تزال تسيطر عليها الروح الصليبية، وأخذت في التوسع حتى فتحت جمعية لها في الولايات المتحدة الأمريكية 1926م.
أما في فرنسا فقد استمرت محاولات إحياء النظام ، وإن كان إنشاء التنظيم لم يكن له اتصال عضوي بالتنظيم القديم والذي استقر نهائيًا في الفاتيكان، كما انتقل بعض أفراد هذا النظام إلى الولايات المتحدة الأمريكية وعاشوا فترات الحروب الأهلية وقد أصبح رمز نظام (القديس يوحنا) هو صليب أبيض معلق بحبل أسود ولذلك أصبح فرسان الهوسبتالية يعرفون بفرسان الصليب الأبيض.
فرسان مالطا الآن
يقع المقر الرئيسي للمنظمة حاليا في العاصمة الإيطالية روما، ويحمل اسم "مقر مالطا" ، ويرأس الدولة (البرنس أندرو برتي) الذي أُنتخب عام 1988ويعاونه أربعة من كبار المسئولين وقرابة عشرين من المسؤولين الآخرين .
الفرسان والكو ـ كلوكس ـ كلان!
كان بعض الفرسان الذين تفرقوا عقب طردهم من مالطة على يد نابليون قد اتجهوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وصادف وصولهم فترة الحروب الأهلية هناك وشهدت هذه الفترة ظهور منظمة الكو ـ كلوكس ـ كلان، (Ku- Klux _ Klan) الإرهابية العنصرية، التي كانت تطالب في ذلك الحين بالدفاع عن المذهب الكاثوليكي وعن سيادة الرجل الأبيض ومنع مساواة المواطنين السود مع البيض في الحقوق، وتوثقت العلاقات بين فرسان مالطة الفارين إلى أمريكا، وبين (الكوكلوكس كلان) خصوصا أن الطرفان يتفقان في المذهب الكاثوليكي .
وقد جسد هذه العلاقات وعبر عنها تنظيم فرسان الكاميليا (Knights of Camilia) وهو تنظيم سري نشأ داخل (الكوكلوكس كلان)، تبنى نفس مبادئها، وكان تنظيمه (الهيراركي) يشبه تنظيم فرسان مالطة، فهناك المارد الأعظم (Grand Giant) على غرار السيد الأعظم لدى الفرسان ويعاونه أربعة من فرسان الصقر “Hawks” كما أن طقوس احتفالات فرسان الكاميليا و(الكوكلوكس كلان) تشبه تمامًا احتفالات فرسان مالطة إذ يلبسون ملابس بيضاء عليها صليب أحمر، ويضعون على رؤوسهم أقنعة لا يظهر منها سوى العينين والأنف والفم، ويشعلون المشاعل النارية، ويزيد أعضاء (الكوكلوكس) أنهم يحملون الجماجم التي تنبعث منها نيران حمراء بشكل مرعب!
ومن المهم أن نشير إلى أن كلا الحركتين (الفرسان ، وكوكلوكس) كانتا تركزان على العودة لأصول الدين المسيحي الكاثوليكي حتى إنه ليبدو أن مطاردتهم للسود وكذلك الآسيويين من غير العنصر الأبيض في الداخل كان اضطهادًا (دينيًا) قبل أن يكون (عنصريًا) على اعتبار أن أصل هؤلاء السود والآسيويين (الذين تم جلبهم إلى أمريكا عن طريق تجارة الرقيق) يعود إلى أفريقيا وآسيا حيث غالبية السكان يدينون بالدين الإسلامي (قبل حملات التبشير فيما بعد) هذا فضلا عن أن هؤلاء السود والآسيويين جاؤوا من المناطق التي سبق أن طُرد منها هؤلاء المهووسون دينيًا وعنصريًا ، وهو سبب كافٍ لاضطهادهم وتفريغ شحنات الغضب فيهم..!!
الفرسان الصليبيون يُعيدون تنظيم أنفسهم !ومع أن تنظيم الفرسان اختفت أخباره منذ العصور الاستعمارية الغربية تقريبا لدول العالم ولم يعد أحد يسمع عنه بعدما استقروا في روما والبعض الآخر في أمريكا ، عادوا بقوة في أوائل التسعينيات ( الفترة التي شهدت تزايد العداء للإسلام كدين والحديث عن استهدافه كعدو جديد بدل الشيوعية التي اندثرت !! ) وعقدت منظمات الفرسان الصليبية اجتماعًا في جزيرة مالطا في أوائل ديسمبر 1990، هو الأول من نوعه، منذ أخرجهم نابليون بونابرت منها، قبل حوالي قرنين من الزمان ، وكان الاجتماع مثيراً للغاية - كما قال (روجر جيورجو) أحد أولئك الفرسان الذين اجتمعوا بالجزيرة- وبلغ عدد الحاضرين حوالي خمسمائة ـ معظمهم من القساوسة ـ ينتمون إلى اثنين وعشرين دولة .
