عبد البارى عطوان يكتب:
الكويت تمهد لاعادة علاقاتها مع سورية الاسد.. فهل تتبعها دول خليجية اخرى.. والسعودية خصوصا؟ وما هي دوافع هذا القرار الكويتي وخلفياته؟
لا بد ان السيد نبيل العربي امين عام الجامعة العربية اصيب بالاكتئاب وهو يقرأ او يستمع للانباء التي افادت بأن دولة الكويت منحت تأشيرات دخول لثلاثة دبلوماسيين سوريين وصلوا الى الكويت فعلا، لاعادة فتح سفارة بلادهم فيها.
الامين العام للجامعة العربية كان رأس حربة، وبتحريض من دول خليجية، في صدور قرار بتجميد عضوية سورية، واصدار قرار بسحب السفراء واغلاق السفارات فيها، فهو مثله مثل كثيرين اعتقدوا ان النظام السوري لن يصمد في ظل الهجمة الخليجية المصرية (في حينها) المدعومة بالمال والسلاح التي تستهدف اسقاطه.
دولة الكويت ادركت ان اقتراب الازمة السورية من دخول عامها الرابع، وتغير اولويات الادارة الامريكية من اسقاط النظام الى اضعاف، ومن ثم، انهاء الجماعات الاسلامية المتشددة وعلى رأسها "الدولة الاسلامية" يفرض عليها التراجع عن قرارها بإغلاق سفاراتها في دمشق واعادة فتح السفارة السورية في الكويت، حيث يوجد اكثر من 130 الف سوري يقيمون في البلاد.
الخليجيون لهم تقاليد دبلوماسية خاصة بهم عنوانها التأني والتدرج في التراجع عن قراراتهم، واعادة المياه الى مجاريها مع الطرف الآخر، ومنح الكويت تأشيرات دخول للدبلوماسيين الثلاثة هو انعكاس، او تطبيق لهذه القاعدة السياسية والدبلوماسية، ولا نستبعد عودة السفير الكويتي، او القائم بالاعمال الى السفارة الكويتية في دمشق في غضون بضعة اسابيع.
السلطات الكويتية مدينة لسورية، ونظامها الحالي، بدين كبير، لانها، اي سورية، وقفت ضد احتلال القوات العراقية للكويت صيف عام 1990، وارسلت قوات رمزية الى الجزيرة العربية للانضمام الى التحالف الدولي لاخراج القوات العراقية كاسرة بذلك احد "المحرمات" العربية، حتى ان الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد ابلغ وفدا كويتيا شعبيا زار دمشق بعد "تحرير" الكويت برئاسة السيد محمد جاسم الصقر عضو مجلس الامة الكويتي، "ان سورية هي التي حررت الكويت.. فولا وقوفها ضد الاحتلال لما خرجت القوات العراقية منها".
كلام الرئيس السوري الراحل ينطوي على الكثير من الصحة، لان الموقف السوري لعب دورا حاسما في تعزيز الجبهة المعارضة للعراق واحتلاله للكويت، واضفاء غطاء عربي على التحالف الدولي العسكري الذي ارسل 500 الف جندي تحت عنوان "عاصفة الصحراء" لاخراج القوات العراقية من الكويت.
الحكومة الكويتية جارت بعض الدول الخليجية، وخاصة السعودية وقطر، وانضمت الى جناح "الصقور" في الجامعة العربية، وايدت تجميد عضوية سورية، ودعمت المعارضة المسلحة طوال السنوات الاربع الماضية تقريبا، كونها الدولة الخليجية الاولى التي تبدأ اجراءات اعادة العلاقات ربما يصب في مصلحة اصلاح هذا الخطأ.
لا نستبعد اقدام دول خليجية اخرى على الخطوة نفسها، ولكن بهدوء ودون اي ضجة، وقد تكون دولة الامارات العربية المتحدة والبحرين من ضمنها (سفارة سلطنة عمان في دمشق لم تغلق)، ومعلومات هذه الصحيفة تؤكد ان عدة مبعوثين اماراتيين زاروا دمشق حاملين رسائل الى الرئيس السوري بشار الاسد في الاعوام الثلاثة الماضية.
وربما يفيد التذكير بأن السلطات التونسية اعادت العلاقات الدبلوماسية مع سورية بشكل موارب، من خلال فتح مكتب في العاصمة السورية تحت ذريعة رعاية شؤون اكثر من 3000 مواطن تونسي انضموا الى الجماعات الجهادية التي تقاتل في صفوف المعارضة الاسلامية المتشددة، ولم يتوقف تردد الدبلوماسيين ورجال الامن في دول اوروبية مثل بريطانيا وفرنسا والمانيا على دمشق وبعضهم اعاد فتح مكاتبه فيها، وبات يقيم في منزله السابق، والشيء نفسه يقال عن بعض الشركات الغربية التي اعادت موظفيها الى مقارها السابقة خاصة العاملة منها في قطاع النفط.
من الطبيعي ان ترحب السلطات السورية بأي خطوة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية والتجارية معها، لانها تعتبر ذلك انتصارا لها، واعترافا بخطأ وسوء تقدير حكومات اقدمت على اغلاق السفارات وقطع العلاقات، مما يعزز مكانتها امام انصارها ومؤيديها اولا، ويشجع دولا اخرى للاقدام على الخطوات نفسها.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا المضمار هو عما اذا كانت هذه السلطات ستنسى، وبالتالي ستغفر، لمن اخطأوا في حقها، وتتسامح تجاه خطاياهم، وفق نظرية عفا الله عما سلف؟
نترك الاجابة لما هو قادم من ايام.
عبد البارى عطوان