إيقاف برنامج باسم يوسف، إطلالة قوية من العهد القديم"
قال الروائي والمفكر المصري إبراهيم عبد المجيد إن قرار إيقاف برنامج باسم يوسف ينذر بأن مساحة حرية التعبير في مصر "ستنكمش بشكل كبير". في حوار مع DW وصف الروائي المصري ما يحدث في مصر بقوله "العهد القديم يطل الآن بقوة".
عبر الروائي والمفكر المصري الدكتور إبراهيم عبد المجيد عن"حزنه العميق" لإيقاف برنامج "البرنامج" للإعلامي الساخر باسم يوسف، مبديا خشيته من أن يتكرر هذا القرار ويمتد لمجالات الصحافة والآداب والفنون.وفي حوار مع DWعربية حذر صاحب "ثلاثية الإسكندرية" مؤيدي منع باسم يوسف من أنه "سيأتي اليوم الذي يكونون فيه هم أيضا في موضع باسم يوسف"، لأن هذا ما يؤكده التاريخ، كما يقول إبراهيم عبد المجيد، الذي يصف الفن الذي يقدمه باسم يوسف بأنه يعبر عن العصر الجديد وعن ملايين الشباب الذين يتفاعلون مع باسم يوسف.
وفيما يلي نص الحوار:
DW عربية: ما هي قراءتك لدلالات قرار إيقاف برنامج باسم يوسف وتوقيته في المرحلة الحالية بمصر؟
إبراهيم عبد المجيد: إيقاف برنامج باسم يوسف عمل سيء جدا، وينذر بأن مساحة حرية التعبير في مصر ستنكمش بشكل كبير، وهذا يدل على أن النظرة للرأي الآخر تنطلق من كونه مسيئا، وبأن المسؤول عن هذا (مثل هذا القرار) هو الذي يمتلك الحقيقة، وأننا بصدد العودة مرة أخرى إلى منطق أن الدولة هي التي تعرف ما هو الصواب وما هو الخطأ. أنا حزين جدا على إيقاف البرنامج أو منعه، ونخشى أن يتكرر ويمتد للصحافة والآداب والفنون وغيرها، دون أن يتم الاعتبار بأنه لا أحد يمتلك الحقيقة في التاريخ أبدا. لأن من يصنع الحقيقة هم الناس، فهم يقررون إذا رأوا أن شيئا ما لا يعجبهم فسينفضٌون عنه، لكن كحاكم لا يمكنك أن تحدد لهم ما هو المفيد وما هو غير المفيد، إلا في مجالات الاقتصاد والتعليم والخدمات، أما فيما يتعلق بالرأي العام فعليك كحاكم أن تكون خارج هذا الشأن.
هل يؤشر هذا القرار إلى دخول مناخ حرية التعبير والرأي في مصر في حالة جديدة، أم أن باسم يوسف يشكل استثناء؟
ينبغي أن نلاحظ أن الأمور دائما تبدأ هكذا بالقول إن هذا الأمر يخص فلان الفلاني بسبب صفات خاصة به، ثم يمتد إلى الآخرين. والذين يدافعون عن هذا الأمر سيأتي عليهم اليوم ليكونوا في موضع باسم يوسف أيضا، وهذا درس التاريخ الذي رأيناه بعيوننا. لا يمكن أبدا مصادرة حرية التعبير بحجة أنها لا تعجبك، لأن من يقرر هذا هو الجمهور، فهو الذي يقرر الانصراف عن البرنامج فيخسر مشاهديه فتتولى القناة إيقافه لأنه يصبح برنامجا لا جدوى منه. أما أن يغلق البرنامج بقرار وما يرافقه من كلام عن باسم يوسف، فهذا كلام عابر، ولا معنى له إلا حساسية الدولة من الرأي الآخر، وعدم إتاحتها الفرصة للرأي الآخر حتى لو كان هذا الرأي الآخر ممتعا وساخرا ولا يدرس في المدارس. هذا أمر محزن جدا ...حقا.
