الثورة... بين الحلال و الحرام
بقلم المهندس/ خالد غريب
و من الغريب ان البعض حتى الان لم يفهم كلمة ثورة .. و هذا طبيعي امام حالة التخريب و التشويه الفكري الممنهج منذ فترة و سقوط الجميع في وحل تزييف المصطلحات
فمصطلح ثورة مثله في مصطلح الديمقراطية من حيث ان كلاهما فضفاض... متروج للدفع الذهني... و قبوله على الشكل المرغوب من قبل المبرمجين
لانه ببساطة
المصطلحين... لا يعبروا عن معنى بل كلاهما اداه لمعنى... يتم توظيفهما بصبغتهما معاني ذاتية لكل منهما
فبعض الحمقى
تعاملوا مع الثورة كنظرية متكاملة تعني التغيير... و ليست اداه فقط من ادوات التغيير
بل حتى هي في ذاتها تنقسم الى عدة انواع كما هو معروف
ما يسمى البيضاء و البرتقالية و الحمراء
سلمية... نصف سلمية... دموية مسلحة
فهي ليس لها شكل ثابت حيث انها وصف لحالة فقط و لا تحمل مضمون متكامل
و لذا نجد المتنطعين و المتفلسفين بعد ان تم ركوبهم ايدولوجيا و تم حقنهم بمخدرات حضارية
تحولت نظرتهم للمصطلح الى معنى و نظرية متكاملة... (و هذا هو الغرض الرئيسي من فضفاضية المصطلح) لكي يظل خاضعا للنظام الدولي المهيمن
فلا يخفى ( الا على اغبى الناس ) ان الثورات بمعناها الجديد المحقون في اذهان الرعاع... (كذبا و زورا... ) تتوقف نجاحها و فشلها على ترجيح النظام الدولي المهيمن... لانها اصبحت اداه عشوائية او كارت اضافي لإدارة الجموع البشرية او لضمان الأنظمة الموالية والتنقل بين الأيدولوجيات بأريحية و إعادة موازين القوى
أما أصل المصطلح منهجيا وعلميا ...
إن الثورة مجرد أداه يختلف شكلها بإختلاف ظروفها المحيطة لعملية تغيير مفاجئ
و مضمون النظرية هو التغيير
و التغيير في التاريخ الحديث و الذي ولد معه المصطلح
قسمين
إما تغيير أيدولوجي (لإنقضاء فترة صلاحية حضارة ما) إلى حضارة وأيدولوجية أخرى جديدة تم زراعة أركانها أثناء سقوط الأولى فتنتهي بإستخدام أداه شعبية ولدت مع فكرة سيادة الشعب أو على الأقل كرست المفهوم (اللاتنيني للديمقراطية) كما حدث مثلا مع الثورة الفرنسية
و التي إنهار فيها نظام حضاري كاملا خليط بين الدين و السلطة الملكية... الى منطق اللادينية الجديدة معطية إشارة البدء لولادة الحضارة الحالية... (العلمانية) و مولدة مصطلحات جديدة
()الدولة القومية والدولة المدنية والديمقراطية .واليسارية ... الخ))
و كذلك الثورة البلشفية فكانت أيضا صراع بين نمط أيدولوجي يتساقط مع نمط أيدولوجي يرتفع
إذا فالتغييرات جذرية...
أما التغيير بإستخدام نفس المصطلح (ثورة) في إطار صراعات على السلطة
((داخل نفس النمط الايدولوجي السائد))
فنعم كان لها جانب تاريخي إلا أنه لا يمكن أن يعكس نفس مضمون التغيير السابق ذكرها
لذا
يمكن إستنتاج عدة أمور
- إن مصطلح الثورة في ذاته لا يمتلك كينونة للحكم عليها و هو ليس إلا مصطلح يعبر عن أداه فقط و الحكم عليه يكون طبقا لكيفية و ماهية إستخدامه و النتائج المترتبة و مجمل الألية
- إن المصطلح ضمن المصطلحات الفضفاضة و النسبية عمدا ليمكن تحريكه بسهولة من مراكز القوة و السيطرة ما دام في إطار صراعات على السلطة داخل نفس المنظومة الأيدولوجية الحاكمة
- إنه لا ينفك عن الفكرة الشاملة التي برزت بعد التغير الحضاري في القرون الوسطى و تصعيد فكرة الشعوبية
- إنه ربما يتوقف الحكم عليه بالإيجاب او السلب وفق الرؤية العامة لموازين القوى القادرة على إعادة التركيب بعد التفكيك... فكما سبق الذكر أن المصطلح أداه للتفكيك فقط... أما التغيير و البناء فيخضع لحسابات دقيقة
لذا و من الملاحظ على خلفية ما يسمى بثورات الربيع العربي هو
بروز تيارين في المشهد
التيار الإسلامي الثوري !!
