هدد زعيم منظمة ‘بوكو حرام’ النيجيرية في رسالة فيديو مسجلة بأنه ستتم معاملة فتيات مخطوفات على يد منظمته على انهن سبايا، وأنه – على ذمة وكالة الأنباء الألمانية – سيجري بيع من بلغت منهن التاسعة من العمر، وبأنه سيواصل خطف الفتيات واعتبارهن إماء.
ابو بكر شيكو، قائد المنظمة، كان واقفاً في شريط الفيديو بزي عسكري أمام آلية مدرعة وشاحنتي بيك آب مزودتين برشاشتين فيما اصطف مسلحون مقنعون عن جانبيه، زاعماً أن بيع الفتيات في السوق سيكون ‘وفق شرع الله’.
قائد بوكو حرام، التي يعني اسمها الذي أطلقه عليها النيجيريون: ‘التعليم الغربي حرام’، تحدّث بلغات ثلاث: الهاوسا، وهي لغة نيجيرية محلّية، والعربية، والإنكليزية، في إشكالية يخلقها الإسم مع مفارقة أن شيكو ‘تعلّم’ اللغة الانكليزية وهو يحرّم التعليم الغربي، ناهيك عن انه يستخدم أسلحة وسيارات وملابس عسكرية غربية.
والحقيقة ان المنظمة التي تسمّي نفسها ‘جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد’، والتي بدأت كمجموعة من الطلبة تخلوا عن الدراسة وأقاموا قاعدة لهم في قرية بشمال شرقي نيجيريا ثم تأسست عملياً عام 2002، كانت في بداياتها تدعو للديمقراطية وتغيير نظام التعليم والثقافة الغربية والعلوم ولكنّها، بسبب وجودها في بلد محكوم بالأمن، تعرّضت لبطش شديد مما جعلها تتحوّل مع الأيام الى منظمة إرهابية لا تضمّ متطرفين فحسب بل كذلك مهمّشين اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وكذلك مجرمين من كل الأنواع، وهو ما يبدو المسار الطبيعي المتبع في أغلب البلدان المتخلفة، والذي لا يترك طريقاً للمختلفين بشدة مع النظام السياسي والاجتماعي سوى طرق منظمات التطرّف.
لكن التفسير السياسي لمسار تحوّل بوكو حرام من تطرّف دينيّ الى إجرام يتلطّى باسم الدين، كما حصل مع الفتيات المخطوفات، لا يكفي لفهم حالة ‘بوكو حرام’، كما لا يكفي التعامل معها على طريقة الآلة الإعلامية العالمية الكبيرة التي تستسهل لصق الإرهاب الموصوف الذي يحصل هناك بالإسلام (وهو الأمر الذي تفعله المنظمة نفسها كذلك).
وفي الحقيقة ان خطابي المنظمة والإعلام المستبدّ والعنصري يتماثلان ويتجانسان أشد التجانس، ف’بوكو حرام’ تريد تمويه تحوّلها الى منظمة إجرامية تقتل وتخطف البشر مدعية التزامها بالشرع والإسلام، فيما تقوم الأنظمة المستبدة والإعلام الاستشراقي والعنصري من الصين وروسيا حتى استراليا وامريكا واوروبا، بالمطابقة المتعسقة بين حركات بدأت دينية ثم تحوّلت الى عصابات اجرامية مع الدين الإسلامي، متجاهلة أن الأديان جميعها استخدمت، وما تزال تستخدم، لتبرير المذابح والاضطهادات المنظمة منذ بدء التاريخ.
غير أن توجيه اللوم للمسلمين في كل مكان، وخصوصاً في بلدان الغرب، كما لو كان الإجرام موجودا في جيناتهم، لا ينفي أن هناك استهانة ثقافية لدى النخب الإسلامية بشأن تحليل الأسباب العميقة الكامنة وراء استفحال ظاهرة التطرّف الدينيّ السياسي.
فبدل أن تتحول مفرزات المظلومية الإسلامية في العالم من شينجيانغ الصين الى شيشان روسيا وروهينجا بورما، وأقليات واكثريات بلدان عربية وافريقية كثيرة، الى مساءلة لأسبابها الفكرية الموجودة في الواقع الحالي والتراث الإسلامي، فقد تطوّرت الى نوع من الظاهرة الانتحارية العمياء على طريقة ‘القاعدة’ وأخواتها، من ناحية، أو الى رفض مرضيّ لكلّ ما يمتّ للحضارة والثقافة الإسلامية، من ناحية أخرى، خالقة بذلك نوعاً من الاستقطاب الأيديولوجي الحادّ الذي ينبئ بكوارث لا تحدّ.
خطف الفتيات النيجيريات خطيئة فاحشة بحق الانسانية والأخلاق والأديان البشرية جمعاء وهو مناسبة لإدانة أي شكل من اشكال الجريمة باسم الدين الإسلامي او أي شرعة او نظام او ايديولوجيا.
#شبكة_صوت_الحرية #انتخبو_العرص