بعد براءة مبارك: الاستحقاق الأخطر المطلوب من قادة الانقلاب
بقلم/ صلاح بديوى
براءة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، مجرد استحقاق أولي إقليمي ودولي، صادف هوى في نفوس قادة الانقلاب، وكان مطلوبا منهم أن يفوا به في أقرب فرصة ممكنة، وبشكل ملح.
وعندما واتتهم تلك الفرصة، لم يترددوا في اقتناصها (في جلسة السبت 29 من نوفمبر 2014) ومن خططوا لتلك البراءة لم يخططوا لها من أجل سواد عيون حسني مبارك ونجليه وكبار مساعديه، ولكن من أجل كسر إرادة شباب هذا الجيل من أبناء مصر، وإذلالهم وإفساد مطالب الثورة التي فجروها في 25 من يناير. وذلك لكي تبدو تلك الثورة وكأنها وبال علي مصر والمنطقة، ولا تتكرر ثانية، وتشكل تهديداً لأي نظام حكم مُتحالف مع واشنطن أو غير متحالف في المنطقة، وهذه رؤية الجوار الإقليمي الداعم للانقلاب، أما حلفاء الانقلاب الآخرين في الغرب الأوربي والأمريكي، فيبدو أنهم باتوا يعتبرون الديمقراطية مثل الأسلحة المحرمة دوليا لايجوز لشعب مصر أن ينالها، لا هو ولا أي من شعوب المنطقة طالما أنها تجيء بالإسلاميين إلى سدة الحُكم.
وعلي كل فإن ثمة استحقاقات أخرى أكثر خطورة مطلوبة من الانقلابيين في مصر، وتتعلق تلك الاستحقاقات بالنيل من وحدة مصر وأرضها وهويتها، وإحكام عملية السيطرة علي قرارها، وعصب حياتها وأمنها. فكيف يحدث ذلك؟
للإجابة علي هذا السؤال، لابد وأن نستعرض تداعيات براءة مبارك، والمعايير التي قامت عليها، حيث لم يكن وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي يهذي عندما وقف يتحدث أمام خليط من قيادات الشرطة والجيش، وذلك في أعقاب انقلاب الثالث من يوليو عام 2013، وقال لهم إنه لن يحاكم مستقبلاً أي ضابط أو جندي يقتل متظاهراً، وهو يدافع عن انقلابه، وما قاله كلنا يذكره في تسريب شهير له.
وعبد الفتاح السيسي في الحقيقة لم يقل أمراً جديداً، بل كان يجسد تعليمات من قبل المجلس العسكري معمولا بها منذ تسلم هذا المجلس الحكم من حسني مبارك، ويوم بدأت أحكام البراءة تصدر تباعا بحق ضباط وجنود الشرطة ممن اتهموا بقتل المتظاهرين.
أما ضباط الجيش الذين قتلوا وأصابوا أعدادا كبيرة من المتظاهرين في التحرير وأمام ماسبيرو وأمام مجلس الوزراء وفي محمد محمود وفي العباسية فلم يقدم للمحاكمة أحد منهم. وبالتالي أهدرت دماء الثوار في المذابح المشار إليها، تماما كما أهدرت دماء عشرات الآلآف من الضحايا والشهداء والجرحي، عقب انقلاب الثالث من يوليومن عام 2013م ، ولاتزال تهدر حتي الآن.
والجديد في الأمر هنا أنه بعد الانقلاب، لم تعد حتي المحاكمة الصورية التي تنتهي بالبراءة للضباط والجنود القتلة من الشرطة واردة، وبالتالي انضم ضباط الشرطة إلى ضباط الجيش ولم يحاكموا أيضا علي جرائم قتلهم للمتظاهرين، وحتي القتل العمد الذي تم في سيارة الترحيلات تم الإفراج عن مرتكبيه، بعد محاكمات صورية، وعاد هؤلاء الضباط مرة أخري إلى أعمالهم.