ومع ذلك فإن ما يقدمه باسم يوسف يظل مختلفا، خصوصا أنه يجرؤ على المحرمات؟
لقد كسر باسم يوسف تابوهات كثيرة، لكنها (تابوهات) خاصة بالسياسية وبالجنس أيضا ، لكنه لم يكسر تابوهات أخرى كالدين على سبيل المثال، وإن كان كسر تابوهات خاصة ببعض رجال الدين، ورجال الدين ليسوا هم الدين لأنه شيء آخر يختلف عنهم. إن النظرة التقليدية للأمور تقول إن باسم يوسف كسر تابوهات، لكن النظرة الواقعية للأمر، تقول إنه يتسق مع هذا العصر الجديد والإعلام الجديد وخصوصا الانترنت، ومع ملايين الشباب الذين يبحرون في فضاءات الإنترنت وترى في باسم يوسف معبرا عنها بشكل أو بآخر، أو هي تلتف حوله لمشاهدة البرنامج. إن العصر أصبح مختلفا، والنظرة التقليدية للبرنامج نظرة متخلفة وتؤدي إلى ثبات في المجتمع، لأن المجتمع الثابت لا محالة يضمحل ويترهل ويكون مرتعا للصوص والتخريب وليس للبناء والتنمية.
ابراهيم عبد المجيد: ايقاف برنامج باسم يوسف، بداية غير طيبة لحكم السيسي
هل يمكن أن تضع مقارنة حول أسلوب التعامل مع باسم يوسف بين فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، وبين الرئيس السيسي الذي تتزامن بداية حكمه مع صدور مثل هذا القرار؟
طبعا لا أقرؤه بأن مرسي كان أكثر إيمانا بالحرية، ولكن أقرؤه بأن مرسي كان في أزمة شديدة جدا، لأنه كان يواجه في جوانب أخرى، حيث رفعت في عهده قضايا كثيرة جدا فيما يُطلق عليه "ازدراء الأديان" وقضايا أخرى. لقد كان مرسي مأزوما في عام حكمه، ولم يكن مع الحرية مائة في المائة. وأقرأ من بداية عهد السيسي بأنها بداية غير طيبة، وحتى وإن كان لم يتسلم الحكم لحد الآن، لان الشائع وما يقال إن البرنامج ينتقد عبد الفتاح السيسي. أرجو أنه (السيسي) عندما يبدأ عهده فعليا، أي بعد تنصيبه، أن يبادر بإلغاء كل هذه الأنواع من القرارات، بما فيها المراقبة الإلكترونية.
من خلال قراءتك لملامح الحكم الذي بدأ يتشكل مع انتخاب السيسي، ما هي الخطوط الحمراء التي يرسمها النظام "الجديد" في مجال حرية التعبير والرأي؟
الخطوط الحمراء موجودة، ودعنا ننتظر حتى تنصيب الرئيس الجديد، كي نرى بعيوننا ماذا سيفعل. لكن المؤكد أن العهد القديم يطل الآن بقوة، وأن العهد القديم وراء الكثير من أعمال الرقابة وغيرها. والكارثة أن هذا العهد (القديم، الجديد) لا يرى ماذا حدث في مصر، وبأن إعادة الأمور إلى ما كانت عليه صعب جدا، ربما تصلح مع جيل معين مثلنا ممن تعبوا، لكنها لن تصلح مع هذا الجيل، حتى وإن أيد هذا الجيل السيد المشير، لأن جزءا من هذا التأييد هو تعبير عن أمل، والجزء الآخر هو نكاية في الإخوان لما فعلوه لأنهم سبب في هذا كله، وقد حدث ذلك بغباء منهم طبعا.
وأنا أريد أن أذكر بما كتبته في مقال في بدايات حكم مرسي، وقلت فيه إن حسني مبارك كره الثورة فسلم الحكم للمجلس العسكري، والمجلس العسكري كره الثورة فسلمها للإخوان، أما الإخوان فقد كرهوا الثورة فقاموا بتسليم الثورة إلى نظام مبارك بأكمله (الدولة العميقة)، وتم ذلك بطريقتهم لأنهم في حقيقة الأمر ليسوا مدركين لما يفعلون. وهذا ما يحدث، لكن الماضي لن يتكرر، لأن الحياة فيها مفاجآت كثيرة. كما أن قوة الثورة، مهما بدا للعيان أنها ضعفت، كونها ليست محصورة في أسماء محدودة، لأن هنالك أعداد ضخمة من الشباب لا يقبلون بما يحدث.
* إبراهيم عبد المجيد، روائي ومثقف مصري بارز، صدرت له العديد من الأعمال الروائية. تُرجمت روايته "البلدة الأخرى" إلى اللغة الألمانية، وهي الرواية التي نالت جائزة نجيب محفوظ للرواية من الجامعة الأمريكية عام 1996.
http://www.dw.de