سناريو نهاية البطة..
كانت معبرة جدا عبارة سيناتور جون مكين عندما وصف انقلاب مصر بأنه بطة ولا يمكن إلا أن تراها بطة.. فالبطة لا يمكن أن تنقلب إلى ديك رومي أيا كانت عمليات التجميل التي يمكن أن تخضع لها..
فأدوات القهر التي تستند إليها الدكتاتوريات لا تختلف.. فهي لا تخرج عن الجيش والشرطة والقضاء والإعلام.. منذ مكيافيللي حتى النازي ومنذ انقلاب 54 في إيران حتى انقلابات تركيا وأمريكا اللاتينية في التسعينات والعشر الأول من القرن الواحد والعشرين..
انقلابنا لم يغير في أبجديات الانقلابات ولم يضف جديدا من عنده ، فكلما خنقته الأحداث فتح كتالوج الانقلابات وقرأ.. ثم في اليوم التالي إما تجد حفلا راقصا لمناسبة تمجيد الدكتاتور أو مجزرة دموية يعرضها إعلامه باعتبارها موقعة مقدسة أو خطفا وتعذيبا لمواطنين تراهم في الإعلام إرهابيين وجناة وصعاليك وهم من أشرف أبناء الوطن .. أو تسمع أحكاما بالحبس أو القتل لا تستند إلى دليل ولا تعتمد على تحقيق ولا يكون ضحاياها إلا من لا يستطيع الدكتاتور أن ينام وصورهم عالقة بذهنه..
لكن كل ذلك لا يحمي الدكتاتور ولا يكتب له حياة طويلة.. فأدوات القهر أصبحت أكثر قسوة..لكن الشعوب أضحت أكثر عصيا على الاستعباد.. كما أن الإعلام يمكن أن يستعبط البعض لبعض الوقت ولم يعد قادرا لا أن يستعبط الكل ولو لبعض الوقت ولا البعض لكل الوقت..
وفي حالتنا.. أدى تردد الانقلاب لمدة 9 اشهر لم يستعمل فيها سوى الرصاص والقمع إلى انهيار كل الرصيد الشعبي الذي تعب في تجييشه وجدّ في استغلاله بفضل ماكينته الإعلامية.. فكانت صورته العارية من كل تأييد شعبي حقيقي خلال هزلية الانتخابات الرئاسية أشبه بزفة زار مفتعلة يرقص فيها أهل الانقلاب ليداروا خزيهم ولينسوا واقعهم المرير..
وبسبب من التركيبة الشخصية لرموز الانقلاب فإنه لم يملك أبدا القدرة على طرح مبادرات سياسية تجعله قادرا من الانتقال من حالة الانقلاب إلى حالة القبول به كبديل سياسي مناسب حتى من داعميه.. وبالتالي فإنه خلال سنة قاربت على الاكتمال لم تكن بجعبته سوى سناريوهات العنف بذات القصص والرويات مستنفدا كل ما اطّلع عليه بكتالوجات الانقلابات حتى أضحت مقولاته وقصصه وأحاديثه مثارا للسخرية.. وحتى بعدما انتقل قائد الانقلاب إلى بيت الحكم دون ساتر يتخفى وراءه فإنه مازال يتصرف كقائد انقلاب لا كرئيس دولة معبرا عن حقيقة واقعه..
وفجأة تتحول الظروف الدولية لتصبح غير موائمة له ؛ فيصبح داعموه أقل قدرة على دعمه لتهددهم بأخطار داهمة لم يتحسبوا لها.. وتصبح القوة الكبرى التي خططت للانقلاب ودفعت لتمويله وساندته في المحافل الدولية وعرقلت محاكمته في موقف حرج.. فهي تحتاج في هذه اللحظة أن تظهر أمام شعوب المنطقة كداعمة للديموقراطية ومساندة لحقوق المظلومين.. فتبحث في أجندتها الحديثة فلا تجد سوى أنها تآمرت على الديموقراطية في مصر وليبيا واليمن وباقي بلاد الربيع العربي..