ولوحظ أن الفرسان الصليبيين المجتمعين اعتبروا هذا اللقاء خطوة باتجاه إحياء وإنعاش تلك المنظمة الكاثوليكية ذات الجذور الصليبية، حتى إنهم قرروا – بعد جولة واسعة في القلاع والقصور والتحصينات التي أقامها أسلافهم لتصفية الحسابات مع المسلمين في الماضي - التفاوض مع الحكومة المالطية لاستئجار واحدة من تلك القواعد في ميناء "فالتا" ـ العاصمة ـ ليتخذوا منها مركزًا لنشاطهم.
وقد روت صحيفة "هيرالد تبيون" الأمريكية تفاصيل هذا الاجتماع في حينه قائلة : إن "الفرسان" توافدوا على الاجتماع، وقد ارتدى كل واحد منهم ملابس كهنوتية سوداء، يزينها صليب أبيض مزدوج الأطراف، ورأس الجلسات "الأستاذ الأعظم" الذي يقود المنظمة، وهو اسكتلندي سبق أن عمل في حقل التدريس، اسمه اندروبيرتي (60 سنة) وهو أول بريطاني يرأس المنظمة منذ عام 1277، كما أنه الرئيس رقم الثامن والسبعون للمنظمة منذ تأسيسها، ويحمل رتبة "كاردينال" ، ويرأس مجلسًا يتألف من ستة وعشرين "فارسًا" يساعدونه على تسيير شؤون المنظمة وتدعمه أمريكا بقوة !!
علاقات دبلوماسية مع خمسين دولة !!والغريب أنه اصبح لهذا التنظيم أو منظمة "الفرسان" علاقات دبلوماسية مع خمسين دولة منها دول عربية ومسلمة كمصر والمغرب وتشاد ، كما أن مقرهم الرئيسي (قصر مالطا في روما) له بعض الامتيازات كدولة الفاتيكان، إذ إن لهم محاكمهم الخاصة وجوازات سفرهم الخاصة، بل ويصدرون طوابع بريد خاصة أيضًا.
ويقدر عدد أعضاء منظمة فرسان مالطا بحوالي عشرة آلاف فارس وسيدة كما تقول المواقع المخصصة لهم على الانترنيت ، بينما يقدر عدد المتطوعين الذين يعملون معهم بحوالي نصف مليون شخص، منهم زهاء مائة ألف في فرنسا وحدها، ومثلهم في ألمانيا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، وغير المتطوعين في الولايات المتحدة وحدها ألف وخمسمائة فارس، وقد انضم إلى عضويتها عدد من أصحاب الملايين خصوصا أن نشاطهم الحالي خيري ويختص بالمستشفيات مما يغري بالتبرع لهم .
وهم مهتمون بإقامة علاقات دبلوماسية مع مختلف الدول حتى إن رئيسهم (بيرتي) يقول : "إن الدبلوماسية بحد ذاتها ليست من أهدافنا ولكن إقامة علاقات مع الدول تساعد في تسهيل أعمالنا والحصول على الأدوية والمواد التموينية ونقلها إلى المناطق المنكوبة ، ولا ينفي تاريخهم الصليبي إذ يقول : "نحن لا نخفي شيئا، فنحن منظمة دينية قديمة، ولنا تقاليدنا وشعائرنا، لذلك فالجانب البروتوكولي والدبلوماسي في غاية الأهمية بالنسبة لنا، ونحن نبذل جهدنا لتقديم العون للمحتاجين، والقسم الأكبر منا رجال دين وقساوسة".
والملفت أن دولة الفرسان الجديدة تعتمد في دخلها على تلقى التبرعات بحجة إنشاء المستشفيات وعلى بيع طوابع بريدية خاصة بها ، وتستفيد أيضا من الشهرة التي تجنيها من خلال توزيعها تبرعات كبيرة على المستشفيات وسيارات الإسعاف والأدوية على الدول المختلفة المحتاجة .
ومع أننا لا نستبعد أن يكون هذا الموقف الجديد للصليبيين الجدد ( أي التركيز على العمل الخيري فقط ) هو وليد الظروف الدولية المعاصرة وقيام غيرهم من الغربيين بحمل السلاح لإبادة المسلمين نيابة عنهم ، فالمؤكد أنهم – باعترافهم – لا يتنكرون لتاريخهم الصليبي القديم الذي لا يزالون يفخرون به حينما حاربوا المسلمين ونهبوا قوافلهم في البحار .
وبالتالي فخطر الفرسان الحالي ليس أقل خطرا من الماضي ويكفي أن نعرف أن منظمات الإغاثة الصليبية التبشيرية في مناطق ملتهبة مثل جنوب السودان كانت ولا تزال تشكل عنصر الدعم للمتمردين على الحكومات العربية ، وهم الذين فصلوا (تيمور) عن أندونيسيا الإسلامية ، والأخطر أن دورهم التبشيري لا ينفصل عن الدور الخيري ، والاموال لا تُدفع بغير مقابل تبشيري !!