وعلي سبيل المثال فإن الضابط الذي أطلقت عليه وسائل الإعلام لقب قناص العيون، لكون أن مقطع فيديو بث له وهو يتسلي بفقئه عيون الثوار عبر ضربهم بسلاحه، ويقف جنوده مشجعين له. هذا الضابط تم الإفراج عنه بعد إدانته وعاد إلى عمله، وشاهدنا صوره قبيل أيام ضمن حملة أمنية للقبض علي الوزير السابق د.محمد علي بشر.
إذا عندما نتحدث عن الحكم ببراءة مبارك، لابد أن نتحدث عنه في إطار تآمر قادة المؤسسة العسكرية، وهم رجال مبارك، علي الثورة المصرية منذ الدقيقة الأولي لتفجرها، وأن محاكمات قتلة الثوار كانت سيناريو مُعدا من قبل ومُحكما لإنقاذ رقاب من خانوا مصر وأذلوها علي مدار أكثر من ثلاثين عاما مضت.
وهذا السيناريو ما كان له أن يكتمل أبداً من دون الإطاحة بالنظام الديمقراطي الذي أعقب قيام ثورة 25يناير، والإطاحة بكل مؤسساتها ووضع رموزها في المعتقلات والسجون وتشريدهم والمتعاطفين معهم خارج مصر، وإرهاب من تبقي منهم داخلها.
ولأن المخطط كان يتطلب إعادة ضخ الدماء بقوة في أوصال نظام حكم كامب ديفيد، والذي كاد أن ينهار في أعقاب ثورة 25يناير المجيدة، كان لابد من تعامل عنيف مع الثوار ومع مؤسسات الثورة الديمقراطية.
وكلنا يعرف كيف لعب الإعلام الممول من الخارج والداخل دوراً رئيسيا ً في تضليل البسطاء من أبناء الشعب المصري وخداعهم، إلى الدرجة التي خرج فيها هذا الشعب بالملايين لتفويض عبد الفتاح السيسي ورفاقه الضامنيين لاتفاقات كامب ديفيدالبغيضة، تفويضهم علي قتل واعتقال من وصلوا للحكم في انتخابات حرة، وقتل واعتقال أكبر عدد ممن يناصرونهم أيضاً .
ولم تكن الوحشية والدموية البشعة وسياسة الاعتقالات والتعذيب والعدوان علي المقدسات والتمثيل بجثث الثوار وحرق المساجد، إلا نوعا من سياسة الصدمة والترويع لكل شعب مصر لإصابته بالرعب، وإعادته لحظيرة الخوف، وتلك سياسة متفق عليها بين أطراف المؤامرة، لكي يستقر الوضع لعصابة كامب ديفيد الانقلابية، وتصل بنا إلى يوم إسدال الستار علي ثورة 25يناير بإدانتها وحصول مبارك ورفاقه علي حكم البراءة .
ومشكلتنا أننا ننسي بسرعة، ولو أعدنا النظر وعدنا للوراء أيام حكم الرئيس محمد مرسي لوجدنا أن السفيرة الأمريكية بالقاهرة "آن باترسون" قالت خلال زيارة قامت بها لتل أبيب، وفي تصريحات نشرت بصحيفة الفجر المصرية بتاريخ 4 من فبراير عام 2013: "إن عودة اليهود من الشتات ومن كافة دول العالم إلى أرض الموعد من النيل إلى الفرات صار وشيكا، وإنه سيتم خلال العام 2013م " ونلاحظ هنا أن الإنقلاب حدث في 3 من يوليو من نفس العام.
وأعلنت باترسون بفخر "أنها لعبت دورا محوريا وخطيرا حقق لشعب الله المختار النبوءاتت التى قيلت عنه بصورة تعتبر إعجازية" .
وزعمت آن باترسون: "أن المصريين لن يمانعوا فى عودة اليهود بل سيتوسلون إليهم لكى يعودوا إلى مصر وينتشلونهم من الفقر والمجاعة بعد إعلان إفلاس مصر الموشك والمتوقع خلال العام نفسه".
ووفق آن بآترسون فإن ما أدعته بـ"الوثائق التي حصلت عليها أثبت أن ما يملكه اليهود فى مصر يجعلهم يعودون اليها أسيادا، و يثبت أنهم الملاك الأصليين لمصر، و ليس كما زور الفراعنة التاريخ، حيث إن اليهود بالفعل هم بناة الأهرامات لكن المصريين والعرب اعتادوا السرقة".