ولم يبق لها سوى أن تتبرأ من الانقلاب بطريقة شعراء العرب في حسن التخلص بأن تبتعد تدريجيا لتهيئ الظروف لترتدي من جديد مسوح ملاك الديموقراطية الذي ينثر الحقوق والحريات على رؤس العرب في كل المنطقة.. لكن ذلك يقتضي أن تتخلى تدريجيا عن الانقلاب وأن تضحي بالبطة لتحتفظ ببحيرة النفط..
كان الانقلاب كاشفا للجميع.. حتى أن تحول موقف الدول الكبرى لتدعي من جديد أنها مناصرة للديموقراطية أصبح شديد الصعوبة.. كما أن دولا بالجوار تتمنى الآن لو لم تساند الانقلاب لأن مصر الحرة كانت قادرة على أن تؤثر في الأحداث إيجابا لمصلحة شعوب المنطقة.. أما مصر المقيدة اليوم فهي لا تجرؤ حتى على التلميح فضلا عن التصريح خشية أن تثير أزواج الانقلاب وهم كُثر ومصالحهم مختلفة بل ومتخالفة..
ليس للانقلاب إلا أن يستمر في سيناريو الانقلاب.. وأن يستمر في البحث في كتالوج الانقلابات عن كيفية مواجهة ثورة مستمرة في الشوارع فلا يجد سوى أن يستمر في استخدام واستنفاد أدوات البطش ومنها القضاء.. وبالتالي لم يكن غريبا أن تستمر ، بل تتزايد ، أحكام الإعدامات وقرارات الحبس وأخبار التعذيب وقتل المتظاهرين وقتل المحتجزين في الأقسام رغم أن كثيرين توقعوا أن الانقلاب سيبدأ في التعامل باعتباره دولة.. لكني كنت مؤمنا أنه غير قادر على أن يتحول لدولة وسيظل انقلابا حتى سقوطه.. ليس مجرد شعور بل رؤية واضحة لسلوكياته وقدرات أشخاصه واختياراتهم.. والأهم من ذلك قدرة الثائرين على الصمود والاستمرار الذي لم تستطع كل أدوات البطش أن توقفه أو أن تخيفه فضلا عن أن تخفيه.
لكني أنصحه أن يقرأ سيناريوهات سقوط الانقلابات وما يتبعها.. لأن استبعاده – لو كان يستبعده – سيكون خطأ كارثيا له.. لكنه ربما تعود الأخطاء الكارثية على كل حال..
الثوار يحتاجون لطرح رؤية واضحة يحملونها في الميادين والشوارع.. رؤيا لمستقبل مصر المدنية الديموقراطية.. يمكن أن يلتف حولها كل المصريين بغض النظر عن التفتيش في هوياتهم وفي ماضيهم وفي اجتهاداتهم التي أصابت أو أخطأت طالما أنهم قادرين على تجاوز الخلافات والانتقال إلى مرحلة الاصطفاف خلف حلم واحد..
تضحيات جسام قٌدمت وقوى كثيرة تعمل على ذلك.. وخطوات ثابتة تحققت آخرها ميثاق الشرف الأخلاقي للقوى السياسية.. لكني أذكّر أن الأحداث أحيانا تكون أسرع من خطوات الثائرين.. فمن كان يتوقع هذه الانتفاضة الكبرى بالعراق والتي أعطت ميزة نسبية لثورات الربيع العربي؟
علينا أن نلتف جميعا في كيان واحد لكل المصريين.. وحول ميثاق واحد يعبر عن آمال الجميع.. وعلى المترددين أن يتخلصوا من ترددهم فمصر تنتظر أن تخرج من نفق الانقلاب إلى فضاء الحرية..
#مكملين #احنا_متراقبين #ارحل_يا_عرص #مرسى_رئيسى #كلنا_مسلمين #شبكة_صوت_الحرية