كيف وصل الفرسان الصليبيون إلى العواصم العربية!!لقد ظهر فرسان مالطة في مصر عندما أصبح لهم سفارة في القاهرة عام 1980 ويذكر دليل البعثات الدبلوماسية الخاصة بوزارة الخارجية المصرية أن بعثة فرسان مالطة بالقاهرة مكونة من شخصين السفير ومستشار للسفارة ، ولا يذكر الدليل شيئا عن وجود بعثة دبلوماسية مصرية لدى الفرسان ، ولم يعرف كيف استطاع فرسان مالطة الحصول على حق التمثيل الدبلوماسي في دول عربية مثل مصر والمغرب وحتى تشاد الإفريقية ، وعلى مستوى السفارة، وإن كان الأمر مفهوما في ظل وجود دول أخرى صغيرة لا تذكر مثل الفاتيكان وميكرونيزيا التي تؤيد إسرائيل على طول الخط رغم أنها جزيرة صغيرة عدد سكانها بضعة آلاف .
والواضح أن نشاطهم الخيري ، ومزاولة عملهم من دول عظمى مثل أمريكا أعطى لهم جواز المرور للدول الأخرى باعتبار أنهم صاروا –الآن- هيئة خيرية .
وفي لقاء خاص مع الأستاذ الدكتور/ عز الدين فودة، أستاذ كرسي الدبلوماسية والمنظمات الدولية بجامعة القاهرة حول كيفية حصول مثل هذه الدول التي لا تتعدى مساحتها مساحة أحد الأبنية أو القصور التاريخية القديمة على حق التمثيل الدبلوماسي قال: " من المعروف أن التمثيل الدبلوماسي حق ـ من حيث الأصل ـ لأشخاص القانون الدولي ـ سواء كانوا دولا أو منظمات دولية، بالإضافة إلى الفاتيكان (الكرسي الرسولي) الذي يتمتع بوضع خاص في مسألة التمثيل الدبلوماسي بخاصة في الدول الكاثوليكية".
وبخصوص نظام فرسان مالطة -يضيف د. فودة "نجد أنه نظام تاريخي ظل يحتفظ بالصفة السيادية، حتى بعد انهيار النظام ذاته وخروج الفرسان من مالطة وفقدانهم لأي قاعدة إقليمية، وتحولهم إلى مجرد هيئة خيرية، ومع هذا الوضع احتفظ الفرسان بحق إرسال بعثات دبلوماسية من جانبهم، وعلى مستوى السفراء، وهم بذلك يمثلون استثناء فريدًا في مجال العلاقات الدبلوماسية والقواعد والأعراف المنظمة لها.
ويبدو أن الفضل في استمرار هذا الوضع يرجع إلى بعض الدول الأوروبية بالإضافة إلى الفاتيكان ـ حيث مقر الفرسان الآن ـ فقد أحاطوا الفرسان بالحماية بعد طردهم من مالطة، ومنحوهم بعض الامتيازات، ومنها حق التمثيل الدبلوماسي وذلك حفاظًا على "الرمز التاريخي" الذي يمثلونه، ودورهم البارز في العلاقات بين الشرق والغرب في العصور الماضية –أيضًا- فالدور الإنساني الذي يقومون به في رعاية المرضى والإسهام في بناء المستشفيات دور له أهميته.
بالإضافة إلى ذلك اسهموا في إرساء بعض قواعد القانون الدولي الخاص بالملاحة البحرية ـ بحكم طبيعة حياتهم في جزر البحر المتوسط ـ مثل قاعدة "حق اللجوء ضد الأخطار في البحر".
وبشكل عام فإن استمرار وضع فرسان مالطة على النحو السابق، هو استمرار رمزي ـ تاريخي.
ليست سفارة الصهاينة بالقاهرة هي النشاز الوحيد، فهناك "فرسان مالطة" القادمون من قلب العصور الوسطى إلى قلب القاهرة ربيبة صلاح الدين الذي أذل فرسانهم ، وقهر ملوكهم وأسرهم في يوم حطين الأغر
●▬▬▬▬▬▬▬ஜ۩۞۩ஜ▬▬▬▬▬▬▬●
لنا النصر
موضوع كبير بس مهم جدااااااااااااااااااا
دولة فرسان مالطة
‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘
في منطقة وسط القاهرة وتحديداً في شارع هدى شعراوي سفارة فريدة غريبة، تثير الدهشة، بل والذهول، فهي لا ترفع علمًا كبقية السفارات ولا يحرسها رجال الأمن المسلحون كما هو معهود… اسمها "سفارة فرسان مالطة" هكذا كتب بالعربية على لوحة نحاسية في مدخل السفارة، وفي نفس اللوحة كتب بالفرنسية:“Ambassade De L’ordre souveraine ET Militaire De Malte”أو بالإنجليزية: SOVEREIGN MILITARY ORDER OF MALTA
وترجمتها الحرفية "سفارة النظام العسكري ذو السيادة المستقلة لمالطة"! هل هي سفارة دولة مالطة في القاهرة؟ أجابت موظفة الاستعلامات : لا ، هي سفارة فرسان مالطة، هل هناك دولة بهذا الاسم؟ أين تقع؟ ما حكاية هذه السفارة؟ وهذا الاسم المثير؟ وماذا تعمل في مصر؟ ومنذ متى ؟… عبثًا حاولت الحصول على إجابة .- عرفت أن السفارة بدأت في القاهرة عام 1980 وأن هذه الدولة هي من بقايا الحروب الصليبية البائدة ومقرها داخل الفاتيكان ،وأنها امتداد لما كان يسمى (فرسان الهوسبتاليين) الصليبيين ، وأن نشاطها – الآن- أصبح يقتصر علي الأعمال الخيرية والتبرعات وأن هناك أربع دول عربية تعترف بها وليس مصر وحدها .
