حتى لا تخدعنا مظاهر القوة
بقلم أ. / محمد يوسف عدس
قال تعالى: { فَلَمّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَيْءٍ حَتّىَ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوَاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } الأنعام ٤٤و٤٥
فى هذه الآيات نقطة هامة أردت التوقف عندها والتنبيه إليها، حتى لا تخدعنا مظاهر القوة والنعمة والتمادى فى الظلم بدون رادع كما يتجلي فى حكم العصابة الانقلابية التى تجاهر اليوم بالفجور والانحراف والكذب على الله وعلى الناس، ونحن نقف مشدوهين نتساءل كيف يدعهم الله فى تماديهم وقد انكشفوا لكل عين ، لماذا لا ينزل الله عليهم بأسه فيخسف بهم الأرض ويرينا فيهم آية؟؟!
هذا النموذج من البشر يعلم الله حقيقتهم ؛ يعلم أن قلوبهم قد تحجرت وتعطلت أجهزة الاستقبال الفطرية فيهم فلم يعودوا يستشعرون الوخزات الموقظة التي يبعثها الله إليهم بين لحظة وأخرى؛ فلما نسوا ما ذكروا به وعلم الله سبحانه وتعالى إنهم مُهْلَكون فتح عليهم أبواب كل شيء .. لا لرضاه عن أعمالهم .. حاشا لله..! ، ولا لغفلة منه عن إجرامهم ، وإنما هي مهلة أخيرة للاستدراج بعد الابتلاء ..
{ حَتّىَ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوَا } وغمرتهم النعم المتدفقة واستغرقوا في الاستمتاع بها والفرح لها بلا شكر ولا ذِكْر .. وخلت قلوبهم من الاختلاج بذكر المنعم ومن خشيته وتقواه وانحصرت اهتماماتهم في لذة المتاع واستسلموا للشهوات والسلطة التى لا حدود لها ..
عندئذ يأتى موعدهم مع سنة الله فى الكون ، تلك السٌنّة التي لا تتبدل ولا تتخلّف عن موعدها: { أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مّبْلِسُونَ } ؛ فكان أخذهم على غرة وهم في سهوة وسكرة فإذا هم مضطربون مُهْلَكون بجملتهم: { فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الّذِينَ ظَلَمُواْ } ..أبادهم الله عن آخرهم فم يُبْقِ منهم أحدا ..
ثم تأتى فى نهاية المشهد:{ وَالْحَمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } تعقيبًا على الاستئصال الكامل للظالمين الفجرة بعد هذا الاستدراج الإلهي والكيد المتين..
يقول سيد قطب:
" مع هذا ينبغي التنبّه إلى إن سنّة الله في تدمير الباطل لا بد من أن يقوم في الأرض حقٌّ يتمثل في أمة .. ثم يقذف الله بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق .. فلا يقعد أهل الحق كسالى يرتقبون أن تجري سنّة الله بلا عمل منهم ولا كدّ .. فإنهم حينئذ لا يمثلون الحق ولا يكونون أهله .. والحق لا يتمثل إلا في أمة تقوم على أوامر الله في الأرض.."
** ومن أوامره وهدْي رسوله: الانحياز إلى الحق وإنكار الباطل .. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وكلمة حق عند سلطان جائر ..
أما الذين يجلسون بزعم الحياد سعداء يتفرجون على الظلم والمظالم المروعة ويتصوّرون بأنهم يفعلون الصواب ؛ إذ ينأون بأنفسهم عن الفتنة متحصنين بأحاديث كاذبة أو ضعيفة، وبتأويلات هزيلة هاذلة ، فهؤلاء قد استمرأوا الكسل والانحياز إلى شيطان الوهم والعمى.
وأما الذين يبررون للظالم ظلمه ويفتون له بالتمادى فى غيه فهم بعض أدوات الظالم ، و جزء من الظلم لا يتجزأ.. حسابهم واحد عند الله وعند الناس .. يشتركون فى اللعنة والقصاص فى الدنيا والآخرة.