الإنقلاب يترنح بين الخداع والتخدير والجهل بالواقع
بقلم/ طلعت عبد السلام الخطابى
بسم الله الرحمن الرحيم
شاعت عبارة: ( الإنقلاب يترنح ) بعد الإنقلاب العسكرى
فى مصر ، وكنت أسمع هذه العبارة كثيرا ممن ينتسبون للتحليل السياسى على
قناة الجزيرة مباشر مصر .. أمثال الجوادى وسليم عزوز والقدوسى وغيرهم ،
وكنت ساعتها ألتمس لهم الأعذار فى إطلاق مثل هذه العبارة .. أنهم يحاولون
طمأنة الناس .. من باب : ( بشروا ولا تنفروا ) .. مع أنى كنت ومازلت جازما
بأن الإنقلاب لم ولن يتزحزح قيد أنملة لعدم أخذهم بالأسباب الشرعية المناسبة لمثل
هذا الواقع القدرى الكونى ، والإعتماد على ما يسمونه بالمسيرات والمظاهرات
التى أثبتت فشلها وكبدتهم ومازالت تكبدهم الخسائر التى إن قورنت بالذين
يحملون السلاح لكانت خسائرهم أضعاف خسائر الذين يحملون السلاح فى
مثل هذه الظروف التى تعيشها مصر .
كان الإنقلاب يشتد عوده ويستأسد يوما بعد يوم ويزداد قوة وبأسا وشراسة
على المساكين الذين ينزلون بصدور عارية أمام طلقات الرصاص الحى .. حتى
جاءت أيام المذابح ، وكان هؤلاء المحللين السياسيين بعد كل مصيبة ومذبحة
تحدث يصرون على أن : ( الإنقلاب يترنح ) .. بل إن هذه المذابح على
- على حد قولهم – دليل على قرب إنتهاء الإنقلاب وسقوطه !
وهكذا ضاق صدرى من هذا التضليل والخداع والتخدير .. حتى أننى أذكر
أننى ساعتها علقت على هذا الأمر فقلت ساخرا : [ هلم بنا يا قوم نشد الرحال على
قناة الجزيرة .. حتى إذا وقعت المصيبة تلو الأخرى هتفنا جميعا وفى نفَسٍ واحد
: ( الإنقلاب يترنح ) ! ]
عندما بدأت تشاع قضايا الإغتصاب فى أقسام الشرطة كان هؤلاء المحللين
وأمثالهم يكذّبون مثل هذه الأحداث ويقولون : إشاعات لمحاولة جس نبض
الناس ومحاولة جرهم للعنف .. حتى جاءت شهادات الإغتصاب مسربة عن
طريقة بعض المقربين-خاصة النساء- لأهالى الضحايا .. ثم تبين أن الأمر جلل
وأن الأخبار حقيقية وصحيحة .. فحينها لم يجد هؤلاء المحللين ومعهم تحالف
دعم الشرعية الذى كان ينكر هو الآخر ويستبعد مثل هذه الأحداث .. لم
يجدوا بدًّا من الإقرار بما حدث ، وحينها أيضا أطربوا أذنى وأذن غيرى
بنغمتهم المفضلة : ( الإنقلاب يترنح ) !
نعم .. هكذا قالوا طالما أن الإنقلاب وصل لهذه المرحلة فهذا آخر
كارت يلعبون به !
وهم مع ذلك أحيانا يطلقون هذه العبارة إلى الآن ، وإن كان على مضض
وليس كما كان الأمر سابقا .
لم يراعى هؤلاء الجهلاء العامل النفسى الذى كانوا يتركونه فى نفوس
الجماهير بتخديرهم وخداعهم .. سواء عن قصد أو عن جهل .
أذكر فى هذا المقام مثالا عايشته بنفسى عن قرب .. ذلك أننى عندما
كنت معتقلا .. كان أحد المشايخ المعروفين قد تزعم ( مبادرة لنبذ العنف )
فكان هذا الشيخ –عليه من الله ما يستحق- يشجع الإخوة المعتقلين بإقناعهم
وتعشيمهم أن هذه المبادرة ستكون سببا فى الخروج من السجن ، وبما أن أغلب
العنبر حديثى عهد بالإعتقال وعدم الخبرة فى مثل هذا الشأن فقد خضع العنبر
بأكمله ووقّع على المبادرة إلا قليلا منهم .. كان يقول لهم بمجرد أن توقعوا
ستخرجوا من المعتقل .. فترك هذا أثرا نفسيا لا يستشعر حقيقته المرة إلا
من عايشه .. لدرجة أن بعض المعتقلين كان يحزم أمتعته كل مساء لاعتقاده
أنه سيخرج غدا !
وهكذا انقلب الأمر إلى ما يشبه مأساة فلم يخرج أحد ، ومر الشهر تلو
الشهر وعندما يسألوا قائد المبادرة ( الشيخ ) كان يقول لهم : ( الإنقلاب
يترنح ) .. أقصد يقول لهم : ( فيه خير كتير جاى شهر كذا... ) ثم يمر
الهلال تلو الهلال ولا يبرح أحد من العنبر !
إن القدوسى وسليم عزوز وتحالف دعم الشرعية قد ارتكبوا ومازالوا
يرتكبون هذا الجرم الذى لا يقل عن جريمة هذا الشيخ المذكور .. بل جرمهم
أشنع ، وإن ما يمارسونه على الجمهور لا يعدو أن يكون خداعا وتضليلا
وجهلا بواقع الإنقلابات العسكرية فى الدول العربية – خاصة - ، وفوق
هذا يمارسون دورا لا باس به فى تخدير الجماهير عن أن يأخذ بالثأر ممن أفسد
البلاد والعباد .. فاعتقل وقتل وشرد وهتك الأعراض وأخذ الأموال .. إن
الدور الذى يقوم به هؤلاء هو دور فى حقيقته يتكامل مع الطواغيت الذين
قاموا بالإنقلاب العسكرى لأنهم يقفون حائط صد وحماية لهؤلاء الطواغيت
سواء شعروا بذلك أم لم يشعروا ..علموا ذلك أم لم يعلموا ، ولكنها الحقيقة
.. دعك من معارضتهم مع السيسى وأتباعه ، ولكنهم يخدمون السيسى وأعوانه
أيما خدمة وهم مازالوا يخدعون ويكذبون على الناس مع أن الرائد لا يكذب أهله .
نعم .. إن الإنقلاب يترنح ، ولكنه يترنح بين خداعهم وتخديرهم وجهلهم .