ولكن الإجابة الشافية عن تاريخ هذه الدولة (أو الدويلة) لم أحصل عليها إلا من بطون الكتب، ودوائر المعارف العالمية، وسؤال أهل العلم، فكانت رحلة شاقة، وعميقة في متاهات تاريخ العصور الوسطى ، والحروب الصليبية !!
الجذور في مدينة القدس!بدأ ظهور فرسان مالطة عام 1070م، كهيئة خيرية، أسسها بعض التجار الإيطاليين، لرعاية مرضى الحجاج المسيحيين، في مستشفى (قديس القدس يوحنا) قرب كنيسة القيامة ببيت المقدس ، وظل هؤلاء يمارسون عملهم في ظل سيطرة الدولة الإسلامية ، وقد أطلق عليهم اسم "فرسان المستشفى" Hospitallers تمييزاً لهم عن هيئات الفرسان التي كانت موجودة في القدس آنذاك مثل "فرسان المعبد" و"الفرسان التيوتون"…الخ ، إلا أنهم ساعدوا الغزو الصليبي فيما بعد .
وكان التزايد الكبير في أعداد الحجاج المسيحيين إلى مدينة القدس قد تزايد في بداية القرن الحادي عشر لاتجاه بعض التجار الإيطاليين للحصول على حق إدارة الكنيسة اللاتينية من حكام المدينة المسلمين، وكان يلحق بهذه الكنيسة مستشفى للمرضى والحجاج يسمى مستشفى "قديس القدس يوحنا" كذلك استطاع تجار مدينة "أما لفي" 1070م تأسيس جمعية خيرية في بيمارستان قرب كنيسة القيامة في بيت المقدس للعناية بفقراء الحجاج، ومن اسم المستشفى أطلق عليهم اسم فرسان المستشفى أو (Hospitallers) التي حرفت إلى (الاسبتارية) في اللغة العربية، ولم يلبث أولئك الاسبتارية أن دخلوا تحت لواء النظام الديري البندكتي المعروف في غرب أوروبا، وصاروا يتبعون بابا روما مباشرة بعد أن اعترف البابا (باسكال الثاني) بتنظيمهم رسميًا في 15 فبراير 1113 م، وهكذا أصبح نظامهم يلقى مساندة من جهتين: تجار (أمالفي) وحكام (البروفانس) في فرنسا.
وعندما قامت الحروب الصليبية الأولى 1097 م وتم الاستيلاء على القدس أنشأ رئيس المستشفى (جيرارد دي مارتيز) تنظيماً منفصلاً أسماه "رهبان مستشفي قديس القدس يوحنا" وهؤلاء بحكم درايتهم بأحوال البلاد قدموا مساعدات قيمة للصليبيين وخاصة بعد أن تحولوا إلى نظام فرسان عسكريين بفضل ريموند دو بوي (خليفة مارتينز) الذي أعاد تشكيل التنظيم على أساس عسكري مسلح باركه البابا (أنوست الثاني) 1130، حتى قيل : إن الفضل في بقاء مدينة القدس في يد الصليبيين واستمرار الحيوية في الجيوش الصليبية يعود بالأساس إلى فرسان الاستبارية أو الهوسبتاليين بجانب فرسان المعبد (Templars).
وقد كان تشكيل تنظيم الهوسبتاليين ينقسم إلى ثلاث فئات:
(فرسان العدل) الذين هم من أصل نبيل (نبلاء) وأصبحوا فرساناً.
(القساوسة) الذين يقومون على تلبية الاحتياجات الروحية للتنظيم.
(إخوان الخدمة) وهم الذين ينفذون الأوامر الصادرة إليهم.
وهذا فضلا عن الأعضاء الشرفيين ويسمون الجوادين (Danats)) الذين يساهمون بتقديم الأموال والأملاك للتنظيم وبفضل عوائد هذه الأملاك وكذلك الهبات والإعانات (عُشر دخل كنائس بيت المقدس كان مخصصًا لمساعدة فرسان القديس يوحنا) أخذ نفوذ الفرسان ينمو ويتطور حتى أصبحوا أشبه بكنيسة داخل الكنيسة.
الفرسان بلا مأوى!بعد هزيمة الصليبيين في موقعة حطين عام 1187 م على يد صلاح الدين الأيوبي هرب الفرسان الصليبيون إلى البلاد الأوروبية.
