إسرائيل بصفتها نظاما عربيا
رغم بعض التصريحات الغربية الخجولة عن العدوان الوحشي على الفلسطينيين مثل أن رد إسرائيل «غير متوازن»، وأن «ارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين غير مبرر»، نجد أن الجهد الدبلوماسي الغربي، والأمريكي خصوصا، متركّز حالياً على المفاوضات مع إيران حول ملفها النووي، فجل ما يهم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الواصل الى فيينا، وكذلك نظراؤه وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا، المجتمعين هناك، هو «التأكد من أن ايران لن تطور سلاحاً نوويا»، بما يذكّرنا طبعاً بملف الأسلحة الكيميائية السورية الذي تم بيع السوريين مقابل ضمان النظام السوري شطبه.
وفي ظل المذبحة الجارية على طول المنطقة العربية وعرضها، وخصوصا في سوريا والعراق، والإستقطابات السياسية الهائلة في مصر وليبيا واليمن، لا يبدو العدوان الإسرائيلي نغمة نشازاً بعيدة إذا قيس ببراميل الأسد والمالكي المتفجرة، وسيسهل، على آلة الإعلام والدبلوماسية العالمية، تذويب مئات القتلى والجرحى والمهجرين الفلسطينيين ضمن القيامة الحاصلة في أرجاء الأرض العربية، مقابل التأكد من أن إيران لن تشكل خطراً على أمريكا وأوروبا وإسرائيل.
ورغم التغطية الإعلامية والسياسية المنحازة لإسرائيل، فإن المشهد العربي يساهم في تغييب انتماء إسرائيل المزعوم الى عالم الديمقراطيات الغربية، لصالح ضمّها الى «شعوب الشرق الأوسط» وأزماتهم التي لا تنتهي، بحيث يبدو القتلى والجرحى الفلسطينيون جزءاً من المشهد العربي العام (رغم الرطانة البلاغية عن صراع الوجود العربي الإسرائيلي)، وتتم إضافتهم الى هامش الإرهابيين القادمين لترويع الغرب باسم الإسلام، وهكذا تغدو إسرائيل أقرب الى الأنظمة العربية المستبدة من أي وقت من تاريخها.
تتفوق إسرائيل على الأنظمة العربية «الشقيقة» في قدرتها على ترويض طرق الاستبداد خاصتها، فرغم حديث الإعلام الإسرائيلي عن الحلف الإسرائيلي العربي ضد الإرهاب، وعن ضرورة أن لا تخذل آلة الهمجية الإسرائيلية أشقاءها من الأنظمة العربية، والإمكانيات التي يوفّرها فتح قوس القمع على آخره، كما فعلت أنظمة سوريا والعراق ومصر، فإن اسرائيل لم تنجرّ (حتى الآن، رغم «نصائح» بعض أجهزة المخابرات العربية لها) إلى تجريم الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، كما أنها، على عكس أنظمة سوريا والعراق ومصر، لم تشتر نظرية «القضاء التام على الإرهاب»، ومرادفها، في الحالة الفلسطينية بالطبع، هو احتلال قطاع غزة وإعدام قادة وكوادر حماس والجهاد، لأنها تعلم أن أكلافه المستقبلية عليها أكبر بكثير فوائده، وهو درس لا تريد الأنظمة العربية «الشقيقة»، أبداً، أن تتعلمه.
احتلال إسرائيل لجزء كبير من فلسطين التاريخية، جعلها بالضرورة، جغرافيا، ثم سياسياً، جزءاً من المنظومة العربية، تأثراً وتأثيراً، وهي رغم تذكيرها النوستالجي لبعض أمم الغرب بأيامها الكولونيالية الإمبراطورية، ولكنّ هذه النوستالجيا لا تستطيع أن تحافظ على معنى لاستمرار هذا المشروع الإستعماريّ، بالاستناد الى ترسانته النووية وقوّته العسكرية الهائلة فحسب، وهو محكوم بالتالي بالتعاطي مع قوانين التاريخ والجغرافيا التي تحيط به.
في هذا السياق فإن محاولات الأنظمة العربية تطويع شعوبها وكسر نضالاتها ضد الاستبداد والفساد يقدّم مساهمة معتبرة في حصار الفلسطينيين، أقلّه من ناحية إظهار الوحشية الإسرائيلية أكثر تقنيناً ودقّة من عشوائية وهمجية الدكتاتوريات العربية، لكنها من ناحية أخرى، تجدل بالضرورة، نضالات الشعوب العربية ضد الاستبداد، بنضالات الفلسطينيين ضد الاحتلال ومشروع الصهيونية الكولونيالي، مما يفتح الباب لإسرائيل (أكثر ما يفعل مفاعل ديمونا النووي، وطائرات الإف 16) للإنضمام الصريح الى حلف الاستبداد العربي العام، وربما قيادته؟
أكثر من أي مرة في التاريخ يبدو المشهد العربي، رغم تعقيداته، متجانساً تجانساً كبيراً، لن تستطيع تصريحات القادة العرب وأموالهم التي قيل إنها عادت للدخول الى خزينة حكومة رام الله الفلسطينية، تمويه مساهمات الكثيرين منهم في العدوان على غزة، كما تفعل إسرائيل، وأكثر.
رأي القدس
#مكملين #احنا_متراقبين #ارحل_يا_عرص #مرسى_رئيسى #كلنا_مسلمين #شبكة_صوت_الحرية