التمسك بالثقلين نجاةٌ من الإلحادِ والتطرف
بقلم حيدر الراجح
مقدمة:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين .
أما بعد
قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – :
( إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدًا)
جميع المؤرخين والعلماء المسلمين ومن جميع المذاهب قد أقروا هذا الحديث واعتبروه مسندًا صحيحًا , لكن هناك اختلاف بسيط في بعض عباراته إلّا أنها لا تغير من مضمونه وفحواه فكل ماذكر يفسر أنَّ الثقلين هما القرآن وآل بيت الرسول – عليهم السلام – ولربما يأتي خلاف العبارات وترادفها لسبب رئيسي ألا وهو تأكيد الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – على هذا الحديث ولأهميته قد كرر صلوات الله عليه ذكره في عدة أزمنة وأماكن كما ذكر ذلك إجماع المؤرخين ولتعدد الرواة لهذا الحديث حدث ذلك الإختلاف الذي لايغير من غرض ومعنى الحديث ومن تلك المواطن التي ذكر فيه الرسول الأكرم – صلوات الله وسلامه عليه – حديث الثقلين هي : حجة الوداع ، يوم عرفة عند مجتمع الناس ، ومنها يوم الغدير في خطبته ، ومنها مرض موته عند وصاياه لأمته وسأذكر هنا بعض من أخرج هذا الحديث الشريف من أئمة أهل السنة قديمًا وحديثًا في كتبهم من الصحاح ، والسنن ، والمسانيد ، والتفاسير ، والسير ، والتواريخ ، واللغة ، وغيرها بأسانيد عديدة ، وطرق شتى ، وذلك لزيادة الإيضاح والإطمئنان ، وتتميمًا للفائدة .
أخرج أحمد بن حنبل في مسنده (ج 3 – ص 17 ) عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال : ( إني أوشك أنْ أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عز وجل ، وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنَّ اللطيف الخبير أخبرني بهما أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ) . ولعل سائل يسأل لماذا هذا التأكيد على حديث الثقلين ولماذا القرآن والعترة هما الثقلان ؟ والجواب على هذا التساؤل يكمن في مانراه اليوم من عظمة القرآن ومحاكاته لكل الأزمنة والحوادث فهو دواء لكل داء كذلك أهل بيت النبوة فهم الملاذ الآمن والصراط المستقيم وسفينة النجاة فهم القرآن الناطق , سنتطرق إلى أهمية هذين الثقلين من خلال محورين :
المحور الأول : الإعجاز العلمي في القرآن يدحض الإلحاد
الإعجاز العلمي في القرآن هو الإعتقاد بأنَّ النص القرآني أخبر بحقائق كونية لم تكن مدركة للبشر في زمن ثبوت النص القرآني وأثبتها العلم لاحقًا ؛ والبناء عليه بما يتسق مع إيمان المسلمين بأنَّ القرآن معجزة ودليل على نبوة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقد كتب الكثير من الباحثين والعلماء عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وفي شتى العلوم الطبية والهندسية والفيزياوية والنفسية والتربوية والكونية , فالمسلمون يؤمنون ان القرآن هو معجزة اتى بها الرسول محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – في الكثير من العلوم التي عجز أمامها فطاحلة الجاهلية و أهمها البلاغة كما عجز الآن علماء الطبيعة و الإلحاد بأن يأتوا بشيء ينقض ما أخبر به القرآن من علم مستقبلي فالإعجاز يعني ضمنًا التحدي مع عجز الجهة التي تم تحديها، وهذا ما يعتبره البعض خاصًا ببلاغة القرآن وأسلوبه , و يعتقد أنصار الإعجاز العلمي في القرآن أنً القرآن يشير إلى معلومات علميّة كثيرة