حلّوها يرحمكم الله
بقلم/ حذيفة زوبع
(1)
منذ اليوم الأول للانقلاب وأنتم تكذبون وتتحرون الكذب على أنفسكم، وعلينا دون أي استشعار للمسئولية ودون أي مبرر شرعي، أو أخلاقي، أو حتى سياسي.
أتذكرون قائد الجيش الميداني الذي انشق وأعلن تأييده للرئيس الشرعي؟، أم تذكرون القائد الآخر الذي أمهل السيسي 24 ساعة لإعادة الشرعية الدستورية؟
هل تذكرون أمريكا التي أعلنت أنّ ما حدث انقلابًا، وليس ثورة؟
أم تذكرون الأشياء التي ستحدث السبت ويعود مرسي الأحد؟
هل تذكرون “ستة أكتوبر.. جيم أوفر” ثم قتلنا كالعادة دون جديد؟
هل تتذكرون شبيه السيسي الذي حل محل السيسي الأصلي الذي قتل يوم 17 أكتوبر بثلاث رصاصات في القاعدة البحرية بالإسكندرية؟
أم تذكرون الانقلاب الذي يترنح ترنح العجل بعد أن سُحبت السكينة من على رقبته؟
هل تتذكرون 25 يناير الماضي عندما دفعتم بنا إلى الميادين دون خطة أو رؤية أو استراتيجية – كالعادة – ثم قتلنا كالعادة؟
هل تتذكرون كل مرة كذبتم فيها؟
هل تتذكرون كم مرّة تلاعبت بكم أجهزة الأمن والاستخبارات؟
يا سادة يا كرام أيُّها القائمون على أمر جماعة الإخوان، إن أحسنّا الظن بكم فأنتم على أحسن تقدير مجموعة من الدروايش السُذج على صلة وثيقة بذلك المُغفل الذي أخذ مئة “قفا” على سهوة.
(2)
يا جماعة الإخوان، لم يعد هناك مساحات كافية للمناورة أو التأثير في الوضع بشكل فعال أو مؤثر، أنتم تملؤون كل المساحات ولا تقبلون نصحًا ولا توجيهًا من عديمي الخبرة أمثالي. والمشكلة أنكم تملؤون كل المساحات الممكنة حتى التي لا تُجيدون اللعب فيها، ثم تنادون بصوت عالٍ لتقولوا أن الساحة تتسع للجميع!
والحقيقة أنّ القائمين حاليًا على الجماعة لا يجيدون اللعب على أيّ مستوى من المستويات، فعند الحديث عن الفعل الثوريّ الحقيقي، لا تذكرون سوى المسيرات المناهضة للانقلاب التي تملأ مربعات “الجزيرة مباشر مصر”، والسلمية المبدعة التي لا أعرف لها تعريفًا مع بعض الجمل المكررة مثل “حان موعد القصاص”، أمّا عن السياسة فحدث ولا حرج، لا يُذكر سوى مصطلحات على شاكلة المصالحة والهدنة ويتم نفيها بسرعة فائقة، وكأن النظام يُعاني وينتظر موافقتهم!
أمّا أن تطالبهم بتوصيف دقيق للوضع الحاليّ يتم على أساسه عمل واضح، فهل نحن أمام انقلاب أم احتلال؟ أو أن تطلب منهم موقفًا واضحًا من داعش وتمددها؟ أو أن تطلب منهم موقفًا واضحًا من عملية إعادة تقسيم الشرق الأوسط الجارية على قدمٍ وساق؟ أو أن تسألهم لماذا تم طردهم من قطر؟ فهذه مضيعة للوقت ورفاهية غير مسموح بها!
وفي النهاية عندما يحاول أحد محاسبتهم على هذه المساحات المُهدرة والفرص الضائعة والأسئلة التي لا إجابة لها، يتحججون بأنه “مش وقته “، وإنه مينفعش لإننا ” مش في شركة عشان نتحاسب”.