وأدعت باترسون "أن التعويضات التى سيدفعها المصريين جراء تهجير اليهود من مصر والاستيلاء علي ممتلكاتهم ستجعلهم يفلسون ويعجزون عن دفع أقساط قروض البنك الدولى".
وقالت باترسون :"إن البنك المركزى المصري صار مفلسا وصار المصريون لا يملكون فعليا أي شيء في مصر، وسيكون عليهم إثبات العكس، فإما القبول بالعبودية لأسيادهم اليهود شعب الله المختار، أو الخروج من مصر للبحث عن وطن بديل، ربما فى الصحراء الغربية". ونشر عادل حمودة رئيس تحرير الفجر هذا الكلام نقلا عن باترسون نكاية في الرئيس مرسي الذي كان في الحكم وقتها .
وخلصت باترسون للقول بأن: "مجلس الأمن بالطبع سيدعم الحق، وحق شعب الله المختار في أرض الموعد من النيل إلى الفرات، مقابل عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى غزة وسيناء والضفة والأردن، وسيكون القرار إجباريا، وفي حال رفض المصريين والعرب فسيتم إعلان الحرب العسكرية عليهم".
إذا ـ وفقا لما قالته باترسون ـ فإن تتويج انقلاب الثالث من يوليو بإطلاق سراح مبارك ورفاقه وضياع دماء الثوار، إن هو إلا استحقاق أول من قبل قيادة الانقلاب في مصر نحو محيطنا الإقليمي كما سبق وذكرنا .
أما الاستحقاق الثاني وهو الأكثر خطورة وتهديدا لأمن مصر القومي، هو إنهاك مصر وإدخالها دائرة الفقر والحرمان، وعندئذ يوقف الجوار الإقليمي الدعم المالي للانقلابيين فيها. والذين لن يجدوا أمامهم وقتها إلا "إسرائيل" صدرا حنونا لهم، لكي تدخل تل أبيب وقتها بسلام إلى أرض الكنانة تحت حراسة جيش كامب ديفيد، وتهيمن علي اقتصادها ومقدراتها وتسخر شعبها في خدمة العقل والمال اليهوديين.
والمصيبة أن إسرائيل لن تدخل فحسب، بل سيكون لها حقوق في مصر، لابد وأن تحصل عليها أولاً في إطار تسوية إقليمية، يتم التفريط عبرها في أجزاء من أرض سيناء، ويحصل اليهود علي تعويضات نظير ممتلكاتهم التي تركوها عند هجرتهم من مصر.
ولأن مصر تؤثر في المنطقة فلسوف تصبح عودة اليهود الي الدول العربية التي جاءوا منها حقاً مكتسبا لهم ، وحصولهم علي تعويضات نظير ممتلكاتهم التي سبق وتركوها واجبا واستحقاقاً أيضا.
وهنا لا نستبعد أن يتحول حلم "إسرائيل" في إقامة دولة من النيل للفرات أمراً واقعاً، كما ذكرت السفيرة "آن باترسون" وذلك من خلال هيمنة فعلية علي اقتصاديات مصر والمنطقة، وتشريد كل من يقول لا إله إلا الله في شتى بقاع الأرض .
ولذلك فإن كل القوي الوطنية والإسلامية الشريفة مطالبة بالتعالي فورا علي الجراحات والخلافات، والاتفاق العاجل علي خطة لإنقاذ مصر، وتلك الخطة لبنتها الرئيسية توحد الثوار، وارتفاعهم إلى مستوى المسؤولية الوطنية والعقائدية، بحيث يمكن إنقاذ الوطن، لأن استمرر السياسات الخيانية والواهنة الراهنة سوف يقودنا بالفعل إلى المصير الذي تحدثت عنه آن باترسون، وهو مصير مرعب، وكل المؤشرات تقول إننا يمكن أن نتجه إليه، إن ظللنا محلك سر، وبقيت الحال علي ما هي عليه الآن لا قدر الله.