وبسقوط عكا 1291 م وطرد الصليبيين نهائيًا من الشام اتجهت هيئات الفرسان إلى نقل نشاطها إلى ميادين أخرى ؛ فاتجه الفرسان (التيوتون) نحو شمال أوروبا حيث ركزوا نشاطهم الديني والسياسي قرب شواطئ البحر البلطيكي، ونزح (الداوية) أو فرسان المعبد إلى بلدان جنوب أوروبا وخاصة فرنسا حيث قضى عليهم فيليب الرابع فيما بعد (1307: 1314 م) أما فرسان الهوسبتالية (الذين ظل وجودهم حتى اليوم ) فقد اتجهوا في البداية إلى مدينة صور ثم إلى (Morgat) أو المرج ( في ليبيا حاليًا) ومنها إلى عكا ثم (ليماسول) في قبرص 1291م.
ومن قبرص استمروا في مناوشة المسلمين عن طريق الرحلات البحرية ومارسوا أعمال القرصنة ضد سفن المسلمين ، إلا أن المقام لم يطب لهم هناك فعمد رئيسهم (وليم دي فاليت) للتخطيط لاحتلال (رودس) وأخذها من العرب المسلمين وهو ما قام به أخوه وخليفته (توك دي فاليت) في حرب صليبية خاصة (1308 - 1310) ليصبح اسم نظام الفرسان الجديد يسمى (النظام السيادي لرودس) أو (النظام السامي لفرسان رودس).
وفي (رودس) أنشأ تنظيم الهوسبتاليين مراكزه الرئيسة وازدادت قوته ونفوذه خاصة بعد أن تم حل تنظيم فرسان المعبد وآلت بعض ثرواته للهوسبتاليين.
ولأن أرض (رودس) كانت بمثابة نقطة استراتيجية هامة، فقد عمد الأتراك المسلمون بدورهم للاستيلاء عليها خصوصا مع تزايد قرصنة الصليبيين لسفنهم وذلك بعد حصار وضغط متواصلين (أهم حصارين 1310، 1480) مما أجبر رئيسهم (فيليب ري ليل آدام) على الاستسلام في 1522 والهجرة عن الجزيرة في أول يناير 1523 بين عدة مدن منها: (سيفليل إسبانيا) و(كاندي سيلان) و(روما إيطاليا) ، الي أن منح الملك (شارك كنت) للهوسبتاليين السيادة على جزيرة مالطا في 24 مارس 1530.
وبجانب سيادتهم على مالطا ـ بوثيقة (شارك كنت) ـ كانت لهم السيادة كذلك على عدة جزر مثل (دي جوزوا- (De Jozo و(كومين - (Comino بجانب مدينة طرابلس (التي كانت تتبع عرش صقلية). وقد صدق البابا (كليمنت السادس) على ذلك في 25 إبريل 1530 ومن ثم أصبح النظام يمتلك مقرًا وأقاليم جديدة أدت إلى تغيير اسمه في 26 أكتوبر 1530 م إلى "النظام السيادي "لفرسان مالطا" ومنذ ذلك الوقت أصبحت مالطا بمثابة وطنهم الثالث، ومنها استمدوا أسمهم "فرسان مالطا" واستطاع رئيسهم (جان دي لافاليت) أن يقوي دفاعاتهم ضد الأتراك العثمانيين مصدر خوفهم وأن يبني مدينة (فاليتا - عاصمة مالطا حاليا) التي أطلق عليها اسمه وكان مما ساعد على ترسيخ وجودهم في مالطا وقوع معركة (ليبانتوا) البحرية 1571م، بين الروم والأتراك مما أبعد خطر الأتراك ووفر لنظام الفرسان جواً من الهدوء.
وقد تميز هذا النظام منذ إقامته في مالطا بعدائه المستمر للمسلمين وقرصنته لسفنهم حتى كون منها ثروة (ينفقون منها حاليا على الأعمال الخيرية !) ولاسيما في الحصار التاريخي 1565 الذي انتهى بمذبحة كبيرة للأتراك ، كما توسع النظام كثيرًا حتى إن الملك (لويس الرابع عشر) تنازل له في 1652 عن مجموعة من الجزر في( الأنتيل- (Antilles منها:-
سان كيرستوف ـ سان بارتليلي ـ سان كوزوا، وصدق على ذلك في 1653 إلا أن صعوبة المواصلات مع هذه الجزر اضطر النظام للتنازل عنها لشركة فرنسية 1655 وظل النظام في مالطا تحت حماية إمبراطور الدولة الرومانية والكرسي الرسولي وفرنسا وإسبانيا وانتشر سفراؤه في بعض الدول وهو ما كان يعني اعترافًا بالسيادة الشخصية للسيد الكبير "للنظام أو رئيس الفرسان".