وذلك في عدد من الآيات والتي تم اكتشافها في العصور الحديثة. لاحقًا ونتيجة لذلك ظهر ما يُعرف بالأدب الإعجازي. إذ تم نشر العديد من الكتب والمواد التي توضح توافق النص القرآني مع مقتضيات العلم الحديث أو وجود إلماحات أو تصريحات ضمنه تؤكد حقائق علمية عرفت لاحقًا. من أبرز كُتاب الإعجاز العلمي موريس بوكاي وزغلول النجار. وأنَّ السماوات والأرض كانتا وحدة واحدة ثم انفصلا، حيث إنَّ الكون قد بدأ من انفجار “ذرة بدائية”، والتي تمتاز بالكثافة اللا نهائية ودرجة الحرارة العظيمة جدًا والتي هي أسخن من مليون مليون مليون درجة حرارة نواة الشمس، وهذا ما سمي لاحقًا بالإنفجار العظيم ، يعتقد و هذه الحقيقة العلمية تم ذكرها في القرآن في قوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ) (1) ، بالإضافة إلى حقائق الجبال وامتزاج البحار العذبة والمالحة وعلم الأجنة وتفصيل خلق الإنسان، الآن اكتشف العالم أنّه يوجد جزء أصغر من الذرة بكثير لكن هذه الحقيقة أوجدت منذ أنْ نزل القرآن على صدر محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – وبالنظر لأهمية الإعجاز القرآني فقد حث الشارع المقدس على ضرورة التمسك به والوقوف على حيثياته ومن هذا المنطلق انتهج الأستاذ المعلم أسلوب النقاش العلمي مع الملحدين باستخدمات الأدلة القرآنية والحقائق العلمية التي لم يستطع علماء الكون اكتشافها إلّا بعد قرون عديدة لكن القرآن أوجدها وأقرها ووضع قوانينها فقد أكد سماحته أنَّ القرآن الكريم ذكر وجود أصغر جزء من الذرة فقد بين ما يطرح من أبحاث حول الذرة وكونها موجوده في القرآن الكريم قبل اكتشاف العلم الحديث للذرة وكونها أصغر جسم، مؤكدًا أنَّ الكلام ليس صحيح في هذا المعنى فنحن لا نتحدث عن المعنى اللغوي للذرة لأنه قد يرد اسم الذرة ولفظ الذرة في القرآن الكريم ولا يكون المقصود منه أصغر جزء وما اكتشفه العلم الحديث وأطلق عليه اسم الذرة لا علاقة لهذا الاكتشاف بما ورد وجاء في القرآن الكريم بهذا اللحاظ والجانب لكن يمكن أنْ نقول : إنَّ القرآن سبق الإكتشاف العلمي في تحديد أصغر جزء بقوله (مثقال ذرة) فالمثقال ومقداره يعد أصغر جزء من الذرة الحالية فالمثقال هو السبق العلمي وليس اسم ولفظ الذرة كما يشار في بحوث البعض حيث قال الأستاذ : (لايصح أنْ أقول بأنَّه الذرة، عنوان الذرة والعلماء ذكروا الذرة والقرآن قال الذرة ……. هذه وضع الألفاظ للمعاني ليست بغريبة… لكن كطرح باب للإعجاز … القرآن لم يشر للذرة بما هي، أشار لمثقال الذرة، يعني هذه الذرة التي هي معروفة لغة وواقعًا بأنَّها أصغر شي، القران قبل أكثر من 1400 عام قال هذه الذرة تجزّأ هذه بعنوان (من يعمل مثقال ذرة) فالمثقال هو جزء من الذرة حتى لو يكن جزء من جزئين فالعلماء عندما اكتشفوا الذرة ووضعوا هذا اللفظ لهذا المعنى قالوا هذا أصغر شيء ولا يجزّأ ، القرآن أشار بأنَّه هذا الشيء الذي هو أصغر شيء ولا يجزّأ ، هذا الشيء يقسم، هذا الإعجاز القرآني، صلوا على محمد وآل محمد”) (2)
وأخيرًا نستطيع أنْ نقول : إنَّ الغاية من الإعجاز القرآني كانت لأجل أمرين أولهما إثبات الحق وثانيها رسم خارطة الحياة أمام المخلوقات وتوجيهها وفق الخطط والأطر العلمية الصحيحة وبالإلتزام بتلك العلوم وتطبيقها سينتج مجتمع متكامل واعي يعرف الحق ويعرف أهله ولايمكن لأي قوى ظلامية أو إلحادية تكفيرية أنْ تقف بوجهه .
