في مستشفى الشفاء في غزة حرب من نوع آخر يخوضها الطاقم الطبي والمرضى
لم يستطع احد الرجال في مستشفى الشفاء في قطاع غزة سوى وضع يديه على عيني ابنه ليجنبه رؤية جثة احمد بلبل فور وصولها الى غرفة الطوارئ برجل مقطوعة جراء اصابته بشظية قذيفة اسرائيلية.
سقط بلبل قتيلا جراء الهجوم الاسرائيلي على قطاع غزة ولم ينفع صراخ وبكاء شقيقه بالقرب منه الرافض لقبول هذا الواقع. وليس بمقدور المسعفين ان يفعلوا اكثر من وضع بلبل في كيس بلاستيكي وان يكتبوا اسمه وعنوان سكنه بلون احمر.
ومنذ بدء الهجوم الاسرائيلي على قطاع غزة في الثامن من تموز/يوليو، يمر عبر مستشفى الشفاء الطبي الكثير من القتلى والجرحى.
وقد اسفر الهجوم حتى الآن عن مقتل اكثر من 830 فلسطينيا واصابة حوالي 5300 على الاقل، بحسب وزارة الصحة في قطاع غزة. وقتل الجمعة مسعف فلسطيني في قصف اسرائيلي استهدف سيارة اسعاف شمال قطاع غزة.
وفي غرفة الطوارئ في المستشفى تصل وفود متلاحقة من الفلسطينيين ان كان عبر سيارات الاسعاف او السيارات المدنية.
اما خارج المستشفى فيحاول رجال الشرطة في زي ازرق اللون ان يبقوا اقرباء الضحايا وآخرين تجمعوا في المكان بعيدا.
وخلف ابواب المستشفى الزرقاء تنتظر غرفة الفرز الوافدين الجدد. ولكن في حالات عدة، شبيهة بحالة بلبل، ليس باستطاعة الاطباء والمسعفين ان يفعلوا شيئا سوى اصدار شهادات وفاة وربطها بالاكياس البلاستيكية قبل نقلها الى المشرحة.
تسارع الاحداث مرهق جدا، وبالنسبة للطبيب المتخرج حديثا محمد ابو حيبر فان كل شيء جديد ومروع. فالشاب (24 عاما) تخرج منذ شهرين فقط ويجري فترة تدريبه في مستشفى الشفاء في قطاع غزة الذي يشهد ثالث حروبه في اقل من ست سنوات.
ويقول ابو حيبر “سمعت عن الحربين السابقتين ولكني لم اكن هنا في المستشفى، هذه هي تجربتي الاولى وهي بصراحة سيئة جدا”، مضيفا “عاطفيا، الامر صعب جدا، الكثير من البكاء والاصابات والعائلات الثكلى”.
تتوزع المآسي في كل طابق من المستشفى. ففي قسم الاطفال، تنتظر الطفلة شهد ان يجد الاطباء حلا للشظية التي دخلت راسها عبر اذنها اليسرى. وتبحث امها اماني عن اي شخص ليقول لها ما العمل، وهي تشرح “يقولون ان الشظية قرب الدماغ، واذا تحركت من الممكن ان تؤثر على سمعها وحركتها”.
وتضيف اماني “ليسوا متأكدين مما عليهم فعله. انهم خائفون من تركها وخائفون من اخراجها”.
وتروي اماني قصة فرار العائلة من حي الشجاعية اثناء تعرضه لقصف اسرائيلي عنيف للوصول بشهد الى المستشفى. وتقول “التصقنا بجدران المباني، كان هناك قصف في كل مكان، وشهد تنزف من اذنها وانفها”.
وفي مكان آخر ترقد رحمة العطاوي (30 عاما) وتسهر عليها اختها منال التي تقول “انها هنا منذ ثلاثة ايام بعدما تعرضت للاصابة في حينا”.
تبتعد منال عن سرير رحمة وتخفض صوتها وتقول “والدتنا وابنتها (ابنة منال) قتلتا ولكن نخاف من ان نبلغها”، مضيفة “قلنا لها ان والدتنا ما زالت تتعالج في الطابق السفلي، وحين تتصل هاتفيا بالمنزل، نقول لها ان ابنتها نائمة”.
اما للطبيب عادل غوطي فقصة اخرى، فهو يحلم منذ تسع سنوات بان يرزق بطفل، وكل ما يخشاه اليوم هو ان تصاب زوجته الحامل في شهرها السابع بولد باي مكروه.
ويقول “اريد ان احميها ولا اعرف كيف. لا اعرف ان كنت ساجدها بخير حين اعود الى المنزل”. ويعترف بابتسامة صغيرة انه تمنى ان تكون حامل بفتاة. وبالنسبة له “الفتاة تجلب نوعا من الحياة والحركة الى المنزل، ولديها علاقة خاصة مع والدها”.
وكل ما يشغله الآن هو ان تولد زوجته بخير، فهو بدأ للمرة الاولى بالتفكير بالهجرة ربما الى كندا حيث يوجد اقرباء له.
وبحسب قوله “علينا ان نفعل ما في وسعنا من اجل بلادنا، ولكنك احيانا بحاجة لان تستريح”. ويتابع “اعتقد ان الامر سيبقى على ما هو عليه الى الابد، ولا اريد ان اربي ابني وسط كل هذا”.
#مكملين #احنا_متراقبين #ارحل_يا_عرص #مرسى_رئيسى #كلنا_مسلمين #شبكة_صوت_الحرية