لا اجتهاد مع رأي الشعب:
شارك الشعب منذ ثورة 25 يناير في استحقاقات دستورية وانتخابية نزيهة تزيد في مجملها على ما شارك فيه منذ تأسيس الدولة المصرية الحديثة في سنة 1807 ؛ وذلك بالطبع بعد خصم الإجراءات الانتخابية والاستفتائية المزيفة التي أدارتها أنظمة دكتاتورية متعاقبة.
وعلى ذلك فإن الشعب المصري خلال سنتين ونصف من عمر ثورة يناير أقر معايير وقيما واضحة لمفهوم الشرعية في صلب النظام السياسي الجديد ، هي بذاتها المعايير والقيم التي انقلب عليها قائد انقلاب 3 يوليو ؛ وبالتالي لا يمكن النظر لهذا الانقلاب وما يتبعه من إجراءات باعتبارها امتدادا لتلك المرحلة ولا بناء عليها ، إنما هي ارتداد واضح عنها.
ربما تأتي على قمة هذه القيم الديموقراطية مفهوم الرضا الشعبي والذي تمثّل في قبول منقطع النظير بشرعية المرحلة إجمالا ، مع ما شابها من أخطاء ارتكبتها القوى السياسية كان على رأسها قبول أن يكون المجلس الأعلى للقوات المسلحة مديرا لهذه المرحلة وواضعا لقواعد التحول الديموقراطي الذي لا يكنّ له المجلس أي ودّ ولا ينظر إليه إلا بكراهية وارتياب..
وكان اصطفاف المصريين في كافة تلك الاستحقاقات في طوابير طويلة عكست كل أنواع الطيف المصري شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ، وعكست كل الاتجاهات السياسية ، هو المعيار الواضح الذي يمكن أن تحكم به على مرحلة ما إذا ما كانت تنبني على مفهوم حقيقي للرضا الشعبي أم لا. فلم يجر مقاطعة أي استحقاق انتخابي أو دستوري من تلك الاستحقاقات رغم وجود قدر هائل من الانقسام السياسي ابتدأ مع استفتاء 19 مارس 2011 ثم انكسر مع الانتخابات البرلمانية ثم عاد مع الانتخابات الرئاسية ثم ازداد مع الاستفتاء على دستور ديسمبر 2012. غير إن الانقسام السياسي ، على خلاف الإقصاء السياسي والانقسام الشعبي ، هو أحد علامات الديموقراطيات الراسخة ؛ فلا يمكن أن يقرر أحد أن الديموقراطية الانجليزية مثلا لا تنطوي على انقسام سياسي بين المحافظين ووأحزاب اليسار وعلى رأسها حزب العمال ؛ لكن ذلك لا يؤدي إلى انقسام شعبي بالضرورة ، ولا ينتج إقصاء سياسيا بالضرورة. فالديموقراطية ليست سوى صراع سياسي بين اتجاهات مختلفة يحسم فيما بينها التصويت الشعبي المتغير بطبيعته ، لكن تغيراته لا تؤخذ في الحسبان إلا في المواعيد الدورية للانتخابات ، وإلا لتحولت الديموقراطية إلى حالة من التقلب السياسي لا يمكن أن يدير بلدا أو يحقق برامج تنموية أو يطبق رؤية سياسية.
ربما أن الأمر كان طبيعيا حتى شهر مارس 2013 عندما بدا واضحا أن قوى سياسية بعينها ترغب في أن يجري هدم النظام السياسي الذي تمخضت عنه ثورة يناير لكي يجتمع الفرقاء للاتفاق من جديد على نظام سياسي جديد ؛ وهو ما عكس من وجهة نظر البعض رومانسية سياسية ساذجة – في جانب الثوار على الأقل - تعتقد أن الأمر استقر تماما للنظام السياسي الجديد ومن ثم يمكن بثورة جديدة هدمه وبناء غيره ، وكأن الديموقراطيات تنبني بسلسلة لا تنتهي من الثورات.
هؤلاء لم يأخذوا في حسبانهم أن القوى القديمة التي قامت عليها الثورة تتربص بها دائما ، وتحتاج الثورات لفترة من الاستقرار حتى تتخلص من النظام القديم ، وأن أي ارتباك يقع فيه النظام الجديد إنما هو في صالح القديم وليس في صالح الثورة ولا النظام الذي نشأ عنها ولا الرومانسيين الذين يحلمون بوضع نموذجي تستغرق الأمم سنوات لبنائه.
وعندما حدث انقلاب 3 يوليو فإن أول ما رفعه المنقلبون هو شعار "شرعية" الميادين ليلتقوا مع الرومانسيين الذين ظنوا أن شرعية المياديين يمكن أن تستمر في منحهم فرصة بناء نظام ديموقراطي ؛ دون أن يفطنوا أن شرعية ميدان التحرير التي وهبت الشرعية لكل إجراءات التحول الديموقراطي لم تكن مصطنعة ولم يحدد لها أحد موعدا وتاريخا ولم يستجب لها المجلس الأعلى للقوات المسلحة إنما انكسر أمامها ، وأُرغم على السير في اتجاهها دون أن يكون قابلا لها ولا راغبا فيها ولا راضيا بها.
على العموم ، فإن الانقلاب أثار بقوة مفهوم الشرعية ، وكان الرئيس مرسي قد استبق الانقلاب بخطاب تاريخي أكد فيه على تمسكه بالشرعية وطالب الشعب بحماية تلك الشرعية ، ولم يدرك البعض من ذلك سوى أنها استمساك بوجوده على رأس السلطة ؛ وهو أمر غير حقيقي فالشرعية تتجاوز الرؤساء والحكومات ؛ وإنما الرجل كان يؤكد على الشرعية التي أنشأتها ثورة يناير ، شرعية نظام سياسي جديد يكون حل الخلاف السياسي فيه بالرجوع لإرادة الشعب بإجراءات موثوقة في إطار نفس النظام السياسي الذي أنشأه الشعب لا بهدمه ولا بكسره.
من هنا فإن 3 يوليو كان تاريخا فاصلا بين عالمين ، نظام سياسي به عيوب لكنه شرعي لأنه انبنى على إرادة حرة ونزيهة من كل أطياف الشعب دون إقصاء ، وكان يجب ترك الحرية لهذا الشعب نفسه بنفس الأدوات التي أقرها ليصلح عيوب هذا النظام بالتدريج. ونظام سياسي قمعي لم تفرضه إرادة الشعب وإنما يزعم أنه "استجاب لها" ككل الانقلابات التي تستجيب لإرادة غامضة لا يمكن قياسها ؛ ولم يُبق هذا النظام على أي أثر من أثار
#احنا_متراقبين #ارحل_يا_عرص #مرسى_رئيسى #كلنا_مسلمين #شبكة_صوت_الحرية