بداية رحلة الشتات للفرسان الصليبيين
وبقيام الثورة الفرنسية 1789 وغزوها إيطاليا فقد الفرسان الصليبيون ممتلكاتهم وامتيازاتهم في فرنسا وإيطاليا وانتهى بهم الأمر بفقد مقرهم في جزيرة مالطا نفسها وطردهم منها على يد نابليون أثناء حملته على مصر عام 1798م، فأقاموا بصفة مؤقتة في (ترسيتا) في إيطاليا تحت ضغط من بلاط فينيا، وعندما استولى الأميرال (نلسون) على مالطا من الفرنسيين أقرت اتفاقية الأمنيس (Amiens) عودة الجزيرة للفرسان 1802، إلا أن كونجرس (فاليتا) عاصمة مالطا أسند إدارة الجزيرة للإمبراطورية البريطانية وبالتالي انقطع اتصال الفرسان نهائيًا بمالطا (دولة مالطا الحالية ليست هي فرسان مالطا)، وانقسموا بين البلاد حيث اتجه العديد منهم إلى سان بطرسبرج (وبالتالي أصبح نظامهم الكاثوليكي الروماني الذي يحظى برعاية البابا يخضع لقانون الإمبراطورية الروسية الأرثوذكسية!!) واتجه جزء آخر إلى "كاتانيا" و"فيرارًا" و"روما"، وفي هذه الأثناء اختبر توماكسي 1802 ليكون آخر الرؤساء الكبار للتنظيم.
وبحلول 1805 أصبح الفرسان بلا رئيس حاكم ، ومنذ 1834 ونظام الفرسان يمارس شؤونه من روما بصفة رسمية باسم "العمل الخيري" وفي نطاق المستشفيات (عملهم الأول وقت إنشائهم) حتى أصبح نظامهم أشبه بهيئة خيرية ما تزال تسيطر عليها الروح الصليبية، وأخذت في التوسع حتى فتحت جمعية لها في الولايات المتحدة الأمريكية 1926م.
أما في فرنسا فقد استمرت محاولات إحياء النظام ، وإن كان إنشاء التنظيم لم يكن له اتصال عضوي بالتنظيم القديم والذي استقر نهائيًا في الفاتيكان، كما انتقل بعض أفراد هذا النظام إلى الولايات المتحدة الأمريكية وعاشوا فترات الحروب الأهلية وقد أصبح رمز نظام (القديس يوحنا) هو صليب أبيض معلق بحبل أسود ولذلك أصبح فرسان الهوسبتالية يعرفون بفرسان الصليب الأبيض.
فرسان مالطا الآن
يقع المقر الرئيسي للمنظمة حاليا في العاصمة الإيطالية روما، ويحمل اسم "مقر مالطا" ، ويرأس الدولة (البرنس أندرو برتي) الذي أُنتخب عام 1988ويعاونه أربعة من كبار المسئولين وقرابة عشرين من المسؤولين الآخرين .
الفرسان والكو ـ كلوكس ـ كلان!
كان بعض الفرسان الذين تفرقوا عقب طردهم من مالطة على يد نابليون قد اتجهوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وصادف وصولهم فترة الحروب الأهلية هناك وشهدت هذه الفترة ظهور منظمة الكو ـ كلوكس ـ كلان، (Ku- Klux _ Klan) الإرهابية العنصرية، التي كانت تطالب في ذلك الحين بالدفاع عن المذهب الكاثوليكي وعن سيادة الرجل الأبيض ومنع مساواة المواطنين السود مع البيض في الحقوق، وتوثقت العلاقات بين فرسان مالطة الفارين إلى أمريكا، وبين (الكوكلوكس كلان) خصوصا أن الطرفان يتفقان في المذهب الكاثوليكي .
وقد جسد هذه العلاقات وعبر عنها تنظيم فرسان الكاميليا (Knights of Camilia) وهو تنظيم سري نشأ داخل (الكوكلوكس كلان)، تبنى نفس مبادئها، وكان تنظيمه (الهيراركي) يشبه تنظيم فرسان مالطة، فهناك المارد الأعظم (Grand Giant) على غرار السيد الأعظم لدى الفرسان ويعاونه أربعة من فرسان الصقر “Hawks” كما أن طقوس احتفالات فرسان الكاميليا و(الكوكلوكس كلان) تشبه تمامًا احتفالات فرسان مالطة إذ يلبسون ملابس بيضاء عليها صليب أحمر، ويضعون على رؤوسهم أقنعة لا يظهر منها سوى العينين والأنف والفم، ويشعلون المشاعل النارية، ويزيد أعضاء (الكوكلوكس) أنهم يحملون الجماجم التي تنبعث منها نيران حمراء بشكل مرعب!
ومن المهم أن نشير إلى أن كلا الحركتين (الفرسان ، وكوكلوكس) كانتا تركزان على العودة لأصول الدين المسيحي الكاثوليكي حتى إنه ليبدو أن مطاردتهم للسود وكذلك الآسيويين من غير العنصر الأبيض في الداخل كان اضطهادًا (دينيًا) قبل أن يكون (عنصريًا) على اعتبار أن أصل هؤلاء السود والآسيويين (الذين تم جلبهم إلى أمريكا عن طريق تجارة الرقيق) يعود إلى أفريقيا وآسيا حيث غالبية السكان يدينون بالدين الإسلامي (قبل حملات التبشير فيما بعد) هذا فضلا عن أن هؤلاء السود والآسيويين جاؤوا من المناطق التي سبق أن طُرد منها هؤلاء المهووسون دينيًا وعنصريًا ، وهو سبب كافٍ لاضطهادهم وتفريغ شحنات الغضب فيهم..!!
