التوظيف الانتقائي لنظرية المؤامرة
بقلم/ إحسان الفقيه
بعيدا عن حيثيات ((نظرية المؤامرة)) و عُقَدها و كلام الباحثين حولها و بعيدا عن النافين و المبالغين و المعتدلين فيها.
إلا أن التاريخ و الواقع يذكر مؤامرة إبليس ضد آدم و حواء.
و مؤامرة أخوة يوسف.
و مؤامرة اليهود لقتل المسيح.
و مؤامرات قريش و اليهود في التخلص من دعوة الإسلام و التصفية الجسدية للنبي عليه الصلاة و السلام.
و مؤامرة ابن العلقم و إسقاط الخلافة العثمانية.
و احتلال فلسطين و نهب النفط الخليجي.
و إجهاض الربيع العربي و تدمير "الإسلام الجهادي".
كل هذا لا يمكن تفسيره بمعزل عن مفهوم "نظرية المؤامرة".
نحن نرحّب بنظرية المؤامرة إذا كانت مبنية على فهم سليم و دقيق للحوادث بأدلة تدعم هذا الاعتقاد، لكن نرفضها اذا كانت مبنية على هواجس و هلوسات و أوهام و أضغاث أحلام و أمراض عقلية و نفسية أو اتخاذها وسيلة لتبرير حالة الفشل و العجر و التقاعس... فالتعاطي مع حالة محددة و معينة و محاولة فهمها في ضوء هذه النظرية بأدوات علمية و منطقية هو أمر يجب أن نقبل به للوصول للحقيقة لمعرفة العدو و إيجاد الحلّ.
التطرف في توظيف هذه النظرية في سياقات حياتنا يصوّرنا و كأننا لا حول لنا و لا قوة أو كما في فكر "الجبرية" بكوننا ريشة في مهب الريح يحركنا "القدر" الماسوني الغربي فنحن كشعوب لنا إرادتنا القوية التي إذا بنيناها فسوف نتمكن من دحر المؤامرات و من يقف وراءها ممن يعادون خيارات الشعوب و توجهاتها.
*الذهنية العربية تستحضر دائماً الصهيونية عند الحديث عن نظرية المؤامرة و يستدلون بكتاب "برتوكولات حكماء صهيون" لإثبات هذه المؤامرة رغم أن هناك من يشكك في حقيقة هذا الكتاب كعبد الوهاب المسيري و أن دور اليهود مبالغ به لترهيب المسلمين.
بغض النظر عن هذا كله فالذي لا نشك به أن إسرائيل تحتل فلسطين بتواطؤ غربي و عربي و لولا هذه المؤامرة العالمية المحكمة ما كان لها لتبقى و تستمر.
شعار محاربة "المؤامرة الصهيونية" هي أصلاً مؤامرة على الشعوب تقوم برفعه الأنظمة العربية كالنظام السوري لشرعنه وجودها و التحكم بالشعوب العربية بنغمة المقاومة و الممانعة و في الحقيقة هي جزء من المؤامرة الصهيونية و لمّا ثار الشعب السوري اتهموه بانه يتحرك في مخطط المؤامرة الكونية... لتظهر "الدولة الإسلامية" فتُتهم بأنها ابنة المؤامرة الكونية و بنفس الوقت -سبحان الله- تقوم قوى المؤامرة الكونية بالتآمر على الدولة الإسلامية... و قليل من ينتبه لهذه التناقضات.
"الربيع العربي" في ظل نظرية المؤامرة اخرج لنا موقفاً مضحكاً و هو أن هذا الربيع الذي أسقط بعض الطغاة هو مؤامرة صهيو-أمريكية و كأنهم لم يكونوا يدورون في فلكها في حين أن الانقلاب على هذا الربيع و محاولة إعادة أنظمة الفساد هو خيار "شعبي حقيقي".
الليبراليون و العلمانيون هم أكثر من يُكذّب نظرية المؤامرة على اعتبار أن الغرب هو قدوة للتقدم و التحضر و أن الدين هو الذي يتآمر على الشعوب، و هؤلاء هم أول من وقف في صف أنظمة الفساد في مصر و تونس و كانوا أبواقا للعسكر و المنقلبين على ثمار الربيع العربي، يعادون البديل الإسلامي و هم في أحضان البديل العسكري الانقلابي، هنا تتألق الانتقائيّة في توظيف نظرية المؤامرة.
في السياق الإيراني يظهر مثال آخر للانتقائية بشعار "الموت لأمريكا" و إظهار إيران "الإسلامية" المعادية للغرب و الصهيونية في حين إيران كانت الخادمة المطيعة لأمريكا في أفغانستان و العراق و نعلم ملايين الدولارات التي أُنفقت لشراء فتاوي رموز الشيعة لتحريم قتال الأمريكان و لا ننسى المشروع الحوثي –الإيراني الذي يعمل تحت غطاء أمريكي.
الأمثلة كثيرة لحالة الانتقائية في توظيف "نظرية المؤامرة".
أردنا فقط أن نلفت النظر إلى أن هناك من يلجأ إليها للدفاع عن مواقفه و شرعنتها و هناك من يحاربها و ينفيها اذا كانت تدينه و تكشف سوءاته.
إحسان الفقيه