المحور الثاني : العترة والتمسك بها في مواجهة التطرف والتكفير
لايخفى على الجميع أنَّ ماتعرض له أهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام من حملات تهميش وتشويه وافتراءات وقتل وسجن وتعذيب وسبي وحرق وسحل على أيدي قوى الظلام والتكفير على مر العصور ماهو إلّا نتاج مخططات اللوبي الصهيوني العالمي الموجود في كل العصور والذي جند مرتزقته المتطرفين الحاقدين على العترة الطاهرة ثاني الثقلين بل أنهم القرآن الناطق فقد ظُلم النبي وآله – عليهم افضل الصلاة والسلام – أحياءً وأمواتًا فوصل الحال بالتكفيريين أنْ يهدموا قبورهم وقبور كل من له صلة بنبي الإسلام محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – من صحابة أجلاء وزوجاته أمهات المؤمنين وأعمامه وأبنائه وذراريه فكل من يدين بالدين المعتدل أصبح في مرمى نيران التكفيريين ,وبسبب تمسك الناس بأئمتهم وحبهم لنبيهم وتراثه هدموا جنة البقيع لكونها تضم أتقى الصحابة والأولياء الصالحين والأئمة الطاهرين حيث يوجد فيها مايقارب عشرة الآف قبر لصحابة وعلماء دين كل هذه القبور في تلك الجنة التي تهوي إليها قلوب المسلمين لزيارتها أصبحت أرضًا خراب بعدما شيدت عليها الأضرحة والمساجد , هدموا جنة البقيع نتيجة مؤامرة اللوبي الديني التكفيري الذي أفتى بضرورة هدم تلك المشارف إفتراءً على الله وعلى رسوله بحجة أنها لا تضر ولا تنفع وأنها تقود إلى الشرك بالله تعالى مبرراتهم كانت الدفاع عن الإسلام ( إسلام التطرف والإرهاب) لكن الغاية الأساس كانت النيل من الإسلام ونبي الاسلام والقضاء على التراث الإسلامي المحمدي الأصيل لأنه كل قبر وكل ضريح في جنة البقيع هو عبارة عن مدرسة روحية تبعث في نفس الزائر المسلم الإطمئنان والحب والسعادة الأبدية وتجدد الإيمان في قلوب المؤمنين وترسخ العقائد الصحيحة وهذا مالا يرتضيه التكفير فقد أثبتوا بفعلتهم هذه أنهم لا يدينون إلّا بدين الشيطان فحتى البخاري الذي يدعون الانتساب له ويدافعون عنه ويحتجون باقواله على عامة المسلمين يُثبا أنَّ النبي محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – قد زار القبور بأمر الله تعالى فيقول البخاري : عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر قال: صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودّع للأحياء والأموات ثم طلع المنبر فقال … إلى آخر الكلام . ((هنا يعلق الأستاذ فيقول : كيف تعامل النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – مع شهداء أحد؟ النبي الصادق الأمين – صلى الله عليه وآله وسلم – لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلا وحي يوحى، هذا فعل النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بأمر الله سبحانه وتعالى، أتى إلى شهداء أحد، تعامل مع شهداء أحد بعد ثماني سنين، صلى عليهم كالمودع للأحياء والأموات، هنيئًا لزوار الحسين، هنيئًا لزوار قبر النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ، هنيئًا لزوار قبور الأولياء الصالحين، هنيئًا لكم عندما تتعاملون معهم كما تعامل النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – مع شهداء أحد بعد ثماني سنين، بعد ثمانين عامًا بعد ثمانية آلاف عام، لا فرق في الأمر، قضية مشرّعة، قضية ممضاة شرعًا، قضية فعلها النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وبأمر الله سبحانه وتعالى، تعامل مع شهداء أحد كالمودع للأحياء والأموات ))(3). فما على الشباب المسلم الواعد إلّا الوقوف بوجه هذه الهجمة الإلحادية التكفيرية من خلال التمسك بتراث النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ولا يتم هذا إلا بالتقرب إلى الله وأداء العبادات بأحسن وجه والإبتعاد عن المحرمات وإقامة الصلاة وزيارة قبور الأولياء والصالحين والعلماء ولا سيما قبور ائمة الهدى وجدهم الهادي الأمين- صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين – والتبرك بقبورهم والدعاء تحت قباب أضرحتهم فإن الدعاء فيها مستجابًا, كما انه يتوجب على الشاب المسلم الابتعاد عن أساليب التطرف والجدال وتبني الأفكار المتطرفة التي تزيد من فجوة الافتراق بين صفوف المسلمين فديننا دين محبة وسلام وإعتدال ووسطية فما دمنا هكذا فإننا بعين الله من المتمسكين بالثقلين والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصادر:
1- سورة الأنبياء الآية 30
2- محاضرات في الاعجاز القرآني
3- بحث ماقبل المهد إلى مابعد اللحد المحاضرة ١٤
https://f.top4top.net/p_908p92yo1.jpg الرابط البحث:
http://ccmoia.com/tamsuk/