الفرسان الصليبيون يُعيدون تنظيم أنفسهم !ومع أن تنظيم الفرسان اختفت أخباره منذ العصور الاستعمارية الغربية تقريبا لدول العالم ولم يعد أحد يسمع عنه بعدما استقروا في روما والبعض الآخر في أمريكا ، عادوا بقوة في أوائل التسعينيات ( الفترة التي شهدت تزايد العداء للإسلام كدين والحديث عن استهدافه كعدو جديد بدل الشيوعية التي اندثرت !! ) وعقدت منظمات الفرسان الصليبية اجتماعًا في جزيرة مالطا في أوائل ديسمبر 1990، هو الأول من نوعه، منذ أخرجهم نابليون بونابرت منها، قبل حوالي قرنين من الزمان ، وكان الاجتماع مثيراً للغاية - كما قال (روجر جيورجو) أحد أولئك الفرسان الذين اجتمعوا بالجزيرة- وبلغ عدد الحاضرين حوالي خمسمائة ـ معظمهم من القساوسة ـ ينتمون إلى اثنين وعشرين دولة .
ولوحظ أن الفرسان الصليبيين المجتمعين اعتبروا هذا اللقاء خطوة باتجاه إحياء وإنعاش تلك المنظمة الكاثوليكية ذات الجذور الصليبية، حتى إنهم قرروا – بعد جولة واسعة في القلاع والقصور والتحصينات التي أقامها أسلافهم لتصفية الحسابات مع المسلمين في الماضي - التفاوض مع الحكومة المالطية لاستئجار واحدة من تلك القواعد في ميناء "فالتا" ـ العاصمة ـ ليتخذوا منها مركزًا لنشاطهم.
وقد روت صحيفة "هيرالد تبيون" الأمريكية تفاصيل هذا الاجتماع في حينه قائلة : إن "الفرسان" توافدوا على الاجتماع، وقد ارتدى كل واحد منهم ملابس كهنوتية سوداء، يزينها صليب أبيض مزدوج الأطراف، ورأس الجلسات "الأستاذ الأعظم" الذي يقود المنظمة، وهو اسكتلندي سبق أن عمل في حقل التدريس، اسمه اندروبيرتي (60 سنة) وهو أول بريطاني يرأس المنظمة منذ عام 1277، كما أنه الرئيس رقم الثامن والسبعون للمنظمة منذ تأسيسها، ويحمل رتبة "كاردينال" ، ويرأس مجلسًا يتألف من ستة وعشرين "فارسًا" يساعدونه على تسيير شؤون المنظمة وتدعمه أمريكا بقوة !!
علاقات دبلوماسية مع خمسين دولة !!والغريب أنه اصبح لهذا التنظيم أو منظمة "الفرسان" علاقات دبلوماسية مع خمسين دولة منها دول عربية ومسلمة كمصر والمغرب وتشاد ، كما أن مقرهم الرئيسي (قصر مالطا في روما) له بعض الامتيازات كدولة الفاتيكان، إذ إن لهم محاكمهم الخاصة وجوازات سفرهم الخاصة، بل ويصدرون طوابع بريد خاصة أيضًا.
ويقدر عدد أعضاء منظمة فرسان مالطا بحوالي عشرة آلاف فارس وسيدة كما تقول المواقع المخصصة لهم على الانترنيت ، بينما يقدر عدد المتطوعين الذين يعملون معهم بحوالي نصف مليون شخص، منهم زهاء مائة ألف في فرنسا وحدها، ومثلهم في ألمانيا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، وغير المتطوعين في الولايات المتحدة وحدها ألف وخمسمائة فارس، وقد انضم إلى عضويتها عدد من أصحاب الملايين خصوصا أن نشاطهم الحالي خيري ويختص بالمستشفيات مما يغري بالتبرع لهم .
وهم مهتمون بإقامة علاقات دبلوماسية مع مختلف الدول حتى إن رئيسهم (بيرتي) يقول : "إن الدبلوماسية بحد ذاتها ليست من أهدافنا ولكن إقامة علاقات مع الدول تساعد في تسهيل أعمالنا والحصول على الأدوية والمواد التموينية ونقلها إلى المناطق المنكوبة ، ولا ينفي تاريخهم الصليبي إذ يقول : "نحن لا نخفي شيئا، فنحن منظمة دينية قديمة، ولنا تقاليدنا وشعائرنا، لذلك فالجانب البروتوكولي والدبلوماسي في غاية الأهمية بالنسبة لنا، ونحن نبذل جهدنا لتقديم العون للمحتاجين، والقسم الأكبر منا رجال دين وقساوسة".
والملفت أن دولة الفرسان الجديدة تعتمد في دخلها على تلقى التبرعات بحجة إنشاء المستشفيات وعلى بيع طوابع بريدية خاصة بها ، وتستفيد أيضا من الشهرة التي تجنيها من خلال توزيعها تبرعات كبيرة على المستشفيات وسيارات الإسعاف والأدوية على الدول المختلفة المحتاجة .