و التيار الاشتراكي الثوري الغرامشي
مع ملاحظة ان مصطلح ( الإسلام الثوري ) مصطلح حديث متناقض او حلقة اخرى من إحتواء العقيدة الاسلامية و المنهج الاسلامي الصحيح بتذويبه في المصطلحات الحديثة و من ثم إستدراجه تحت هيمنة الغرب ضمن حلقات متتالية تاريخيا بمعنى أنه لا يمثل شمولية المصطلح التاريخية (التغيير إلى السيادة الاسلامية) لأنه تقلص و أصبح عنصر من عناصر و أدوات الغرب... طواعية و أصبح لا يصارع أيدولوجيات و لا حضارات بل يصارع مجموعات سياسية مكونة للمشهد في المنطقة سجين في محيط إدراكه ...
مع تراجع تيار الليبراليين الجدد و الديني التقليدي المستأنس و هم نتاج الأيدولوجية القائمة و الحاكمة و المهيمنة
و هم هم من قاموا و كانوا دعائم ما يسمى أيضا بالثورات المضادة بالطبع مدعومين من أدوات سيطرة النظام العالمي و هي المؤسسات السيادية في المنطقة ((العسكرية و القضائية))
((بإستثناء بعض تيارات الليبرالية القديمة)) و الفرق كبير بين الجديدة و القديمة
و من هنا يمكن ملاحظة أن من قاموا بتلك الثورات يحملون أيدولوجيات مصطدمة مع الأيدولوجية الحاكمة... و مصطدمة مع بعضها أيضا. انما لا يملكون رؤية كاملة للتغيير
أو ربما ظنت الأيدولوجيتين بقدرة كل منهما على صبغة الحراك بصبغتها ذاتها و هذا نوع من الهراء و الفوضوية و الفكر السطحي الغير قارئ للمتغيرات العالمية ...
و لذا بمجرد نجاح التفكيك حدث صدام ثلاثي بين ثلاث أيدولوجيات... جميعهم يدورون في فلك النظام الدولي و الذي يحاول حتى الأن إعادة البناء... مع بعض التغيير ...
لكن دون الخروج عن الإطار العام الحاكم للنظام الدولي
و من ثم مستحيل أن نستوعب كلمة ثورة بالإسقاط الذهني الموجود حاليا
إذا لا يمكن الحكم على المصطلح الفضفاض المخادع ...
و إن كان و لا بد فالحكم عليه يكون مثل الحكم على الشعر
))حلاله حلال و حرامه حرام))
يتوقف على مضمون مساره... و هذا ربما ما سيصعب فهمه على البعض لتكرار المصطلح بشكل كثيف مثل ( الديمقراطية) حتى خلف المصطلحين معاني مستقلة... (غير منطقية) و أصبح الجميع يرددها كالببغاوات كما هي العادة
على أية حال
ذكرت في محاضرات كثيرة و منذ سنوات أن أخطر ما تمر به الأمة هي قضية المصطلحات
و أن من يضع معاني المصطلحات هو من يصنع حدود الإدراك
((و هذه قواعد علمية متفق عليها))
و إن أي مصطلح مخلص لأصل نظريته يسوق البعض كالقطيع (أعزكم الله ) إلى ما يعلنون كفرهم به أو إلى ما رفضوه طواعية و هم في غاية السعادة ...
لذا عندما نضبط الفكرة و ننحرر المصطلح... حينها و حينها فقط يمكننا رؤية النموذج الأصح و الأدق... و من ثم تأييده و الإلتفاف من حوله... و التخاطب معه بمصطلحات قاطعة حاسمة جازمة لا تقبل التلاعب و الخدع
هذا إذا كنا نبحث عن التغيير الحقيقي دون فلسفة كاذبة
و دون تبديد المزيد من موارد الأمة و مخزونها الإستراتيجي من شبابها و هويتها و عقيدتها ...
و هذا ما كنا نتبناه منذ البداية و حاولنا بكل ما إستطعنا تحويل المصطلح إلى مضمون و رؤية كاملة شاملة و يشهد على ذلك القاصي و الداني... و ذلك لعدم وجود أي بدائل أخرى واضحة حينها... فالواجب هو عدم التكلس وفق مفاهيم ثابتة و وجوب الدوران مع الحق أينما كان
إلا أنه قدر الله و ما شاء فعل
و تذكروا و ليتذكر الجميع وسط كل هذا التضليل و التدليس
و عكس المعاني فإنتبهو من تدليس البعض
الشريف هو صاحب
المواقف المتغيرة و المبادئ الثابتة
أما المنافق هو صاحب
المواقف الثابتة و المبادئ المتغيرة
فحذاري أن يخدعكم البعض...
مهندس/ خالد غريب