د.محمد محسوب
نعم:"من يجرؤ على الكلام؟"
عنوان مقال الدكتور علاء الأسواني بالمصري اليوم معبرا عن حال الحقوق والحريات في مصر منذ 1952 وخلال نكسة 5 يونيو 67 والذي عاد أكثر سوءا ابتداء من 3 يوليو 2013 ؛ لكنه -بالنسبة لي على الأقل- يعبر أيضا عن حال النخبة المصرية خلال نفس هذه الفترات.
ففي كتاب لي عن علمانية الدولة تابعت التحولات الكبرى للفكر الغربي من مرحلة الصراع الفكري المسلح بالدكتاتوريات للانتقال إلى الصراع الفكري السياسي ، وما صاحبه من قبول للآخر والتسليم بأنه مختلف وبحقه في أن يعيش ويشارك بل ويفوز ويقود طالما جرى ذلك وفقا لقواعد إجرائية اتفق عليها والتي اصطلح على تسميتها "الديموقراطية" ؛ كما لاحظت أن النخب العربية لم تأخذ عن هذه التجربة سوى مفهوما خاطئا للفصل بين الكنيسة والدولة (وهو العنوان الذي استعمله المشرع الفرنسي لقانون سنة 1905) فحوّلته نخبنا إلى فصل ساذج بين الدين والدولة.
ونخبتنا ليست سوى نتاج منطقي للاستبداد الذي عاش بظله الشعب المصري خلال ستين سنة أسكت خلالها الجميع عن النطق سوى بما يودّ المستبد أن يسمعه ؛ حتى في اللحظات التي كان للبعض أن ينتقد فيها ، فإنه كان يفعل في حدود السقف المسموح به ، ولأن المستبد يرغب في إرسال رسالة للخارج أن لديه هو الآخر قدر من الحريات. فهي كانت حريات أقرب لفوانيس رمضان ، تسعد الأطفال وتزين البلكونات لكنها لا تضئ الفضاء حقيقة ، وإنما تذكرك بأن في هذا الكون بمكان ما أماكن مبهجة يلفّها النور بكل جنباتها ، بينما أن في بعض أركانه أماكن معتمة تحاول أن تتزين ببعض الضوء الخافت لكنه يذوب في ركام الظلمة.
نخبتنا المصرية للأسف لم تكن بشجاعة النخب الأوربية ، فالأخيرة انتقلت من الظلمة إلى النور مقتحمة المخاطر وقابلة بالاختلاف والتنوع ، بينما نخبتنا لاتزال مترددة ، تودّ أن تنتقل للتنوير بدون مخاطرة وبدون أن تقبل من يختلف معها أو تقر له بحقوق ، متبنية مبررات لا تعكس سوى دكتاتورية فكرية. الكارثي أن هذه النخبة تفضل الاعتصام بالدكتاتورية عن عبور الطريق الشائك إلى الديموقراطية ؛ فعلى سبيل المثال أذكر صديقا من رموز اليسار المصري ولا يمكن أن ينكر أحد مواقفه أيام استبداد مبارك ولا مشاركته بثورة يناير ولا دوره بعدها.. لكنه فاجأني بأن قال لي لا يمكن أن نقبل بنجاح محمد مرسي لأن الإخوان لو "ركبوا مش ها يمشوا لمدة خمسين سنة..!!".
لا يمكن أن تبحث النخبة عن نور النهار بمصباح مركب بتليفون نوكيا صغير أو حتى بفانوس صفيح تترنح بداخله شمعة متهالكة.. فإذا رغبت فعلا في نور الحقوق والحريات وضوء المدنية المبهر فعليها أن تقبل بأن تخوض غمار التجربة الديموقراطية بمن تحبه ومن لا تحبه ، وبمن يوافقها ومن يختلف معها.. أما ما فعلته نخبتنا فهو أشبه بجمع من الناس محبوسين في جزيرة خالية إلا من غول مرعب ، وليس أمامهم سوى قارب ليعبروا به إلى شاطئ نجاة ، لكنهم يتمنعون لأن لون القارب لا يعجبهم أو لأنه ليس بمقامهم الرفيع أو لأن ربانه لا عهد له بقواعد الإتيكيت التي تعودوا عليها..!!
النخبة المصرية منذ 1952 تعتصم بالدكتاتورية لتتجنب الديموقراطية التي يمكن أن يشارك فيها إسلاميون ، خصوصا الإخوان المسلمون ، ثم لا يكفون عن التعبير عن تململهم من الديكتاتورية وشكلها القبيح وغياب الحقوق والحريات ورغبتهم في الديموقراطية.. وعندما جاءت الفرصة إليهم لم يصمدوا عاما واحدا في مواجهة استحقاقات التحول الديموقراطية وسارعوا بالعودة إلى ذات الحضن الدافئ للدكتاتورية يحتمون بها من تقلبات الحرية ، مستعيدين فضيلتهم القديمة في البكاء على الحريات ورثاء المدنية.
ولا يجرؤ أحد على مكاشفة نفسه أو مكاشفة صحبته بأنه يخطئ عندما يشترط للقبول بالديموقراطية أن تأتي على هواه وبأناس يحملون نفس تصوراته ، لأن ذلك ببساطة ضد بديهيات الديموقراطية ومفهوم الحرية الذي يعني بذاته التنوع والاختلاف ، ثم القبول بصراع سياسي يحسمه الشعب بتصويته الحر النزيه.
ولا يجرؤ أحد على الكلام عن خطيئة القبول بهدم تجربة ديموقراطية بادعاءات زائفة والقبول بعودة المؤسسة العسكرية لتصدر المشهد لمجرد أنه كان قلقا من نوايا رئيس منتخب لم يكن يملك قوة مسلحة ليختطف بها الدولة ويكبت بها الحريات ولا قدرة على تزوير انتخابات لتخرج بنسبة 97% وإنما كانت كل خطيئته أنه يحمل رؤى سياسية مختلفة وأنه من فصيل لا ينتمي للنخبة.
ولا يجرؤ أحد على الكلام عن الديموجاجية التي تعامل بها كثير من المنتمين للنخبة لتبرير استيلاء المؤسسة العسكرية على السلطة استنادا إلى ادعاءات مكذوبة وافتراءات غير حقيقة ومزاعم لا تنتمي للمنطق ولا للعلم ، وقبلت النخبة بتمريرها لتبقى معتصمة بالدكتاتورية ترجو منها الحماية وتستجدي منها قدرا من حرية الكلام.. ومع ذلك لا يجرؤ أحد على الكلام.. لكن الشعب المصر أصبح أكثر فصاحة من نخبته وأدرى بطريقه منها.. فهل انتهى في مصر دور النخبة؟! أم آن لها أن تعود لصفوف الشعب لتعبر عنه وتضع جانبا مخاوفها الوهمية؟!
#احنا_متراقبين #ارحل_يا_عرص #مرسى_رئيسى #كلنا_مسلمين #شبكة_صوت_الحرية