ومع أننا لا نستبعد أن يكون هذا الموقف الجديد للصليبيين الجدد ( أي التركيز على العمل الخيري فقط ) هو وليد الظروف الدولية المعاصرة وقيام غيرهم من الغربيين بحمل السلاح لإبادة المسلمين نيابة عنهم ، فالمؤكد أنهم – باعترافهم – لا يتنكرون لتاريخهم الصليبي القديم الذي لا يزالون يفخرون به حينما حاربوا المسلمين ونهبوا قوافلهم في البحار .
وبالتالي فخطر الفرسان الحالي ليس أقل خطرا من الماضي ويكفي أن نعرف أن منظمات الإغاثة الصليبية التبشيرية في مناطق ملتهبة مثل جنوب السودان كانت ولا تزال تشكل عنصر الدعم للمتمردين على الحكومات العربية ، وهم الذين فصلوا (تيمور) عن أندونيسيا الإسلامية ، والأخطر أن دورهم التبشيري لا ينفصل عن الدور الخيري ، والاموال لا تُدفع بغير مقابل تبشيري !!
كيف وصل الفرسان الصليبيون إلى العواصم العربية!!لقد ظهر فرسان مالطة في مصر عندما أصبح لهم سفارة في القاهرة عام 1980 ويذكر دليل البعثات الدبلوماسية الخاصة بوزارة الخارجية المصرية أن بعثة فرسان مالطة بالقاهرة مكونة من شخصين السفير ومستشار للسفارة ، ولا يذكر الدليل شيئا عن وجود بعثة دبلوماسية مصرية لدى الفرسان ، ولم يعرف كيف استطاع فرسان مالطة الحصول على حق التمثيل الدبلوماسي في دول عربية مثل مصر والمغرب وحتى تشاد الإفريقية ، وعلى مستوى السفارة، وإن كان الأمر مفهوما في ظل وجود دول أخرى صغيرة لا تذكر مثل الفاتيكان وميكرونيزيا التي تؤيد إسرائيل على طول الخط رغم أنها جزيرة صغيرة عدد سكانها بضعة آلاف .
والواضح أن نشاطهم الخيري ، ومزاولة عملهم من دول عظمى مثل أمريكا أعطى لهم جواز المرور للدول الأخرى باعتبار أنهم صاروا –الآن- هيئة خيرية .
وفي لقاء خاص مع الأستاذ الدكتور/ عز الدين فودة، أستاذ كرسي الدبلوماسية والمنظمات الدولية بجامعة القاهرة حول كيفية حصول مثل هذه الدول التي لا تتعدى مساحتها مساحة أحد الأبنية أو القصور التاريخية القديمة على حق التمثيل الدبلوماسي قال: " من المعروف أن التمثيل الدبلوماسي حق ـ من حيث الأصل ـ لأشخاص القانون الدولي ـ سواء كانوا دولا أو منظمات دولية، بالإضافة إلى الفاتيكان (الكرسي الرسولي) الذي يتمتع بوضع خاص في مسألة التمثيل الدبلوماسي بخاصة في الدول الكاثوليكية".
وبخصوص نظام فرسان مالطة -يضيف د. فودة "نجد أنه نظام تاريخي ظل يحتفظ بالصفة السيادية، حتى بعد انهيار النظام ذاته وخروج الفرسان من مالطة وفقدانهم لأي قاعدة إقليمية، وتحولهم إلى مجرد هيئة خيرية، ومع هذا الوضع احتفظ الفرسان بحق إرسال بعثات دبلوماسية من جانبهم، وعلى مستوى السفراء، وهم بذلك يمثلون استثناء فريدًا في مجال العلاقات الدبلوماسية والقواعد والأعراف المنظمة لها.
ويبدو أن الفضل في استمرار هذا الوضع يرجع إلى بعض الدول الأوروبية بالإضافة إلى الفاتيكان ـ حيث مقر الفرسان الآن ـ فقد أحاطوا الفرسان بالحماية بعد طردهم من مالطة، ومنحوهم بعض الامتيازات، ومنها حق التمثيل الدبلوماسي وذلك حفاظًا على "الرمز التاريخي" الذي يمثلونه، ودورهم البارز في العلاقات بين الشرق والغرب في العصور الماضية –أيضًا- فالدور الإنساني الذي يقومون به في رعاية المرضى والإسهام في بناء المستشفيات دور له أهميته.
بالإضافة إلى ذلك اسهموا في إرساء بعض قواعد القانون الدولي الخاص بالملاحة البحرية ـ بحكم طبيعة حياتهم في جزر البحر المتوسط ـ مثل قاعدة "حق اللجوء ضد الأخطار في البحر".
وبشكل عام فإن استمرار وضع فرسان مالطة على النحو السابق، هو استمرار رمزي ـ تاريخي.
ليست سفارة الصهاينة بالقاهرة هي النشاز الوحيد، فهناك "فرسان مالطة" القادمون من قلب العصور الوسطى إلى قلب القاهرة ربيبة صلاح الدين الذي أذل فرسانهم ، وقهر ملوكهم وأسرهم في يوم حطين الأغر
●▬▬▬▬▬▬▬ஜ۩۞۩ஜ▬▬▬▬▬▬▬●
#شبكة_صوت_الحرية #انتخبو_العرص