إذًا، ماذا تفعل جماعة الإخوان على المستوى السياسي الآن فعليًّا، لا شيء سوى أنها تنتظر أن يأتيَ أحدهم ليطيح بالسيسي فتملأ هي الفراغ المتوقع حدوثه، تنتظر مثلما انتظرت في الخمسينات أن يطيح أحدهم بعبد الناصر. والمصيبة أنّهم غير مؤهلين لملء هذا الفراغ إن نشأ. فالوجوه هي نفس الوجوه والعقلية لم تتغير والتُجربة لم تُدرس بعد ليستفاد منها، حتى الشباب الذي يتم وضعهم في أماكن قيادية – إن حدث-فلا بد أن يشبهوا قادتهم وإلّا ما تم تصعيدهم بالأساس.
وإن حاولنا الوصول لأصل المشكلة سنجد أن الجماعة لا تعرف ما هو هدفها أصلاً، لا تعرف حجمها وأدواتها لتحدد أهدافها بالأساس؟ على سبيل المثال لا الحصر للأسئلة التي تختلف إجاباتها بحسب الحالة المزاجية للسادة المسئولين، هل الهدف دولة مدنية حديثة لها حدود واضحة أم الهدف هو أستاذية العالم؟
نحن أمام قيادة تائهة غير مدركة للواقع الذي يُعاد تشكيله من حولها، ولا يعرفون سوى بعض الجُمل المحفوظة مثل: “نحن عانينا من الظلم والسجون والقهر من أجل الحرية ومن أجل هذا الشعب”، أو “جماعة الإخوان أكبر جماعة إسلامية في العالم تتواجد في أكثر من ثمانين دولة حول العالم”، أو “كان هناك مؤامرة على الرئيس المنتخب لإفشاله”، إلى آخر هذه الجُمل المخدرة. و”أصيَع” أفكارهم تتمثل في أنهم سيضحكون على العالم الغربي ويخبرونه أنهم مؤمنون بالديمقراطية حتى إذا تمكنوا من الحكم كونوا اقتصادًا قويًّا في “الخفاء” وبذلك يتحررون من الهيمنة الغربية عليهم ويبدأون مرحلة المواجهة والصدام وتحرير فلسطين.
في النهاية هذه هي النتيجة الطبيعية لجماعة يقودها أشخاص أوجدت الصدفة بعضهم في أماكن القيادة، وآخرون حصلوا على أماكنهم لأنهم تعرضوا “لابتلاء” السجن لسنين طويلة، وجزء ليس باليسير خدمته علاقاته الاجتماعية في الترقي داخل الجماعة.
“كل إناء ينضح بما فيه”.
(3)
إن كانت كلمة “حل الجماعة” ثقيلة على مسامعكم فاستبدلوها بأي مصطلح تريدون “تعليق النشاط السياسي” مثلاً؟
أيًّا كان، حل الجماعة “قد” يكون حلاً مناسبًا لإعادة رسم المشهد السياسي من جديد وخلق مساحات جديدة وكبيرة يتم إرباك النظام من خلالها، وعدم تحميل الجماعة أحمالاً هي في غنى عنها.
وقد يكون “حل الجماعة” ورقة يتم التلويح بها للتفاوض مع النظام على أرضية جديدة يكون الإفراج عن المعتقلين ووقف الأحكام الصادرة في حقهم وعدم التعامل الدموي مع القيادات أحد أساسات هذه الأرضية.
وفي نفس الوقت، تُعيد الجماعة ترتيب أوراقها داخليًّا وتحدد أهدافها بوضوح وتجيب عن التساؤلات المبهمة، وتخلق كوادر ونخبة وقيادة جديدة واعية تقود الجماعة في ظرف إقليميِّ وتاريخيّ حساس.
بالطبع سيحدث فراغ كبير لن يستطيع أحدهم أن يملأه عندما تغيب الجماعة عن الساحة السياسية الداخلية والإقليمية، مما قد يعني مستقبلاً أن الجماعة عندما ستقرر العودة ستعود بشروطها التي ستفرضها.
هذه بالطبع ليست دعوة للرضا بالأمر الواقع والاستسلام للسلطة القمعية، ولكنّه اقتراح لأخذ زمام المبادرة والانتقال من رد الفعل إلى الفعل، علّ مسار التاريخ يتغير هذه المرة.
(4)
في النهاية، عاملكم الله بعدله لا بفضله يا من أورثتمونا الذل والهوان وأخلاق العبيد وجعلتموهم مبلغ الحكمة وذروتها، عاملكم الله بعدله لا بفضله يا من لقنتمونا صغارًا أن الاعتقال والتعذيب بطولة تستحق التكريم.